إذا شعرت بالقلق تجاه ما يسمى بظاهرة الاحتباس الحراري، فهناك تهديد أكبر بكثير يهدد استقرار الكوكب وهو أقوى وأكبر من مجرد تغير المناخ. يمكن أن يسمى هذا التهديد الجديد بـ”الاحتباس الجيوسياسي العالمي”. من بين الدول الخمس التي تمتلك قدرات نووية، يحكم روسيا والصين اثنان من القادة الدكتاتوريين الذين يتدخلون بقراراتهم في جميع جوانب الحياة اليومية تقريبا. لم يحدث أن تقلد أحد الحكم أقل صرامة ودكتاتورية من فلاديمير بوتين وشي جينبينغ حتى منذ تولي جوزيف ستالين وماو تسي تونغ الحكم. وقال إي جيه ديون، كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست، وأستاذ علم الحكومات بجامعة جورج تاون، وكبير زملاء معهد بروكنغز، “إن القوة النووية الرائدة في العالم، الولايات المتحدة، تتجه نحو تبني سياسة الحكم الدكتاتوري”. فهل يمكن للولايات المتحدة أن تصبح دولة دكتاتورية مثل روسيا والصين؟ في ظل وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، فإن ذلك ليس خارج نطاق الاحتمالات. لقد أظهر ترامب ازدراءه للصحافة الحرة، مستخدما لفظا يفضل ستالين استخدامه لتصوير أولئك الذين يختلف معهم بأنهم “أعداء الشعب”. ونقل ديون عن ستيفن ليفيتسكي ودانيال زيبلات اللذين تناولا هذا الموضوع في كتاب جديد بعنوان “هاو ديموكراسيز داي” أي (كيف تموت الديمقراطية)، حيث يتساءل الكاتبان “كيف يدمر هؤلاء الدكتاتوريون المنتخبون المؤسسات الديمقراطية التي يفترض بها أن تقيدهم؟ البعض يفعل ذلك بضربة واحدة، لكن في كثير من الأحيان يبدأ الاعتداء على الديمقراطية ببطء، وتلاشيها يحدث تدريجيا، وغالبا في خطوات بطيئة”. من هنا يظهر السؤال: هل يشكل الرئيس ترامب تهديدا للأسس الدستورية للولايات المتحدة؟ يقول الكثيرون إن ترامب هو مجرد شخص “ديماغوجي”. ورأى ديون في صحيفة واشنطن بوست أن آخرين يرونه على أنه “دكتاتور مستعد لأن يضرب بأساسات حكومة الجمهوريين عرض الحائط”. إذن لماذا نحتاج إلى أن نقلق بشأن الحرب النووية الآن أكثر من ذي قبل؟ خلال الحرب الباردة، كنا على وشك نشر الأسلحة النووية ولكن تم تجنب مخاطرها. أما في عصر ما بعد الحرب الباردة، فنحن نواجه تهديدا جديدا يمكن أن يعرض الكوكب بأكمله للخطر. نحن ندخل مرحلة جديدة في الجغرافيا السياسية التي تجلب الكثير من التغيير في الأنظمة القائمة. ويمكن أن يكون التغيير إيجابيا أو سلبيا، ما سيسبب إزعاجا للنظام العالمي القائم. وليس من السهل دائما إدراك أننا نعيش لحظة مهمة في التاريخ. فنحن ندخل إلى مرحلة حاسمة في ظل تغير التحالفات وتسابق الدول نحو المركز الأعلى في العالم السياسي. ونتيجة لذلك تزداد المخاطر. وكما كتب جاكسون ديهل، نائب محرر صفحة في صحيفة واشنطن بوست قائلا إننا “نعيش الآن عصر الزعماء المتعطشين للسلطة، والمتهورين. نعم، الرئيس ترامب هو واحد منهم، لكنه جزء من فريق عالمي وربما ليس أكثر أعضائه خطورة”. لا يمكن اعتبار ديهل مبتدئا في مجال السياسة الدولية، فهو محلل سياسي محنك، وهو ليس الوحيد الذي يعتقد أن ترامب يمثل خطرا على الديمقراطية. ولا يعتبر ترامب الشخص الوحيد الذي يهدد الديمقراطية. فبخلاف الحكام الدكتاتوريين الأقوى، مثل بوتين وشي، هناك مجموعة من الحكام الدكتاتوريين يقفون في الصف الثاني وهم رجال أقل نفوذا بكثير ولكن لا يقل غرورهم عن غيرهم. على سبيل المثال رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان، الذي لا شك أنه سيحب إضافة عنوان “مدى الحياة” إلى لقب رئاسته. إن تقرب أردوغان إلى روسيا يضع سابقة خطيرة بالنسبة لحلف الناتو. فطوال فترة الحرب الباردة، أبقى الناتو تركيا في مأمن من خطة الاتحاد السوفييتي التوسعية، ولكن تم استبدال واشنطن بموسكو باعتبارها المؤثر الرئيسي في حرب سوريا بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من نقاش القضية السورية، تاركة المجال أمام موسكو وطهران للقفز والسيطرة على زمام الأمور. أما الصين، فقد استولت فعليا على كامل بحر الصين الجنوبي، حيث بنت سلسلة من الجزر الصغيرة، والحواجز والمواقع العسكرية، وقامت بنشر رجالها ومعداتها، مما أعطى معنى جديدا لدبلوماسية السفن الحربية. يُقال إن الصين تقوم بتطوير قاذفات بعيدة المدى يمكنها الوصول إلى أهداف في أميركا الشمالية. وتواصل روسيا هجماتها السيبرانية ضد الغرب مستهدفة الأنظمة الانتخابية لهذه الدول، ومن ناحية أخرى تحاول إيران تصدير ثورتها الإسلامية من خلال الاستعانة بالأنشطة الإرهابية. وأخيرا، واشنطن، التي على الرغم من سياساتها الخارجية غير التقليدية، في بعض الأحيان، إلا أنها قدمت إحساسا بالسلامة والأمن. وفي أحلك وأضيق الأوقات، كان الناس في الدول المضطهدة يتجهون دائما إلى الولايات المتحدة للحصول على التوجيه. لكن في ظل وجود رئيس دكتاتوري في البيت الأبيض اختار أن يشتت العائلات على حدود البلاد، ويشعر بالإعجاب تجاه الحكام الدكتاتوريين، فإن الموقف الذي اعتادت الولايات المتحدة على تبنيه لوقت طويل ربما يكون على وشك الضياع.
مشاركة :