في أيلول/ سبتمبر 1993 احتفل الناس في إسرائيل والأراضي الفلسطينية مرحبين بأملٍ جديد يتحقق بحلول اتفاقية سلام دائم. لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فمضى ربع قرن وذبل الأمل. "كنا نحلم، وكنا نقاتل" يقول منذر عميره وهو ناشط فلسطيني بلغ اليوم اربعينياته في حديث مع DW ، ويمضي إلى القول "أردنا السلام، وأن تكون لنا دولتنا كحال سائر الأمم، وأن نمتلك قرارنا، ظننا أن أوسلو ستمنحنا كل ذلك". أوسلو المشار إليها هي مختصر اتفاقية أوسلو التي رعتها النرويج ووقعت عليها الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية في الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر 1993 والتي وضعت إطار عُني به حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. الاتفاقية خلقت حكومة داخلية فلسطينية عُرفت بالسلطة الوطنية الفلسطينية، كما أقرت انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي من غزة وأريحا في الضفة الغربية. اتفاقية أوسلو عُني بها أن تستمر خمسة أعوام، يُصار خلالها إلى التفاوض حول حل دائم للصراع يأخذ بنظر الاعتبار اللاجئين الفلسطينيين، والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وقضية القدس، علاوة على وضع حدود نهائية وترتيبات أمنية بين الطرفين. "ظننا أن الأمر قد حُسم، وسننال السلام، واحتفلنا بأوسلو حين كنّا يافعين، وبدأنا نخطط للمستقبل، باعتبار أنّ السلام سيحل في هذه الأرض، وسيكون لنا حل الدوليتين"، يقول عميره. في نفس الوقت، أحس أيمانويل شاحاف، وهو موظف رفيع في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بأنّ الأمل يخضّر في عموم إسرائيل، وبهذا الخصوص يقول في حوار مع DW " أحس الناس بنوع من الرؤية بأنّ الأشياء في طريقها للتغيير، وأننا في النهاية سنصل إلى مكانٍ ما". شبان يحملون العلم الاسرائيلي والعلم الفلسطيني، لقاء العلمين في دولتين أمنتين متجاورتين متى يتحقق؟ أوسلو باتت تاريخاً والآن مرت خمس وعشرون سنة، ولم يقترب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من ضفة أيّ حل. بل إنّ الاتفاق كان بادرة هي الأولى والأخيرة باتجاه السلام كما يقول عميره "لأننا لم نصل إلى أيّ شيء، بل بالعكس". الجيل الجديد من الفلسطينيين، يرى اليوم أن توقيع أوسلو كان خطأً. أحمد أبو مفيد، البالغ من العمر 23 عاماً وهو اليوم طالب سوسيولوجي بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية يعبّر في حديثه مع DW عن خيبة أمله وخيبة أمل أقرانه." تسميتها باتفاقية سلام هو مجرد ادعاء، لكنّي أرغب أن أسميها اتفاقية لأودع الأمل وتاريخ مرونتنا الطويل". وحتى قادة الفلسطينيين في السلطة اليوم يجدون صعوبة في تخيل نفع ما تحقق من خلال الاتفاقية. عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي في حديث مع DW تقلل من شأن الاتفاقية لأسباب متنوعة، منها انعدام مراقبة ومساءلة إسرائيل ضمن إطار الاتفاقية واصفة إياها "هي بحد ذاتها اتفاقية متصدعة". من جانبه، يؤمن شاحاف أن اتفاقية أوسلو كانت غامضة جداً وتفتقد الاتجاه نحو تحقيق أي شيء ملموس، لكنه يمضي ليؤكد أنها كانت بداية إيجابية "لقد ثبت