بعد 17 عاماً على أحداث سبتمبر (أيلول)، ما تزال هناك كثير من الأسئلة حول ما تعلمه العالم منها، وحول مدى النجاح الذي حققته الحرب على الإرهاب، وما إذا كانت السياسات التي طبقت جعلت العالم أكثر أمناً. فالكلام الذي تردد كثيراً في أميركا عن «اجتثاث الإرهاب والقضاء عليه نهائياً» ثبت أنه كان شعارات سياسية أكثر منه استراتيجيات عسكرية أو أمنية واقعية. صحيح أن حرب الإرهاب احتوت الخطر الأمني، لكنها لم تقضِ عليه نهائياً. نجحت الضربات العسكرية، والملاحقة الأمنية، في تحجيم تنظيم «القاعدة»، وتشتيت «داعش» بعد تقويض دولته الإسلامية المزعومة، لكن العالم ما يزال يعيش على هاجس ومخاوف العمليات الإرهابية.فالحرب في أفغانستان، والفوضى في اليمن وليبيا، والأوضاع المضطربة في العراق، والأزمة في سوريا، واستمرار نشاط حركات مثل «الشباب الإسلامي» في الصومال، و«بوكو حرام» في نيجيريا، كلها مؤشرات على أن الإرهاب ما زال موجوداً وناشطاً لو سنحت له الفرصة سيعود من بين الأنقاض ويتزايد خطره.كذلك فإن الخطر لم يعد كامناً فقط في هذه المناطق والنزاعات، بل تشعب مع «عولمة الإرهاب»، واتساع عمليات الاستقطاب والتجنيد عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.أوروبا مثلاً تعيش هاجس التعامل مع دواعشها العائدين من القتال في سوريا والعراق وجلهم من أبناء المهاجرين، ومع ظاهرة «الذئاب المنفردة» و«جهاديي غرف النوم» الذين لا تربطهم مع شيوخ الإرهاب سوى أجهزة الكومبيوتر وغرف الدردشة في وسائل التواصل الاجتماعي.خلال 17 عاماً منذ هجمات سبتمبر، أنفقت أميركا على حرب الإرهاب ستة تريليونات ونصف تريليون دولار، إذا أخذنا بالدراسة التي نشرت الشهر الماضي، وأعدها فريق من معهد واطسون للشؤون الدولية التابع لجامعة براون الأميركية. هذه المبالغ لم تذهب كلها للعمليات العسكرية مباشرة بل تدخل فيها تكاليف أخرى شرحتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عندما أعلنت أن التكلفة العسكرية المباشرة لحرب الإرهاب كانت نحو 1.5 تريليون دولار. لكن إذا أضيفت إلى هذا المبلغ التكاليف الأخرى مثل نفقات عمليات الاستخبارات ووكالات الأمن القومي لمواجهة التهديدات الإرهابية، وعمليات الطوارئ في الخارج لوزارتي الدفاع والخارجية، ونفقات رعاية مصابي الحروب، ترتفع التكلفة إلى نحو 5 تريليونات. ولأن تمويل حرب الإرهاب يزيد من عبء الدين العام الأميركي ويرفع خدمة الديون، فإن التكلفة تصل إلى رقم الستة تريليونات ونصف التريليون دولار المذكور في الدراسة.لكن على الرغم من كل هذا الإنفاق فإن خطر الإرهاب ما يزال ماثلاً وجدياً، بينما تثار الأسئلة حول ما حققته «الحرب المفتوحة» التي بدأتها واشنطن منذ 17 عاماً. ففي أفغانستان تبدو مفارقة مؤلمة للكثيرين أن الإدارة الأميركية سواء في عهد باراك أوباما أو في عهد دونالد ترمب لم تجد حرجاً في دعم فتح حوارات سياسية مع أكثر التنظيمات ظلامية مثل «طالبان» من أجل التوصل لتسوية سياسية تتيح لأميركا الخروج من هناك. ولا غرابة أن يكون حنق بعض الأفغان على أميركا اليوم، مساوياً لحنقهم على «طالبان» نفسها.ما يقال عن أفغانستان يمكن أن يقال بشكل آخر عن العراق مثلاً، حيث يشكو غالبية العراقيين من أن بلدهم لم يستعد عافيته، ولم يعرف استقراراً حقيقياً منذ غزو 2003 وما تبعه من أحداث من بينها تمدد «القاعدة» ثم «داعش»، وتصاعد الطائفية والهيمنة الإيرانية.إن حصاد الحرب على الإرهاب كان قاسيا للكثيرين؛ فإضافة إلى مئات الآلاف من الضحايا المدنيين في المنطقة، وتريليونات الدولارات التي أنفقت، دخلت المنطقة في مرحلة إنهاك وفوضى لم تخرج منها حتى اليوم. وبعد 17 عاماً، تتعثر جهود السلام، وأحلام الاستقرار، بينما يخلط الكثيرون في العالم بين الإسلام و«الحرب على الإرهاب» مما يسهم في تنامي «الإسلاموفوبيا» ويدعم صعود اليمين العنصري المتطرف في أوروبا ومشاعر العداء الموجهة نحو المسلمين والمهاجرين.الحرب على الإرهاب تحتاج إلى مراجعة وإلى تعزيز التعاون الدولي لكي تواجه الإرهاب المتغير باستمرار وخطره الذي لم يندثر وإن انحسر.فاليوم محاربة «القاعدة» أو «داعش» أو غيرهما من التنظيمات المتطرفة الإرهابية، لا يمكن أن تعود مقتصرة على استخدام الضربات الجوية لتقويض شبكات تلك التنظيمات. فالأهم تقويض شبكات الأفكار التي تتغذى عليها، خصوصاً أنه بسبب الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد تنظيم مثل «داعش» يحتاج إلى موقع جغرافي يتمركز فيه كي يظل خطيراً، فأفكاره تنتشر على مواقع التواصل والإنترنت، ومنظروه وشيوخه يعمدون لاستغلال الأوضاع المأساوية من أفغانستان إلى العراق مروراً بسوريا، لتجنيد الشباب في المنطقة أو في أوروبا أو حتى في أميركا. فما دام هناك بؤر للتجنيد ووسائل لضخ خطاب الكراهية والإقصاء، فستستطيع تلك التنظيمات الإرهابية الاستمرار وإعادة إنتاج نفسها في أشكال أخرى.ربما في النهاية كي نقضي على الإرهاب، علينا أولاً أن نعيد النظر في الحرب على الإرهاب، بعين فاحصة؛ فالحرب المفتوحة بلا نهاية، وخلق فجوة بين الغرب والإسلام، ربما كانا بين أهداف بن لادن من هجمات سبتمبر، وهو ما يستدعي وقفة ومراجعة مع مرور 17 عاماً.
مشاركة :