عصافير لا تحلق في السماء!!

  • 12/29/2014
  • 00:00
  • 32
  • 0
  • 0
news-picture

السمنة ليست فقط داء يصيب البشر ولكن الطيور من الممكن أن تعاني أيضا من عوارض السمنة المفرطة، وتدفع ثمن نهمها في الأكل، وتصاب بما يشبه التصاق الفخذين وهو ما يمكن في هذه الحالة أن نُطلق عليه التصاق الجناحين يحول دون تحليقها مثل باقي أقرانها. في أستراليا قبل بضع سنوات اكتشفوا في الشارع عصفورة بدينة لا تستطيع الطيران إلا لمدة ضئيلة جدا مما يجعلها هدفا للقطط والحيوانات الأخرى. بدأت فرق تابعة للدولة في البحث عن العصفورة المسكينة وإنقاذها من الموت المحقق ورعايتها وحمايتها وتأهيلها، عدد من الدراسات تناولت أسباب تلك الحالة الصحية التي أدت بها إلى استخدام قدميها فقط في التنقل، وكان الحل هو ضرورة تخفيض وزن العصفورة بنسبة 40 في المائة لتستطيع مواصلة حياتها في السماء. العصفورة خلقت بالطبع للطيران ولكن عيوبا جينية أدت إلى أن تفقد ما هي مهيأة له وصارت جناحيها الملتصقتين غير قادرة على حمل جسدها، لم أتابع في الحقيقة ما الذي حل بعد ذلك بالعصفورة ولكني أتصور نهاية سعيدة للحكاية، حيث تعاود العصفورة الطيران ويجذبها وهي تحط على الغصن صوت عصفور «دون جوان» ليصبح فتى أحلامها وتبني معه عش الزوجية وينجبان عصافير وعصفورات. أتعاطف مع طائر عاجز عن ممارسة حقه في التحليق كما أتعاطف مع إنسان خلق للحرية ولكنه لا يستطيع ممارستها، التحليق للطيور هو بمثابة الحرية للإنسان، فلماذا أصبح الإنسان العربي مثل طائر يعاني من التصاق الجناحين؟ وبالتأكيد تراكم غياب الممارسة الديمقراطية يحيله إلى كائن لا يستطيع التعامل مع مفردات الحرية. كثيرا ما صار يتردد أن ثورات الربيع العربي التي نادت «عيش حرية عدالة اجتماعية» شهدت تراجعا على كل المستويات، بينما يرى آخرون أن شعوبنا غير مهيأة لتلك الحرية، ويتم التمهيد للبديل الجاهز الذي يقف متأهبا على الباب وهو نموذج الديكتاتور العادل الذي يوفر في العادة للمواطن الحد الأدنى من أساسيات الحياة الاقتصادية، مقابل أن يحتكر لنفسه الحرية في فرض كل القيود. الحرية ليست منحة ولكنها حق يحتاج إلى ممارسة دائمة، والمفروض أن المثقف هو المنوط به انتزاع هذا الحق ولكن مع الأسف نفاجأ بأن هناك من يريد المقايضة، وعلى سبيل المثال هناك عدد من الإعلاميين والمثقفين في مصر عندما يلتقون بالرئيس عبد الفتاح السيسي يحاولون حثه على إغلاق بعض القنوات الفضائية والصحف التي يرون أنها تُقدم رسالة لا يرضى عنها الرئيس. بعضهم شاهدتهم في لقاء كنت أحضره مع رئيس الوزراء إبراهيم محلب بعد أن صادر فيلم هيفاء وهبي «حلاوة روح» فكانوا يطالبونه بمزيد من المصادرة والمنع والقمع الفكري، ولا أدري ما هو موقف هؤلاء الآن بعد أن أعاد القضاء عرض الفيلم. الدولة تريد من المثقف أن يقول: «بيدي لا بيد عمرو» فهي تنتظر منه أن يمارس هو المنع ضد زميله المثقف، وهكذا مثلا خططت وزارة الثقافة المصرية، في توقيت ما، أن تنشئ هيئة رقابية أطلقت عليها كنوع من تحلية البضاعة «لجنة الدفاع عن حرية الإبداع»، ووجدت بين المثقفين من يقدم نفسه على اعتبار أنه هو حامي حمى الفضيلة في الفن لولا أن تصدت مجموعة أخرى داخل دائرة المثقفين لهذا المخطط الشرير الذي كان سيؤدي لا محالة إلى مزيد من الكبت. البعض ينظرون فقط تحت أرجلهم ولا يتطلعون أبدا للسماء، لا يزالون غير قادرين على الطيران مثل العصفور الأسترالي البدين، العصفور يحلق الآن على الأغصان، بينما هؤلاء يبدو أنهم سوف يقضون بقية حياتهم وهم يعانون من التصاق في الجناحين!!

مشاركة :