أحدثت التقنية انقلابا هائلا في الحياة المعاصرة، إذ سهلت عملية التواصل، وسرعتها، فلا يحتاج المرء سوى إلى ضغطة زر لتصل المعلومة المراد بثها أيا كانت طبيعتها، بحثا، أو خبرا سياسيا، أو اقتصاديا، أو دعاية لمنتج، أو نكتة، أو حفلا، أو مؤتمرا علميا، أو معرضا، أو غير ذلك مما يحلو لبعضهم بثه على أوسع نطاق، وقد وصل الأمر إلى أن يتحول الفرد من خلال جهازه النقال إلى وكالة أنباء على غرار وكالة "رويترز"، أو وكالة الأنباء الفرنسية، فقد يكون هو مصدر الحدث، وهو من يبث الخبر بشأن الحدث، ويحدد الجمهور المستقبل للخبر. المؤتمرات العلمية والندوات والدورات، تحتل جزءا من ساحة البريد الإلكتروني، و"تويتر"، و"الواتساب"، وسأقف عند بعض ما يصلني من دعوات، ودعايات، وبإلحاح، رغم أن المكسب المادي لمن وراء هذه الأنشطة لا يغيب عن البال، مع إمكانية الفوائد المعرفية والمهارية. ومما وردني على بريد الجامعة من "سبع نجوم للاستشارات" ومقره الإمارات، دعوة لحضور دورة تدريبية بعنوان "برنامج التخطيط الذاتي"، علما بأن البرنامج سينفذ في مملكتي الدنمارك والسويد، ويتضمن البرنامج موضوعات التخطيط الفعال، وإدارة الجودة، والتخطيط الإبداعي، ومصفوفة الأداء التنافسي، واستراتيجيات التنافسية العامة لبورتر، وتطبيقات الخطط الاستراتيجية للتميز المؤسسي الأوروبي. ما من شك في أن الموضوعات السابقة جذابة من عناوينها، لكن المهم المحتوى والنتيجة المترتبة عليه، فتنفيذ البرنامج في دول أوروبية لا يعني ضمان الجودة، خاصة أن المشاركين في تنفيذ البرنامج، كما وردت أسماؤهم في الإعلان، هم من أبناء الخليج، وهذا شيء جيد، ويدعو إلى الفخر، وعليه يلزم السؤال: لماذا لا ينفذ البرنامج في منطقتنا الخليجية؟ فالأحرى أن تصرف الأربعة آلاف والخمسمائة يورو تكلفة البرنامج في منطقتنا، فهي الأولى بهذا المال، خاصة أن الموضوع ليس بهذه الصعوبة، إلا إذا كان السفر الخارجي جزءا من التخطيط الذاتي والمتعة! من الدعوات الموجهة إلى عموم منسوبي ومديري الإدارات في المملكة، دعوة من المركز الوطني الدولي للبحوث والتدريب في مصر، حيث ينوي عقد ما سماه أحدث الدورات العالمية لتطبيق "رؤية المملكة 2030" في مدينة شرم الشيخ، ومع السعادة بمشاركة الأشقاء لنا في برامج التنمية، إلا أنه لضمان نجاح أي برنامج يلزم الأخذ في الحسبان المكونات الثقافية، والتاريخية، والعادات، والتقاليد الاجتماعية، فكلما تم توظيف هذه المكونات ضمنّا تحقيق نتائج أفضل، وهذا لا يقدر عليه إلا ابن الوطن، فمن مشى حافي القدمين، ومن مشى على الرمضاء هو الأقدر على معرفة المناسب من غير المناسب، وما هو مقبول، وما هو مرفوض، لأن روحه امتزجت بتراب الوطن، وغباره، وتشبعت روحه بجميع ما ينتمي إلى المجتمع، وهو من يعرف الإيجابيات ويوظفها، والسلبيات ويتجنبها. وعلى بريد جامعة الملك سعود أيضا وصلتني الرسالة التالية: "عندما يضيق جدولك اليومي، وتكثر مهماتك الأكاديمية، وتجد نفسك تحت الضغوط، مما لا يمكنك من تنفيذ ونشر بحوثك في مجلات المؤشر الدولي العلمي المعروف اختصارا بـ isi فنحن ننقذك، ففريقنا الموزع على 245 مجالا معرفيا، لديه القدرة والاستعداد للقيام بالمهمة المتمثلة في إنجاز البحث، من الفكرة، إلى جمع المعلومات، إلى التحليل الإحصائي، ومناقشة النتائج، واختيار المجلة للنشر، والمتابعة حتى النهاية". تأملت في هذه الرسالة فألفيتها عملا عبثيا هدفه الحصول على المال من أناس جعلوا النشر في مجلات isi غاية الاهتمام، ومؤشر الجودة وتقدم الجامعة. تصرف الآخرين معنا مبني على طريقة تفكيرنا، ولذا وجدوا ضالتهم في إيجاد قنوات، وأوعية نشر للبحوث تتناسب مع رؤيتنا الضيقة لمبادئ وأسس الجودة التي نعتمدها. ومن متابعة لموضوع النشر في isi تبين لي أن بعض ضعاف النفوس من الهنود والأفارقة وغيرهم من المقيمين في الغرب، استحدثوا مجلات أعطوها بحيل كثيرة شعار مجلات isi الرصينة، والمعتبرة عالميا في مجالاتها، وما هي إلا مجلات رديئة لا ينشر فيها من يحترم نفسه، ويحافظ على سمعته، لكن طالما أن هناك من يسعى جاهدا للنشر في مجلات تحمل شعار isi فما الذي يمنع من جمع المال منهم، حتى تحولت المجلات إلى استثمار مربح لهم ومضر بنا أكاديميا ومعرفيا. حماية لحصوننا الأكاديمية، أرى أن من الضروري اتخاذ إجراءات نمنع من خلالها ورود مثل هذا الإعلان عبر بريد الجامعة، وممارسة الحجب بلا تردد، كما يلزم عدم اعتبار البحوث المنشورة في هذه المجلات ضمن ما يتقدم به للترقية، أو التميز، أو أي جائزة لمنتسبي الجامعة، حتى لا تتضرر سمعة الجامعة، وتتلوث بهذه الممارسات، خاصة أن هناك بعض أعضاء هيئة التدريس من يجهلون هذه الأمور، أو لا يمانعون النشر فيها، طالما حملت شعار isi.
مشاركة :