بدأت أولى طلقات العملية العسكرية التي كانت متوقعة منذ أشهر في إقليم إدلب الواقع شمال سوريا هذا الأسبوع، عندما أقلعت طائرات مقاتلة روسية من قاعدة حميميم الجوية وأصابت قرابة 20 هدفًا في مدينة جسر الشغور وما حولها. وبعد هذه العملية بيوم واحد أصاب الجيش السوري أهدافا أخرى في شمال وغرب مدينة حماة. وتوجد تقارير غير مؤكدة عن أنه تم أيضًا استهداف الجيش السوري الحر الذي دربته تركيا وأمدته بالسلاح والذي يلقى دعما منها. وهذه هي أكبر مفاجأة في العملية. ومن غير الواضح، ما إذا كانت هذه خطوة غير متعمدة، أم أنها رسالة محددة مُرسلة إلى تركيا. وتحاول تركيا التفرقة بين المدنيين والمعارضة المسلحة، وبين المتطرفين والأقل تطرفًا في إدلب. وتريد روسيا من تركيا أن تقوم بهذه الخطوة سريعا. ومع الوضع في الاعتبار مدى تعقد الموقف، فإن تركيا تحاول تنفيذ هذه المهمة المضنية على أكمل وجه ممكن. وأشارت روسيا إلى غضبها عندما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الاثنين الماضي إن الموقف في إقليم إدلب الذي يسيطر عليه المتمردون لا يمكن السكوت عنه إلى أجل غير مسمى، وإن للحكومة السورية الحق في القضاء على الإرهابيين في هذا الإقليم. وإذا كان لافروف قال هذا بوضوح، فإن روسيا لا بد أنها قد أعربت عن نفس القلق بشكل قاطع خلف الأبواب المغلقة. والمعايير التي تُميز بين الجماعات المسلحة التي سيتم استهدافها موجودة في القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن، والتي تجعل من المنظمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة، و”كل الأفراد والجماعات والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة” أهدافًا مشروعة للقضاء عليها، بالإضافة إلى “جميع المنظمات الأخرى التي صنفها مجلس الأمن على أنها منظمات إرهابية”. وتم التأكيد على هذه المعايير في اتفاق أستانا من خلال إنشاء مناطق عدم تصعيد. ومن ثم فإن تركيا عليها التزام تعاقدي بموجب قرار مجلس الأمن والتزام آخر أكثر تحديدا بموجب اتفاق أستانا. تعريف الحكومة السورية للأهداف المشروعة أوسع نطاقا، ويشتمل على أي شخص أو منظمة منخرطة في اشتباكات مع الدولة. وإذا نحينا هذا التعريف جانبا وهو غير ملزم بالنسبة لتركيا، فإن أنقرة لديها معايير كافية لإنهاء هذه المهمة وتقديمها إلى منصة أستانا. ويجب أن تكون روسيا قد عدلت توقيت العمليات العسكرية ليتزامن مع القمة التي عقدت في إيران أمس الجمعة بين الدول الثلاث الضامنة لعملية أستانا. وربما كانت ترغب في أن تبدأ القمة وهي في وضع أفضل. والاستراتيجية التي أعلن عنها الجيش السوري هي إخلاء الإقليم تدريجيا. وإذا لم تتغير فإن التحركات الجماعية قد يتم تقليلها وتنتشر مع مرور الوقت، لأن الناس سيكيفون أنفسهم مع الحقيقة الجديدة التي ستنتج عن الخطوة التدريجية للجيش. وفي الحقيقة فإن الهجوم الأخير لم يسفر عن هلع، كما لم يكن هناك أي تحرك باتجاه الحدود التركية. ومن المقرر أن تسترد سوريا المنطقة، وستحشد كل وسائلها لتحقيق ذلك. ومن المحتمل أن تواصل روسيا وإيران توسيع إمداد دمشق بأي مساعدة، لكن استعادة إدلب ليست أمرا مفروغا منه. وسيضطر لاعبون كبار آخرون إلى تعديل سياستهم بما يتماشى مع هذه النماذج. وستحدد الظروف عدد المدنيين الذين قد يتحركون نحو الحدود التركية. ويتزامن هذا مع واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية التي تمر بها تركيا.وأعلنت أنقرة أن سياسة إدلب هي إنقاذ حياة المدنيين ومنع الهجرة الجماعية باتجاه حدود تركيا. وإذا ظلت سياسة إدلب في حدود هذه التوقعات الواقعية، فقد تتغلب على الصعوبات التي من المحتمل أن تواجهها. وكانت مسألة إدلب هي العنصر الرئيسي على جدول أعمال قمة إيران. والموقفان الروسي والإيراني بشأن المسألة المحددة بإخلاء الإقليم من الإرهابيين قريبان من بعضهما أكثر من قربهما لموقف تركيا. ومن ثم فإن هاتين الدولتين قد ترجعان إلى تركيا لتطلبان منها بذل المزيد لإنهاء المهمة. وبالنظر إلى الموقف المعقد في إدلب، والذي تتحمل تركيا نصيبها من المسؤولية فيه، فإن أنقرة ليس أمامها أي خيار آخر سوى تدبر أمرها.
مشاركة :