صباح زيداني في «ألحان عشقناها»: متعة بصرية وصوتية

  • 9/13/2018
  • 00:00
  • 91
  • 0
  • 0
news-picture

الغناء، كما يعرف الجميع، ألوان وأنواع وخامات صوتية ومقامات موسيقية لا عد لها ولا حد. لكن القيمة الفارقة المميزة، والتي يمكن أن ترتبط بأحد مجالات هذا التعدد تتعلق بما يمكن أن تستحثه من عمق في الشدو يصل ويدرك شغاف الذات، ليرقى بها في مدارج بهية يكتمل في أجوائها تلمس أثر اللحن الهادف. إنه ذلك الذي يخاطب الروح قبل كل شيء، عندما تلتقيه الأذن. نلح على كلمة الشدو، لأنها الأبلغ على منح الكلمة قوة الإيحاء الشعري والإيقاعي التي تتضمنها. وذلك ما نستشعره حقاً عند الإنصات للفنانة صباح زيداني وهي تتألق في البرنامج الاستعادي للألق القديم، التعريفي بالإمتاع الجديد، البرنامج الشيق بفقراته وضيوفه، برنامج «ألحان عشقناها» الذي تقدمه سناء مرحتي ويعده عبدالسلام الخلوفي على القناة الثانية المغربية. وقد تمت استضافتها كي تمنح المشاهد لحظات من الكلام المتعالق باللحن الشجي الموصول بعوالم الأحوال المتعالية على المادة من دون أن تفارق أحوال المعيش الذي منه تستمد موسيقاها الموسومة بالموسيقى الروحية. تلك الموسيقى التي تعكس أصالة الثقافة من دون أن تتخلى عن القدرة على الترفيه الموجه غير المجاني. وقد بدأت بإلقاء قطعة غنائية أعلنت من خلالها عن علو كعب فني، وهي من نفائس الشعر الديني المغربي التي مطلعها «يا أهل طيبة لي في ربعكم قمر...»، وتحمل توقيع الشاعر المغربي أحمد العروسي، وقد أجادت في إيصال شكوى المذنب إلى المولى وطلب الشفاعة من نبيه المرسل مع طلب التوبة، عبر كلمات منتقاة بعناية تجد في صوت الفنانة صدى عميقاً مؤثراً. وفي الفقرة الثانية من البرنامج، تحدثت عن مسار فني مختلف عن المعهود والشائع. وقد بدأ بالمشاركة في تأسيس مجموعة جسور برفقة الفنان الملحن يوسف قاسم جمال. وهي فرقة موسيقية تخصصت في التعامل مع الشعر، فصيحاً أو زجلاً، قديماً أو جديداً، الروحي المغنى أو البليغ النسيج اللغوي والبياني. ولقد أكدت في حديثها عن التجربة الغنائية التي لها، أن الطرب هنا له طابع اختيار فني مفكر فيه بعناية، كما يستمد جذوره من كل ما هو جواني ينأى من مظاهر الخفة والتسطيح الذائعين بما لا يخدم الذوق ولا يراعي الارتقاء بالإنسان شرطاً وحياة ووجوداً. ثم تكلمت عن تجربة غنائية برفقة قصائد الشاعر عبدالله زريقة، تلتها وصلات أداء في فضاءات مشاركة مغربية وغير مغربية. الجميل أن هذا التنوع على مستوى المادة الخاضعة للشدو التي هي الشعر، يوازيه تنوع على مستوى المقامات الموسيقية التي تنهل ليس فقط مما هو عربي كالطرب الأصيل، بل مما هو عالمي كالجاز. العود يحاور الغيتار ويناغم الكمان الأصغر والأكبر كما يلتقي والدف... وهو ما يمنح مزيجاً أوركسترالياً ملخصاً له هارمونيا خالصة وشفيفة على السمع والأذهان معاً. وهذه لا تحصل إلا لمن يستطيع التمكن من إيجاد المعادلة الطربية الصحيحة الصائبة بين الكلمة والإيقاع والصوت بعد بحث لا يتهيب من اللجوء إلى كل آلة موسيقية قادرة على استيفاء المراد، وإلى الأشعار التي توافقها في اللحظة والامتداد. وهو ما يقف على نجاعته ونجاحه المشاهد عندما تشدو الفنانة صباح زيداني قطعة «لا إله إلا هو...» و «إذا ضاق صدري...» لكل من الإمام الحسين بن علي والفقيه الورع أبو مدين الغوث، كقصائد من الموروث الحي، وإحدى قصائد الشاعر المعاصر عبدالهادي السعيد التي تنتمي إلى انشغالات الآن. وكلها تم تلحينها حسب المقام اللازم، فتظهر حين يتلقفها صوت الفنانة قطعاً تملأ الروح شجناً بهياص وفرحاً باطنياً يصالح الذات مع الطرب الحقيقي، الروحي السامي. حقاً، كانت هذه الحلقة موفقة، لأنها جعلت هذا الصوت الآتي من مدينة مراكش البهية، مدينة سبعة رجال وهم أقطاب لهم في التاريخ وفي إبداع الكلم الموحي باع طويل، جعلته يعلن عن وجود رصانة في مجال الغناء المغربي تمتع وتطرب وتعلي من القدر الإنساني. لا نملك سوى أن نحيي برنامجاً وفنانة التقيا في سهرة مميزة نصف ساعة، على القناة الثانية المغربية.

مشاركة :