لأول مرة أنّ من الممكن الوصول إلى اتفاقية، أن من الممكن أن نجلس لنتناقش حول طاولة مستديرة، وأن نقول لبعضنا نحن ماضون في هذا السبيل.. وسنخرج باتفاقية معقدة للغاية" حسب وصف شاحاف. حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية خمس سنوات من الفشل ترى عشراوي أنّ انعدام الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي لحمل إسرائيل على إجراء عملية سلام كان وصفة الفشل التي كُتبت لأوسلو" كان من الواضح وجود إرادة مريضة منذ البداية لدى الجانب الإسرائيلي، فهم قد سعوا للمحافظة على سيطرتهم"، على حد وصف عشراوي. وتمضي إلى القول"وقد فعلوا ذلك بتأسيس نظام إدارة ذاتية تحت سلطة الاحتلال" في إشارة منها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وتستطرد بالقول" فيما يتوسع الاحتلال ليمارس السيادة". عمير من جانبه يرى أنّ إسرائيل لم يكن في نيتها قط السماح بقيام دولة فلسطينية "منذ البداية لم يريدوا السلام، بل أرادوا ضمان أمنهم، ما يعني أنّهم لا يقبلون بنا حتى كجيران" على حد وصف عميره. على كل حال، ومنذ توقيع اتفاقية أوسلو، تعاقب على السلطة في إسرائيل أربع رؤساء حكومة هم، اسحاق رابين، شيمون بيرس، إيهود باراك وإيهود أولمرت، منذ توقيع الاتفاق، كانوا جميعهم مخلصين لحل الدولتين، كما يقول ايمانويل نافون، وهو زميل في معهد أورشليم للدراسات الاستراتيجية مبيناً "لقد قدّموا عروضا سخية حقاً ضمنت إقامة دولة فلسطينية على كل المنطقة التي يطالب بها الفلسطينيون، ويشمل هذا تفكيك أغلب المستوطنات الاسرائيلية (في تلك المناطق)، حسب تعبير نافون الذي يستطرد بالقول "لو وُجدت قيادة فلسطينية، في الجانب الآخر، تقبل ذلك العرض، لكانوا حصلوا اليوم على اتفاقية سلام". لكنّ بنوداً كبرى من اتفاقيات أوسلو نفذتها إسرائيل، فهي قد انسحبت من غزة ومن أريحا في الخامس والعشرين من أيار/ مايو 1994، ومنحت الفلسطينيين فرصة إقامة أدارتهم الذاتية فأقيمت السلطة الوطنية الفلسطينية عبر كيان مؤلف من 24 عضواً يجسد السلطة التشريعية والتنفيذية في الأراضي الفلسطينية. كما جرى انتخاب مجلس تشريعي فلسطيني خلال الأشهر التسع الاولى بعد الاتفاق كما نصت أوسلو 1. ثم أقامت السلطة الفلسطينية قوة شرطة بموجب بموجب بند من الاتفاقية يتيح لهم تسليح عناصر الأمن والشرطة والحماية. لكن الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني بين رام الله وغزة، وقضيتي القدس واللاجئين الفلسطينيين بقيت موضع خلاف الطرفين، وباتت سبباً لتلكؤ اتفاقيات أوسلو. القدس/ اورشليم نقطة خلاف صعبة بين الجانبين، تفاقمت مشكلتها بقرار الرئيس الأمريكي ترامب نقل سفارة بلاده إليها. أطفال فلسطينيون يحتفلون بعيد الأضحى في أغسطس 2018 بباحة المسجد الأقصى إمكانية ضئيلة بقيام دولة فلسطينية بعد سنتين من توقيع الاتفاقية الأولى، جرى توقيع أوسلو 2، التي قسّمت الضفة الغربية إلى 3 أجزاء: المنطقة أ الخاضعة للسلطة الفلسطينية، المنطقة ب الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة، والمنطقة ج الخاضعة بالكامل للسيطرة الإسرائيلية. وكانت أوسلو 2 آخر تقدم حصل في مسار الاتفاقيات. اليوم، تضم المنطقة