بعد عدة فصول من الركود، عاد الاقتصاد الهندي للانتعاش خلال الفصل الثاني من هذا العام. وبحسب تقرير صادر عن «QNB»، فقد ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى مستوى له خلال 9 فصول، إذ بلغ 8.2% على أساس سنوي، بارتفاع من نسبة 7.7% على أساس سنوي خلال الفصل الأول من العام. وكان هذا التسارع مدفوعاً بالارتفاع الكبير في وتيرة النمو بالطلب الاستهلاكي، وهو أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي. وارتفع الاستهلاك الخاص بنسبة 8.6% في الفصل الثاني، بارتفاع من نسبة 6.7% التي بلغها في الفصل الأول. وتباطأ النمو في الاستثمارات الثابتة والاستهلاك الحكومي مقارنة بالفصل الأول، لكنه ظل قوياً رغم ذلك. وعلى الأخص، كان نمو الاستثمارات الثابتة الذي بلغ 10% على أساس سنوي مثيراً للإعجاب، رغم كونه أقل من نسبة 14.4% المذهلة التي تحققت في الفصل الأول.بعد سنوات من الركود، يبدو أن عجلة الإنفاق الاستثماري في الهند بدأت تدور أخيراً، مع إحراز البنوك تقدماً في التخلص من القروض السيئة واستمرار قوة الطلب على الاستهلاك. وأخيراً، أدى صافي التجارة إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي مع ارتفاع الواردات بشكل أسرع من الصادرات. قطاعياً وبالنظر إلى نمو القطاعات الرئيسية، نجد أنه كان واسع النطاق نسبياً. فقد حقق قطاع الزراعة -الذي لا يزال يساوي ربع الاقتصاد الهندي تقريباً- نمواً قوياً بنسبة 5.3% مقارنة بالعام الماضي، بينما شهد قطاع البناء ارتفاعاً بنسبة 8.8% على أساس سنوي. لكن القطاع الأكثر تميّزاً كان هو قطاع التصنيع الذي نما بنسبة كبيرة بلغت 13.5% على أساس سنوي. تجدر الإشارة إلى أن ضعف الاقتصاد قبل عام ساهم في ارتفاع معدلات النمو السنوية في الفصل الثاني. وكان النمو قد انخفض إلى 5.6% على أساس سنوي في الفصل بين أبريل ويونيو من عام 2017، حيث كان الاقتصاد لا يزال يتعافى من حالة الاضطراب التي أحدثتها حملة الحكومة لتغيير الأوراق النقدية، كما قامت الشركات بتخفيض المخزونات قبل تعميم ضريبة السلع والخدمات على نطاق واسع من قطاعات الاقتصاد في شهر يوليو. وأدت الصدمة المزدوجة بفعل تغيير الأوراق النقدية (نوفمبر 2016) وتعميم ضريبة السلع والخدمات (يوليو 2017) إلى إحداث اضطراب في الاقتصاد الهندي على المدى القصير؛ مما زاد بشكل كبير من تقلّب نمو الناتج المحلي الإجمالي. ولتحديد آثارها، فإننا ننظر إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي لمدة عامين اثنين. على هذا الأساس، نجد أن نمو الناتج المحلي الإجمالي قد ظل مستقراً بشكل ملحوظ عند أقل من 7% بقليل. وهو على الأرجح تقدير عادل لمعدل النمو الحالي في الهند، وفقاً لـ «QNB». الإصلاح في حين أن ثمار الإصلاحات الهيكلية الأخيرة، ولا سيما إدخال ضريبة السلع والخدمات، من شأنها أن تساعد في رفع الناتج المحلي الإجمالي المحتمل للهند إلى حوالي 8% في السنوات القليلة المقبلة، سوف يكون من الصعب الحفاظ على نمو بنسبة تفوق 8% في المدى القصير. في الواقع، هناك عدد من المعيقات التي من المرجح أن تدفع نمو الناتج المحلي الإجمالي مرة أخرى نحو الانخفاض إلى معدل نموه الأساسي البالغ 7% في الفصول القليلة المقبلة. أولاً، تشير عجلة الاستثمار المتحركة في الهند واقتراب أسعار النفط من 80 