ترصد المسرحيات الأربع في مجموعة “رسالة إلى الله” للمسرحي العماني التي كُتبت ما بين 2008 و2017، قضايا مختلفة لتمظهرات الشعوب العربية المقهورة؛، إما على المستوى الإنساني العام، وإما على المستوى المحلي الخاص بعمان. وكيف يمكن للأمل أن يصنع الحياة وسط آلام وانكسارات الإنسان المهمّش والمحطم. “العرب” توقفت مع محمد خلفان في هذا الحوار حول عمله المسرحي. صدر مؤخرا عن دار مسعى الكندية بالتعاون مع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء كتاب “رسالة إلى الله”، من تأليف المسرحي محمد خلفان، مشتملا على أربع مسرحيات هي “رسالة إلى الله”، و”قرن الجارية”، و”السيل”، و”طبق”. تحكي مسرحية “رسالة إلى الله” قصة صراع عميق من أجل النجاة لمجموعة من المهاجرين غير الشرعيين الفارين من دولتهم المنكوبة بالحرب والثورات، وهم من أطياف مجتمعية مختلفة ينقلب بهم القارب فيتصارعون، ويتحوّل القارب المقلوب إلى عالم تتقاسمه الاحتمالات والمكائد والتحالفات السرية والمعلنة. وتستلهم مسرحية “الجارية” حكاية شعبية متداولة في ولاية سمائل عن قصة غزالة وكفاحها ضد الظلم والسلطة الذكورية المتمثلة في أخيها غزيل والسبع قائد التنظيم وقائد الحملة على قريتها وقاتل زوجها والساعي إلى جسدها. الكاتب المسرحي يجب ألا يتدخل في عمل المخرج، وإنما يقدم له مجموعة من الإرشادات التي ربما قد يحتاجها بينما تحكي مسرحية “السيل” صراع أهل القرية في ظل شيخوخة قائدها الذي يشيخ مبكرا بسبب فقده لابنه في حادثة السيل فيربي عوضا عنه طفلا يصل إلى القرية في طشت في الحادثة نفسها ويسميه أهل القرية ابن السيل. وفي مسرحية “طبق” تتعرض مملكة للمجاعة وجفاف النهر الذي تعتمد عليه في حياتها وزراعتها فيخرج الملك إلى الشارع عارضا مجوهراته وأحجاره مقابل طبق من الطعام. يفيض النهر بعد ذلك الانقطاع وتعود الحياة إلى المملكة وتمتد الموائد أمام الملك لكنه لا يشبع إلا إن أكل من ذلك الطبق الذي كان يأكل منه زمن المجاعة. مرآة متشظية يلاحظ القارئ لمسرحية “قرن الجارية” تدخل خلفان -ككاتب نص- في الرؤية الإخراجية، ويوجه مجموعة اقتراحات توضيحية للمخرج المحتمل للنص. وفي هذا الشأن يرى خلفان بأن الكاتب المسرحي يجب ألا يتدخل في عمل المخرج، وإنما يقدم له مجموعة من الإرشادات المسرحية يرى أنه ربما قد يحتاجها، والمخرج له حرية الاختيار سواء أكان اختياره المحافظة على حرفية النص أو صنع قراءة خاصة به منطلقة من النص. يقول “كتابتي للإرشادات المسرحية في نص ‘قرن الجارية’ الذي أخرجته بعد ذلك فقد تساءلت الناقدة الدكتورة آمنة الربيع في كتابها النقدي ‘جماليات التأليف الدرامي والإخراج في تجارب مسرحية عمانية (محمد الشنفري وبدر الحمداني ومحمد خلفان نماذج)’ عن سبب ذلك وذهبت إلى أني أكتب كتابة مشهدية لا نصية وأشارت إلى أن الدراماتورجيا عملية حاضرة قبل الإخراج. وأنا لا أدري إلى أي مدى طغى أحدهما على الآخر (الكاتب، الدراماتورج، المخرج)، فأنا أسعى دائما إلى أن أفصل بينهما محاولا أن يكون الكاتب الذي يكتب هو غير المخرج الذي يتصدى للإخراج لكن يبدو لي أنهما التقيا في هذا النص، وقد تكون نقطة الالتقاء هذه هي الكتابة المشهدية التي تقصدها الناقدة آمنة الربيع”. لا يفرّق خلفان بين فضاءات المسرح العربي قبل الربيع وبعده، ولكنه يرى بأن الاختلاف