من المعلوم تاريخياً أن الرحالة الاسكتلندي المولود في إيطاليا كريستوفر كولومبس صاحب الفضل في اكتشاف الأميركتين الشمالية والجنوبية، لكن تجربة في شكل رحلة بحرية نُفذت في حقبة الستينيات، إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ووثقها كتاب مُصوَّر صدر آنذاك، تقودنا إلى احتمال اخر مفاده أن الفراعنة سبقوا كولومبس بآلاف السنين إلى الأرض التي نعرفها الآن باسم «بلاد العم سام». مفاجأة ربما تُغيِّر قراءة التاريخ وتستنفر أقلام المبدعين، فجرَّها الباحث في التاريخ ومخرج الأفلام الوثائقية المصري، الدكتور أحمد سرحان. التقته «الجريدة» في حوار، كشف خلاله تفاصيل واقعة قديمة تضمنت مفارقات وعجائب وأهوالاً في عرض البحر، اقتفى سرحان أثرها ورصدها في فيلم توثيقي مُدعماً بالوثائق والصور الفوتوغرافية واللقطات السينمائية النادرة. يقول سرحان: «رحلة رع» عنوان الفيلم الوثائقي الذي بدأت أفكر في تنفيذه عام 2002 عندما التقيت طبيباً في أوكرانيا يُدعى يوري سنوك تيتش، عرفت منه أنه كان ضمن مجموعة زارت مصر عام 1969، إذ أشاع اليهود في حقبتي الخمسينيات والستينيات أن أجدادهم هم بناة الأهرام وبعدها قالوا إن الفراعنة ليسوا مصريين وإن أصلهم من دولتي بيرو والمكسيك في أميركا الجنوبية، بدليل وجود أهرامات صغيرة في الدولتين يرجع تاريخ بنائها إلى نحو 12 ألف سنة، أي أقدم تاريخياً من أهرامات الجيزة. علاوة على بعض الجداريات التي تظهر عليها صورة لمركب يعبرون بها البحار والمحيطات تشبه مراكب الشمس عند الفراعنة ولكنها مصنوعة من نبات البردى. وزعم اليهود مع هذه الاكتشافات أن الفراعنة عبروا المحيط الأطلسي واكتشفوا أفريقيا ومصر حيث أقاموا حضارتهم والتي جاءت تاريخياً لاحقة على الحضارة الأولى التي أنشؤوها في بيرو والمكسيك بنحو 5 آلاف سنة». يتابع سرحان: «لم يهتم أحد بهذا الكلام باستثناء ملك النرويج آنذاك أولاف الخامس (حكم النرويج بين 1957 و1991م) لأنه كان يعشق التاريخ المصري وقابل الرئيس عبد الناصر وقرَّر تشكيل فريق ضم سبعة أشخاص من جنسيات وتخصصات مختلفة. أقاموا في فندق «مينا هاوس» بضاحية الهرم، استعداداً للقيام برحلة بحرية خطيرة لإثبات ما إذا كان الفراعنة هم الذين اكتشفوا أميركا أم لا». وكانت المفاجأة أن سرحان توصل إلى شريط سينمائي قديم وثَّق الرحلة التي انطلقت في 25 مايو 1969 في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً منذ لحظتها الأولى حتى النهاية! مركب شراعي ومضى سرحان مستكملاً القصة الحقيقية نقلاً عن لسان الطبيب الأوكراني يوري تيتش، الذي لم يكن أحد الأشخاص السبعة الذين خاضوا التجربة فحسب بل كان طبيب الرحلة: «أقمنا في (مينا هاوس) وأغلقت منطقة الهرم لمدة ثلاثة أشهر، إذ بدأ هناك تصنيع مركب شراعي خلف الهرم الأكبر بالمواصفات الفرعونية، طولها 15 متراً وعرضها خمسة أمتار وبارتفاع ثلاثة أمتار، وتكونت من سيقان البردى وأصبحت جاهزة لتقل على متنها الفريق وقرداً مهمته استشعار الخطر. وخصِّص مكان على المركب لوضع المواد