تطبيقات ذكية تزاحم الأطباء في تقديم الخدمات الصحية

  • 9/10/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تطبيقات ذكية تمهد الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية والعلاج الشخصي الرقمي والدقيق، من أجل تجنيب الأفراد أوقات السفر الطويلة وتكاليف الرعاية الصحية الباهظة وتحسين صحة المرضى، لا سيما في المناطق النائية والمعزولة يمثل الحق في الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة أهمية قصوى وأمرا مثيرا للجدل في عدة مجتمعات في العصر الحالي، فمن المؤسف في عهد الثورات العلمية والتكنولوجية، أن يكون نصف سكان العالم محروما من هذا الحق ويواجه خطر الموت في ظل غياب الإمكانيات المالية. ولا تزال العديد من الأمراض تمثل تحديا كبيرا بالنسبة للمجتمعات في الدول الأقل دخلا في منطقة جنوب الصحراء في أفريقيا، كالأمراض الطفيلية والالتهاب الرئوي، ومعظمها يودي بأرواح الملايين. وفي الوقت الذي يتكبد فيه البعض عناء سفر طويل وشاق من أجل الوصول إلى أقرب مصحة، يتوفى البعض الآخر في ظروف صحية غامضة بسبب عجزه عن توفير كلفة الرعاية الطبية بالمستشفيات والمصحات الخاصة التي تكون أسعارها غالبا خارج إطار مقدرة الكثيرين. فيما يفتقد حوالي 36 مليون شخص نعمة البصر مع أن 80 بالمئة من أمراض العيون قابلة للعلاج عن طريق الجراحة البسيطة أو بمجرد اقتناء نظارة، لكن تفتقر مناطق كثيرة في العالم للمتخصصين القادرين على إجراء اختبارات العيون، خاصة بالمناطق التي تبتعد عن المدن الكبرى. كما تفرض تكلفة الرعاية عبئا كبيرا على الناس وعلى اقتصادات بعض البلدان، وبالأخص في أوروبا والولايات المتحدة، ففي أغلب مناطق الولايات المتحدة، تكلف الرعاية الصحية العادية بالنسبة لعائلة لديها طفلان صغيران أكثر من كلفة أجرة السكن، أما الرعاية الصحية للرضع فهي أغلى من أقساط دراسة أربع سنوات في جامعة عامة. وتكلف الرعاية المنزلية الشاملة لشخص طاعن في السن ما يفوق 45 ألف دولار في السنة، وهو ما يعادل 80 بالمئة‏ من معدل الدخل الأُسَري. التكنولوجيا هي الحل استعمالات متعددة استعمالات متعددة في ضوء هذه الإحصائيات المقلقة، يرى البعض من الخبراء أن الطرق التي يحصل بها الناس على الرعاية الصحية غير مجدية، وأن هناك الكثير من الأمور يجب أن تتغير بصورة جذرية وعاجلة، لتأمين وصول الناس لجودة الصحة، التي لا تعد امتيازا بقدر ما هي حق أساسي من حقوق الإنسان. ويعول الخبراء على استخدام التطبيقات الذكية في الرعاية الصحية والتي بوسعها تقليل نسبة وفيات الأطفال والحد من انتشار الأمراض، وكذلك تحقيق تقدم كبير في مجال إطالة عمر الفقراء وتحسين أحوالهم الصحية. وهناك عدد متزايد من مقدمي الخدمات الصحية ومبتكري البرامج الإلكترونية، أبدوا تحمسا كبيرا للخدمات الصحية التي تقدم من خلال الهاتف المحمول أو ما يعرف باسم “إم-هيلث” (أو الخدمة الصحية عبر الهاتف). ويعني ذلك ببساطة جمع المعلومات الخاصة بالوضع الصحي للمرضى لحظة بلحظة عن طريق الأجهزة التكنولوجية الحديثة، وهذه المعلومات من المكن إرسالها لاحقا إلى أحد الأطباء لمراجعتها. ومن المرجح أن تستفيد دول كثيرة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، وبعض الدول النامية الأخرى، أكبر استفادة من هذه التطبيقات الصحية الذكية، لأنها تعتمد بشكل كبير على الهواتف المحمولة التي أصبحت أكثر شعبية في جميع دول العالم. ووفقا للأبحاث الأخيرة التي أجراها البنك الدولي، فإن الناس الأكثر فقرا في العالم قد أصبح في مقدورهم الوصول إلى الهواتف المحمولة أكثر من الكهرباء ومياه الشرب. فهل حقا بوسع هذه التطبيقات الرقمية أن تكون “طوق النجاة”؟ من الناحية الاقتصادية َيعد هذا المجال الجديد بتحقيق نمو هائل في السنوات القليلة القادمة. فوفق شركة ماركيتس آند ماركيتس، وهي شركة متخصصة في أبحاث السوق ومقرها الهند، من المرجح أن يبلغ حجم صناعة التطبيقات الصحية عبر الهاتف 59 مليار دولار أميركي بحلول عام 2020. عندها ستصل هذه الصناعة إلى معدل نمو سنوي مركب يصل إلى 4.33 بالمئة بين الحين والآخر. وتوقع تقرير صادر عن مؤسسة أكسينتشر لخدمات الإدارة والاستشارات والتقنية، أن الرعاية الصحية عبر الهواتف سوف توفر على قطاع الرعاية الصحية الأميركي ما يقارب 100 مليار دولار خلال السنوات القادمة. الخبراء أكثر تفاؤلا بالمبادرات التي تعتمد على نموذج تقديم الرعاية الصحية بالاعتماد على الهاتف وسوف يكون الأمر مفيدا أيضا لأغلب المرضى، خاصة في ظل تعدد وتنوع التطبيقات الطبية المتاحة على الهواتف النقالة، والتي تفوق حاليا 318 ألف تطبيق، ما سيتيح لهم الفرصة لإدارة معظم شؤونهم الصحية بأنفسهم، فبإمكانهم استخدام التطبيقات الطبية، مثل “تيلادوك”، أو “طبيب تحت الطلب”، لطلب موعد فوري أو جدولة استشارة فيديو وجها لوجه مع طبيب أخصائي. وتكمن فائدة هذه التجارب المستندة على الهواتف الذكية في تجنيب الشخص أوقات السفر الطويلة والتكاليف الباهظة المرتبطة بها، وخاصة في المناطق النائية والمعزولة، والتي تعاني من نقص في طب الاختصاص. وبحسب مركز “بيو” للأبحاث، ففي الوقت الذي يوجد فيه الملايين من الناس يعيشون في أماكن معزولة وبعيدة جدا عن أماكن الأطباء أو المستشفيات بشكل لا يمكنهم معه الحصول على العلاج، فإن نحو 80 بالمئة من سكان القارة الأفريقية لديهم هواتف محمولة. وشهد سوق تطبيقات الصحة المتنقلة تطورا بشكل مطرد خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن مقابلات الفيديو الافتراضية مازالت بطيئة، لكن من المتوقع أن تتضاعف في المستقبل القريب. وفي هذا الشأن يقول كين داكوورث المدير الطبي لمنظمة التحالف الوطني للأمراض العقلية بالولايات المتحدة “أعتقد أن هذا التطور ثقافي وأعتقد أنه سيستغرق بعض الوقت”. ويبدو الخبراء أكثر تفاؤلا بالمبادرات التي تعتمد على نموذج تقديم الرعاية الصحية للمرضى بالاعتماد على الهواتف النقالة، مثل تلك التي طرحتها شركة سيفاموب في الهند، البلد الذي يبلغ عدد سكانه 1.2 مليار نسمة، حيث أحدثت الشركة تغييرا جذريا في مجال الرعاية الصحية من خلال العيادات المتنقلة وسوق الصحة عن بعد، ومكنت الشركة الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود من التمتع برعاية صحية جيدة. ابتكار عدد من البرمجيات تطبيقات رقمية رائدة وواعدة تطبيقات رقمية رائدة وواعدة تعمل أيضا شركة بيك فيزيون البريطانية مع شركاء لها، على تطوير تطبيقات “بيك اكوتي” و”بيك رتينا”، للكشف المبكر عن ضعف البصر ومشاهدة والتقاط صور للشبكية عبر الهاتف الجوال، وبعدها يتم إرسال البيانات إلى أخصائي لاتخاذ القرار بشأن العلاج، والهدف من هذه التطبيقات هو تمكين الملايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم من مرافق صحة العين والتي ليس من اليسير الوصول إليها في بعض المناطق. ويعتمد البعض من التطبيقات الطبية على ميكروفون وكاميرا الهاتف الجوال في عملية تشخيص الأمراض، كما يمكن في تطبيقات أخرى دمج أجهزة استشعار وملحقات صغيرة بالهواتف الذكية للقيام باختبارات أساسية وتشخيص مشكلات صحية من الأمراض البسيطة إلى المزمنة مثل السرطان، فعلى سبيل المثال يقوم جهاز مراقبة الغلوكوز بالحصول على معلومات قيمة عن مستويات الغلوكوز في الدم، ويمكّن المريض من البيانات كل خمس دقائق على جهازه المحمول، ما يمنحه رؤية إضافية لإدارة مرض السكري. كما تسمح أجهزة مراقبة رسم القلب المتصلة للطبيب بمراقبة الحالة الصحية لقلب المريض عن بعد عبر هاتفه الذكي. وقام باحثون من جامعة تافتس بولاية ماساتشوستس الأميركية بتطوير مستشعرات الأسنان (وقد أعلن عنها في مارس 2018)، لتتبع النظام الغذائي في الوقت الحقيقي ونقل المعلومات للطبيب لاسلكيا. وقد تم تطوير حبوب ذكية بمستشعرات دقيقة (مثل حبوب منع الحمل)، ترسل رسائل بمجرد ملامستها لسوائل المعدة، وتمكن المريض من معرفة مواعيد استعمال الأدوية عبر تطبيق على هاتفه، ما يجنبه تعاطي جرعات زائدة. ويمكن للهواتف الذكية أن تساهم أيضا بدور كبير في تحسين الصحة العقلية للأفراد، وأن تخدم بصفة استثنائية الرعاية الصحية في هذا المجال الذي مازال يعاني من نقص فادح في المختصين والأطباء. ومازالت التطبيقات الرقمية الرائدة والواعدة في مجال الرعاية متوالية خلال السنوات القادمة، ومثل هذا الأمر قد يجعل الفقراء يتمتعون بالحق في الحياة، بعد أن أمعنت الحكومات في رفع المقابل النقدي للرعاية الصحية، على الرغم من أن الحياة يجب أن تظل، حرفيا، لا تقدر بثمن.

مشاركة :