دولاراً للبرميل -وهو أمر أكثر أهمية- إلى أن الحسابات الخارجية للهند ستتعرض لضغوط إضافية؛ فقد اتسع عجز تجارة السلع بشكل حاد في الهند خلال الأشهر الأخيرة. وبلغ إجمالي عجز الحساب الجاري نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو معدل يمكن السيطرة عليه إلى حد ما، لكنه قد يتدهور أكثر في الجزء المتبقي من العام. ونظراً للزيادة المضطردة في أسعار الفائدة الأميركية، والارتفاع العام في قيمة الدولار، والتخوف المتزايد من قبل المستثمرين من الأسواق الناشئة، ليس مستغرباً أن تواجه الروبية الهندية ضغوطاً هبوطية. فبعد تراجعها بأكثر من 10% مقابل الدولار حتى الآن في العام الحالي، أصبحت الروبية الهندية أسوأ العملات الآسيوية أداءً. ثانياً، يبدو أن النمو السريع في الفصول الأخيرة يسد بوتيرة سريعة فجوة الانتاج التي عانى منها الاقتصاد الهندي. ولذلك، فإن الضغوط تتزايد على الأسعار، مع تسارع معدلات ارتفاع التضخم الأساسي في الأشهر الأخيرة. وسيعمل ضعف الروبية الهندية -مقروناً مع ارتفاع أسعار النفط الخام- على زيادة الضغوط التضخمية في الأشهر المقبلة. تأخير وبسبب التأثير المشترك لهذه العوامل -اتساع العجز التجاري، وضعف الروبية الهندية، وارتفاع التضخم الأساسي- قام البنك المركزي (بنك الاحتياطي الهندي) برفع سعر الفائدة الأساسي بواقع 25 نقطة أساس في آخر مراجعتين من المراجعات نصف الشهرية التي يُجريها لأسعار الفائدة. ومع عدم إبداء بنك الاحتياطي الأميركي أي نية للتراجع عن جولات رفع أسعار الفائدة بوتيرة ثابتة بواقع 25 نقطة أساس، يبدو أن زيادة بنك الاحتياطي الهندي للتشديد النقدي أمر محتم (كما هو الحال مع باقي الدول الآسيوية). وبحسب توقعاتنا الأساسية، سيقوم بنك الاحتياطي الهندي بإقرار 3 جولات متواصلة من رفع أسعار الفائدة في المراجعة المقبلة لأسعار الفائدة في 4 أكتوبر. ثالثاً، من المرجح أن يكون للسياسة المالية أيضاً تأثير سلبي؛ فارتفاع أسعار الفائدة على وجه التحديد يعمل على تضخيم فاتورة الدعم بالنسبة للحكومة المركزية. وتشير آخر البيانات الشهرية إلى أن عجز الحكومة المركزية قد بلغ بالفعل المستوى المسموح به في الأشهر الـ 4 الأولى من العام المالي الحالي. فبعد اضطرارها إلى زيادة النفقات خلال السنة الماضية لتخفيف الأوضاع المتأزمة في المناطق الريفية، تتعرض الولايات الهندية كافة لضغوط لكبح ميزانياتها العمومية في العام الحالي. وتشير العوامل السلبية الناتجة عن تشديد السياستين المالية والنقدية إلى أن الأداء القوي الذي تحقق في الفصل الثاني من العام لا يُرجّح أن يستمر؛ فمعدلات النمو ستعود إلى حدود 7% في الفصول المقبلة. لكن يجدر التركيز على عاملين رئيسيين: أولاً، سيمنح ضعف الروبية الهندية الشركات في الهند ميزة تنافسية هي في حاجة ماسّة إليها، كما سيساعد في تسريع تدفقات الاستثمار المباشر إلى الهند. ولذلك، يُتوقع أن تزدهر الصادرات الهندية في العام المقبل. ثانياً، من الناحية النسبية، يُتوقّع أن تظل الهند من أبرز الاقتصادات الآسيوية أداءً، متفوقة على الأسواق الناشئة الرئيسية الأخرى كافة، بما في ذلك الصين. وبمجرد تطبيق الإصلاحات الأخيرة بالكامل، سيكون تحقيق الهند لنمو بنسبة 8% في الناتج المحلي الإجمالي أمراً اعتيادياً، وفقاً لتقرير «QNB».;
مشاركة :