الحقيقي يكمن في هواجس الإنسان العربي نفسه، فهواجسه قبل الربيع ليست هي ذاتها بعده. يقول “لأن المسرح مرآة الإنسان فبالضرورة أن تختلف المرآة باختلاف الإنسان، فلو كان الإنسان مهشما فلن يكون نصيب مرآته إلا التهشيم”. ويضيف “قبل الربيع بكثير وبعده بقليل كان للمسرح العربي همومه القريبة من بعضها البعض؛ لذلك كانت أغلب العروض المسرحية بعد الربيع العربي تبحث عن الحرية كما فعلت الشعوب، لكن مرت بالمنطقة العربية بعد الربيع تصدعات أخرى شظت المسرح العربي وقسمته إلى عدة مسارح رغم أنها كانت موجودة سابقا حسب تقسيمات معينة منها الجغرافيا مثلا لكنها صارت موجودة اليوم حسب تخندقات سياسية ما كان ينبغي لها أن تكون، فالمسرح لا يتبع السياسة، وليس ظلا لها لأنه منار الحرية”. عن وجود ممثلين عمانيين مقتدرين على مستوى النص الشعري الفصيح عالي المزاج واللغة، وإن كانت هنالك أزمة ممثّل في عمان يرى خلفان بأن عمان بلد ضارب في التاريخ، وبلد له ثقله الحضاري، ومساهماته في العربية على مر التاريخ فمثله -الكلام لخلفان- لن يعجز عن تصدير أهل لغة ومجاز، فعمان ولادة، والعربية العمانية إن صح التعبير نقية على المسرح لا تخدش السمع ولا ترهقه بل وتريحه بموسيقاها. المسرح العماني صراع عميق من أجل النجاة صراع عميق من أجل النجاة لا يرى الكاتب وجود أزمة ممثل مسرحي في عمان، يقول “لو كان الحكم على الجوائز سنجد مجموعة من الممثلين العمانيين قد حصلوا على جوائز عربية في مهرجانات مختلفة منهم: عبدالله مرعي وعبدالحكيم الصالحي وإدريس النبهاني وعيسى الصبحي وميمونة البلوشية وسميرة الوهيبية. والمشكلة ليست في الممثل العماني، بل في الظلم الواقع عليه في الخارج والداخل، فهو مارد محبوس في قمقم يمتلك طاقة جبارة تكمن مشكلتها الوحيدة في شكل الاشتغال الحقيقي عليها والتسويق لها، كل ما تحتاجه الطاقات التمثيلية العمانية نحات واع بالقيمة الفنية للممثل الذي أمامه ليخرج لنا الممثل المسرحي العماني في صورته البهية”. ويتابع “لقد حضرت العديد من المهرجانات العربية وشاهدت طاقات مسرحية جميلة، لكني لن أظلم الطاقات المسرحية العمانية وأقول إن تلك الطاقات التي رأيتها تبتعد عنا كثيرا، بل قد نتفوق عليها أحيانا رغم إيماني بأن المسألة نسبية ولا تؤخذ بالعموم. ويبقى أن أقول إنه لو تهيأت للممثل العماني الإمكانات التي تهيأت لغيره لكانت المقاربة أقرب ومع ذلك ما زال الممثل العماني يقاتل ليكسر صخرة سيزيف، وعموما لو تم إنصاف المسرح العماني لأنصف الممثل العماني”. يرفض خلفان التحايل على سلطة الرقيب كما يفعل الكثير من المخرجين حين يقدمون له نصا مشوها حتى يتجاوزوه، وفي الوقت نفسه يرفض أن يشاركه الرقيب كتابة النص أو إخراجه، ويتعامل معه كما ينبغي أن يكون لا كما هو كائن. يقول “لماذا أشوه نصا من أجل عينه؟ ولماذا يخاف هذا الرقيب من المسرح وما المخيف فيه، قوته؟ عليه أن يطمئن فهي قوة ناعمة غايتها التنوير”. ويضيف في الشأن نفسه “المسرح للمسرحيين، ولا داعي أن يطل منه رأس الرقيب المعتمد على الظنيات، ولا داعي أن يكون وكيلا للمجتمعات والحكومات والأديان؛ لأنه بفعله ذاك يغلق الضوء عن المسرح، فيعيش المجتمع الذي هو جزء منه في العتمة. وفي الأخير أتمنى أن يكون كل هذا الذي يحدث هو مجرد تدخلات فردية ستمّحي مع الزمان”.
مشاركة :