الغذائية الكافية للرحلة، ومن بينها 40 بطة و20 أنبوب غاز لإنضاج الطعام عليها». يتابع سرحان نقلاً عن تيتش: «شُحن المركب إلى ميناء طنجة في المغرب، وانطلقت الرحلة عابرة المحيط الأطلسي واستغرقت 57 يوماً إلى أن وصلت إلى ميناء بيرو بنجاح، وتم الاحتفاء بالمغامرين السبعة في البيت الأبيض، واستقبلهم الرئيس الأميركي نيكسون بنفسه، والأمين العام لهيئة الأمم المتحدة آنذاك، قبل أن يعود الفريق إلى مصر ويستقبله عبد الناصر. وطبع كتاب باللغة الفرنسية تضمَّن وقائع رحلة المركب، وحصل كل واحد من المشاركين في الرحلة على نسخة من الكتاب المزود بصور فوتوغرافية لتفاصيل السبعة وخمسين يوماً. كان الهدف من هذه التجربة، بحسب سرحان، إثبات أن الرحلة التي قام بها الفراعنة الأوائل تمت من الشرق إلى الغرب وليس العكس، وكانت المباراة بين المركب الذي خرج من مصر وانطلق في اتجاه بيرو، وآخر انطلق من بيرو في الاتجاه المعاكس لكنه تحطم أثناء رحلته. الطبيب الأوكراني تيتش أبلغ سرحان أن شخصاً يُدعى عبد الله دجيبرين كانت مهمته بين البحارة السبعة صيانة المركب، وهو تشادي الجنسية استقر في مصر بعد انتهاء الرحلة. وتمكّن سرحان فعلاً من الوصول إليه، وبدأ المخرج في تسجيل القصة من أحد أبطالها بالصوت والصورة وحصل منه على صور من الكتاب الذي وثق الرحلة لتضمينها في فيلم «رحلة رع». تعتيم يحكي دجيبرين أن الرحلة نجحت لكن جرى التعتيم عليها ربما بسبب أن الأميركيين لا يريدون القول إن الفراعنة هم أصحاب الفضل في اكتشاف بلادهم وليس كريستوفر كولومبس، مضيفاً: «تم التنبيه علينا بعدم التحدث إلى أية وكالة إعلامية بشأن الرحلة»، موضحاً: «طُبع كتابٌ بواسطة ملك النرويج والدكتور ثور هيريدال (قائد الرحلة) تجاوز 500 صفحة، تضمن الصور الفوتوغرافية التي وثقت الرحلة، فضلاً عن كتاب آخر طبعته هيئة الأمم المتحدة وأهدت منه نسخة لكل واحد منا، تظهر فيه صورٌ التقطت لرحلة المركب من إحدى الطائرات، وأخرى مأخوذة من مادة فيلمية صورها من مركب مطاطي موازٍ مصور الرحلة الإيطالي كارلو ماوري (واحد من ضمن فريق السبعة) وأهمها صور لاعتداء أسماك القرش على المركب». دجيبرين يؤكد أن المركب الشراعي المصري نُقل إلى مدينة أوسلو في النرويج، حيث أنشئ متحف وضع فيه، كذلك تتصدر مدخل المتحف سبعة تماثيل للمغامرين السبعة. أما سبب وجود المركب في النرويج وليس مصر فهو أن الأولى هي التي أنفقت على الرحلة التي كان قائدها دكتور ثور هيريدال Dr. Thor Heyerdahl النرويجي الجنسية. وسافر سرحان للتأكد من وجود المركب في النرويج وصوّره بكاميرا Hand Cam من داخل المتحف، وضمَّن هذه المشاهد فيلمه الجديد. فريق المغامرين السبعة: - قائد الرحلة، ثور هيريدال (نرويجي). - مصور الرحلة، كارلو ماوري (إيطالي). - مسؤول إدارة المركب، سنتياغو جينوفيس (مكسيكي). - خبير الخرائط، نورمان بيكر (أميركي). - خبير الغطس، جورج سوريال (مصري). - طبيب الرحلة، يوري سنوك تيتش (أوكراني). - مسؤول صيانة المركب، عبد الله دجيبرين (تشادي).
مشاركة :