ج 60% من الضفة الغربية، فيما تضم المنطقة أ 18% فحسب. وتستغل إسرائيل سيطرتها على المنطقة ج لبناء المستوطنات، التي تعد غير قانونية طبقا للقانون الدولي. ويعيش في المنطقة ج ما بين 180 ألف إلى 300 ألف فلسطيني، وقد فاقهم عدد المستوطنين الإسرائيليين البالغ 325,500 مستوطن، هؤلاء يحجب وجودهم اليوم إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل. وتجد عشراوي صعوبة في التحدث عن دولة فلسطينية لكنّها تقول "إنّه حق لا أريد أن اتخلى عنه، لأنّ لنا حق السيادة والحرية والكرامة وحق امتلاكنا لقرارنا"، وتمضي إلى القول "لكنّ إسرائيل تحطم ذلك الحق وتفككه بشكل مضطرد...هي تريد أن تقيم إسرائيل الكبرى فوق فلسطين وتاريخها" على حد وصف السياسية الفلسطينية. وكشفت دراسة أجراها مؤخراً المركز الفلسطيني للسياسة والبحث والدراسات الاستقصائية أنّ 56 بالمائة من الفلسطينيين يؤمنون أن حل الدولتين لم يعد قابلاً للحياة في ظل التوسع الاستيطاني. ويقول رباح خليل وهو طالب إدارة أعمال في جامعة بيرزيت "كل ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي يجعلنا نفقد الأمل في إمكانية الوصول إلى حل". مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين في بيت لحم بالضفة الغربية. اللاجئون رقم صعب في المفاوضات بين الجانبين العودة إلى المجتمع الدولي فيما ينتظر العالم من الولايات المتحدة الأمريكية أن تنجز "صفقة القرن" التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها حل نهائي للصراع، فقد وصلت القيادة الفلسطينية إلى رفض واشنطن باعتبارها وسيطاً في العملية في ضوء إعلان الإدارة الأمريكية أورشليم/ القدس عاصمة لإسرائيل . وأشارت عشراوي إلى أنّ الفلسطينين يبحثون عن وسيط بديل، وأنّ مفاوضات المستقبل يجب أن تكون لها أهداف محددة وإطار زمني ملزم "الانحياز الأمريكي تطور إلى شراكة ( مع إسرائيل)، وهم يتآمرون مع سلطة الاحتلال" ومضت إلى القول"لا يمكن أن تُلزم شعباً محتلاً بالتفاوض مع قوة الاحتلال دون تحقيق توازن في ميادين اللعب"، على حد تعبير القيادية الفلسطينية. أما شاحاف فلا يشعر بقيام" أي صفقة أو اتفاقية أو محادثات...لا لا شيء "، ويستطرد بالقول" ستكون هناك خطوات أحادية إسرائيلية، تدعمها الحكومة الأمريكية (للسيطرة على بقية الضفة الغربية حسب كاتب المقال) كما يرى شاحاف. وقالت عشراوي إنّ مقاربة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية كانت تقوم على خلق حالة مساءلة لإسرائيل، وعلى تقوية الفلسطينيين على الصعيد العالمي، وفي هذا الخصوص أكدت "أعتقد أنّ السؤال هو: إذا كانت إسرائيل تدمر حل الدولتين، كيف يسع المجتمع الدولي بكل منظماته القانونية ومنظومات المساءلة والمراقبة التي يملكها أن يشرع في التدخل لأنهاء الحصانة الإسرائيلية والانتهاكات الإسرائيلية؟" على حد تعبير السياسية الفلسطينية. رباح خليل من جانبه يؤمن أيضا أنّ الحل الرئيسي هو تدخل المجتمع الدولي "نحن نعتقد أنّ المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤولية النضال لأجل قضيتنا القائمة على حقوق الإنسان والحقوق العالمية". تيسا فوكس- الضفة الغربية/ ملهم الملائكة
مشاركة :