كان يتوسطنا ، أنا عن يمينه وأخي الأصغر عن شماله ، يستمع لما نرويه ونشكو منه ونستهزء به ، بكل حواسه . صمتنا عندما بدء برنامجه المُعتاد ، عُمر شاب يحمل في يديه العديد من الأوراق يقف خلف طاولة مستديرة سوداء اللون ويتحدث بطلاقة واضحة في جميع الإتجاهات ، لكن ما أتعبنا جميعاً هو ماختم به برنامجه قائلاً : كل فرد في هذا العالم هو مسؤولٌ عمّ يحل به اذا ظلّ صامتاً عنه ، يجب على كل شخص أن ينطق ويصرخ لينقذه العالم ، إن كلاً منا هو سبب مشكلته التي لا تُحل ، وحده سبب هذه الدائرة اللّعينة التي تدور حوله للأبد . حينها نظر كلاً منا لجرحه الخاص خفيةً عن الآخر ، حتى وإن صدّق جزءٌ من أحدنا ما قيل ، فجزءه الآخر جعله ينظر خفيةً لجرحه الذي يعنيه وحده ، شرّع أبي عيناه المُتحجره وراح يحدق في فراغ الجدار وبصوتٍ يشبه الهمس راح يردد : صحيح ، كل ماقاله صحيح . كنتُ أرغب كثيراً بأن أزيل هذا الندم المختبئ تحت جلدك يا أبي الصغير ، أن أنزع ماتبقى من ألم الفقد العالق في مسامك ، جميعنا نفهم جيداً بأنك ماكنتَ قادراً على إقناع نفسك بكلامٍ كهذا عندما سلب منك العالم أهم مايحتاجه طفل في الثامنة من عمره ، عندما حرمك وجود الأم ، ماكنت ستصرخ للعالم عندما كنت تبكِ وودت لو أنك تبكِ في صدرٍ يستطيع أن يسعك بكل ألمك ، ماكنت ستطلب العطف من جهة أخرى ، ولا الحنان . لذلك نعم سيّد عُمر ، هل ستستطيع أنتَ تحمّل كل أصوات المُعنفين ، المحرومين وكل المُتعبين من حولك ؟ هل سيستطيع العالم الصمود أمام ملايين الصرخات الموجوعة لحد الموت ؟ هل ستكتفِ الالآم المُخبئة لسنوات بعدم إحتمالك لصرختها الشاحبة ؟ هل ستكتفِ بتشقق الأراضِ والقلوب ؟ . لقد صمت البعض منا لسنوات والبعض يشقّ طريقه بالصمت للتو ، لا أحد سيكون قادراً على تحمل نظرات الشفقة الحارقة صدقني لكل فردٍ جرحه الخاص الذي لا يستطيع أن يشير إليه وكأنه لا يعنيه وحده ، لكل منا ذاك الألم الذي يبكيه لآلآف الليالِ ، ويجعل المشقة تمدّ جسدها على طول طريقه . أُنظر سيّد عُمر لا أحد يودّ بأن لا تُحل مشكلته وأن تدور به هذه الدائرة اللعينة للأبد ، لكن الجميع عاجزٌ عن رمي دمار صدره للخارج ، عاجزين كُلنا ، نحن عالم المنكوبين والمُتعبين عن تقيؤ قُلوبنا ، لذلك أرجوك توقف عن رمي الكلمات القاسيه التي تُحطم القلوب وتخرق الجلود ، توقف عن جلد الصامتين بسوط الأسئلة ، توقف .. للأبد عن طلب الصامتين بأن ينطقو .
مشاركة :