الموسيقى.. وكل ممنوع مرغوب

  • 9/12/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أذكر تلك اللحظة وكأنها الآن.. كنت في الرابع الابتدائي.. ذهبت إلى مدرس الموسيقى أثناء الفرصة وقلت له إني أريد أن أتعلم الموسيقى، فطلب مني أن أعود إليه يوم الأربعاء أثناء النشاط المدرسي. ذهبت إليه في الموعد فأعطاني ما يشبه الكرتين، أمسك إحداهما في اليد اليمنى والأخرى في اليد اليسرى، فقلت له «لا.. أنا أبي هذا»، وكنت أشير إلى آلة الأكورديون التي لم أكن أعرف اسمها. يبدو أن المدرس (كعادة أغلب المدرسين في ذلك الزمان) فطن أن هذا الطفل الصغير يملك موهبة. أقول أغلب المدرسين، والشيء بالشيء يذكر، ففي يوم من أيام الثانوية، كان لدي إعفاء من اللعب في حصة الرياضة، فجلست عند المدرسين أراقب تلاميذ صفي وهم يلعبون كرة القدم مع تلاميذ صف آخر. وأيضاً أذكر تلك اللحظة وكأنها الآن، وأن أحد المدرسين يقول لزميله المدرس «بص بص إزاي الولد ده بيلعب»، وبعد سنوات وبعدما تشكل المنتخب الوطني كان هذا «الولد» هو اللاعب الكبير جاسم يعقوب أطال الله في عمره. نعود إلى الموسيقى. بعد مدة قصيرة وجدت نفسي عضواً أساسياً في فرقة الموسيقى المدرسية. ثم صقلت موهبتي في النادي الصيفي، ومن ثم وجدت نفسي عضواً في فريق يضم أفضل العازفين الهواة من طلبة مدارس وزارة التربية. ولم يمنعني والديّ «الأميّان» رحمة الله عليهما من ممارسة هوايتي، بل إن إحدى شقيقاتي رحمة الله عليها اشترت لي في ذلك الوقت من راتبها الضئيل بقيمة 17 ديناراً لأمارس هوايتي في المنزل. هم لم يعترضوا لأنهم كانوا على يقين من أن ممارستي للموسيقى لم تكن يوماً عائقاً أمام دراستي، فكنت حريصا على الحصول على المراكز الأولى في المدرسة. ولم تكن أيضاً عائقاً أمام التزاماتي الدينية، فكنت وما زلت بحمد الله أحرص على أداء صلواتي في المسجد وأحلى أوقاتي عندما أقوم لصلاة الفجر متوجهاً إلى المسجد. وكنت وما زلت أقرأ ما يتيسر لي من القرآن المجيد بكرة وأصيلاً على مر الأيام. إن الموسيقى اشتركت مع كل التزاماتي الدينية في تهذيب أخلاقي والتأثير في تعاملي مع الآخرين، سواء في الحياة اليومية أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. فالنوتة الموسيقية والسلم الموسيقي من جانب كانا وما زالا مفتاحي للعلم والثقافة والفن الراقي بجميع أشكاله، كالرسم والنحت والتصوير وغيرها. لماذا نحمّل الموسيقى أخطاء البشر؟ الابتعاد عن الدين لا يمكن أن يكون سببه الموسيقى. إنه خلل في تكوين الشخص نفسه. من منا لم تدمع عيناه بعد التحرير على الألحان الوطنية خصوصاً تلك التي ترجمت كلمات الشاعر الكبير بدر بورسلي؟ هل لك أن تتخيل جمال رائعة بدر بورسلي من دون موسيقى؟ هل كانت ستؤجج كل تلك المشاعر الوطنية الفياضة؟ شادي الخليج وسناء الخراز – أصوات الوطن – هل كنا سنستمتع بأدائهما الوطني الرائع لو لم تصاحبهما الموسيقى؟ هل كل هذه الألحان أبعدتنا عن التزامنا الديني؟ ماذا لو وافقت وزارة التربية على مقترح إلغاء الموسيقى في مدارس وزارة التربية؟ ماذا سيحدث لطفل موهوب عندما يكبر وتبعثه الدولة للدراسة بالخارج، وهناك يجد موهبته المدفونة تدفعه بقوة إلى ترك تخصصه ليتجه إلى دراسة الموسيقى؟ وهناك قصص حقيقية حدثت مع عدد لا بأس به من المبعوثين.. كل هذا وببساطة لأن كل ممنوع مرغوب. أ.د. عبدالمحسن دشتي dr.adashti@hotmail.com

مشاركة :