احتل المسلسل اللبناني السوري المشترك “جوليا” مكانة متقدمة بين أفضل المسلسلات الكوميدية التي عرضت على القنوات اللبنانية خلال هذا الموسم، والمسلسل من إخراج اللبناني إيلي حبيب ووضع له السيناريو الكاتب السوري مازن طه، ومن بطولة النجمة اللبنانية ماغي بوغصن والنجم السوري قيس شيخ نجيب. ويشارك في بطولة المسلسل مجموعة كبيرة من النجوم والنجمات خلافا لماغي بوغصن وقيس شيخ نجيب، من بينهم الفنانة تقلا شمعون وجيسي عبدو وسلطان ديب وليليا الأطرش ومجدي مشموشي ونيكولا مزهر ووسام صباغ ونزيه يوسف، كما يطل المخرج إيلي حبيب أيضا في هذا العمل في دور ثانوي كصديق للبطل قيس الشيخ نجيب. والدور الذي تصدت له النجمة ماغي بوغصن يحمل الكثير من الإغراءات والتحديات لأي ممثل، فشخصية “جوليا” هي شخصية ثرية بتناقضاتها وسماتها الصارخة والمتقلبة، هي ممثلة ناشئة سيئة الحظ رغم تمتعها بالموهبة. ويكمن سر تعثر جوليا في عدم تحقيق حلمها في النجومية إلى حالة نفسية تعتريها كلما أقدمت على أداء أدوارها، فهي تتقمص الشخصيات التي تقوم بأدائها إلى حد عدم قدرتها على التخلص من هذا التقمص في حياتها العادية، ما يسبب لها العديد من المواقف الصعبة والمرحة أيضا. ماغي بوغصن قدمت في "جوليا" دورا يحمل الكثير من التحديات لأي ممثلة ماغي بوغصن قدمت في "جوليا" دورا يحمل الكثير من التحديات لأي ممثلة ويبدأ المسلسل بجلسة تصوير للممثلة المغمورة، ندرك من خلالها مدى ولع جوليا بالتمثيل، الذي تقول إنه يسري في دمائها، تنتهي تلك المقابلة بنتيجة مخيبة لكنها دالة في نفس الوقت على ما نحن مقدمون عليه إزاء تلك الشخصية المركبة التي تمتزج لديها الحقيقة بالخيال والكذب بالصدق. ندرك الأزمة الحقيقية حين تحصل جوليا بالفعل على فرصة للمشاركة بدور صغير في أحد الأعمال الدرامية، فنراها وقد تقمصت دورها على نحو يصعب معه السيطرة عليها، ما يحوّل المشهد والأستوديو بكامله إلى فوضى كبيرة. ويتوالى بحث جوليا عن فرصة أخرى وتتوالى الأدوار التي تؤديها وتتقمصها، فهي حين تؤدي دور راقصة على سبيل المثال تخرج بعدها إلى الشارع بزي الرقص مستعرضة مهارتها فيه أمام المارة، وحين تؤدي دور أميرة أندلسية تتقمص الشخصية أيضا وتتجوّل في الشارع بملابسها التاريخية بعد انتهاء التصوير، في مشهد هزلي سرعان ما يتحوّل إلى معركة تقودها إلى قسم البوليس. وتلجأ جوليا إلى الطبيب النفسي “عاصي” (قيس شيخ نجيب) ليخلصها من هذا الأمر، غير أن الطبيب يتبع معها نفس أساليبه الغريبة في علاج مرضاه، لكنه مع مرور الوقت يشعر بمسؤولية تجاهها، وهي مسؤولية تتحوّل في ما بعد إلى عاطفة قوية تعوضه عن حياته المأزومة مع طليقته “غنوة” (ليليا الأطرش) التي يعيش معها في نفس الشقة برغم الانفصال. وتتشابك مع محور المسلسل الرئيسي عدد من القصص الأخرى، كعلاقة جوليا بشقيقها وأمها، أو علاقة الأم نفسها بتاجر البقالة القريب “رشيد” (نزيه يوسف)، وكذلك قصة الحب التي تجمع بين الصديقة الوحيدة لجوليا التي تعمل بالصحافة “ريما” (جيسي عبدو) مع المخرج “روني” (وسام صباغ) الذي يبذل جهده لجذب انتباهها، فيتقمص دور الرجل القاسي الشجاع رغم شخصيته المسالمة. وسط كل هذه الخيوط الدرامية تطالعنا حكاية أخرى عن نجمة كبيرة معتزلة قرّرت أن تكتب مذكراتها وتؤدي دورها الفنانة مي صايغ، وهو ما يضايق البعض ويثير تخوفهم ممّا قد تحتويه تلك المذكرات، فيسعون للنيل منها عن طريق عصابة إجرامية. ولا يخلو سياق المسلسل من بعض اللمحات التراجيدية، مثل علاقة جوليا المتأزمة بالطبيب، أو علاقة الطبيب نفسه بطليقته التي تسعى إلى رده إليها بشتى الطرق، فالمسلسل في شكل عام ذو نكهة كوميدية محببة، وهي كوميديا تعتمد في المقام الأول على المفارقات الطريفة، وتركيبة الشخصيات التي تتسم بعدم الاتزان أحيانا أو المبالغة في ردود الأفعال. ولا يعتمد النص الذي صاغه الكاتب السوري مازن طه على الأفيهات والقفشات المتداولة، كحال الكثير من الأعمال الكوميدية العربية، وإن لم يخل أيضا من المواقف المكررة، كالمشهد الذي يتقدّم فيه تاجر البقالة رشيد لخطبة الأم من أبنائها وتقمص الأبناء دور أولياء الأمر. خلافا لذلك يتسم السياق العام للمسلسل بالحبكة والطرافة، ويستحق العمل أن يكون واحدا من بين أفضل الأعمال الكوميدية التي عرضت خلال هذا الموسم.
مشاركة :