"الاقتصاد العالمي تغير بشكل أساسي نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية قبل 10 سنوات والسياسات التي لجأ إليها المسؤولون لإنقاذ النظام المالي". كان هذا هو تقييم بعض الخبراء في الذكرى العاشرة لانطلاق الأزمة. خروج الموظفين من مقرِ بنك ليمان براذر بعد انهياره في سبتمبر من عام 2008 لا يزالُ من أشهر مشاهد الأزمة المالية العالمية. وقد يصف البعض هذه الأحداث بالتاريخية، لكنها لا تزال سبباً لتغييرات جوهرية في الاقتصاد العالمي. فاليوم أصبح للبنوك المركزية دور أساسي في تنظيم ورقابة النظام المالي، خصوصاً وسط استعانتها بأدوات نقدية غير تقليدية مثل التيسير الكمي. كما أن الواقع الجديد الناتج عن السياسات التقشفية التي طبقتها العديد من الدول يعني أن الإنفاق على الخدمات الحكومية تقلص، في حين ارتفع العبء على محدودي الدخل. "أصبحت سلطة البنوك المركزية أكبر بكثير في الاقتصاد العالمي مقارنة بفترة ما قبل الأزمة، وفي وقت كان هناك توجه نحو التقشف، كانت هناك أيضاً زيادة كبيرة في مستوى مديونية الحكومات كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، وهذا كان الحال خصوصاً بالنسبة لبعض الدول الأوروبية"، يقول ماثيو أوكسنفورد خبير بالإصلاح المصرفي في تشاتام هاوس. ويضيف أوكسنفورد: "في الولايات المتحدة أنفقت الحكومة مبلغاً ضخماً يقدر بنحو 787 مليار دولار كحزمة دعم للاقتصاد، وهذا يعني أن نسبة الدين كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في الدول المتقدمة زادت في بعض الأحيان بواقع أكثر من 10 في المئة منذ الأزمة المالية وهذا يقلل البراح المتاح للحكومات للإنفاق على أمور أخرى". ولكن في الوقت نفسه يؤكد الخبراء أن الإصلاحات النظامية والرقابية في القطاع المالي لا تزال من أهم الدروس من الأزمة. هذا إلى جانب ما تم إدخاله من قواعد جديدة على رسملة البنوك وجودة الأصول. فهل أصبح النظام المالي أكثر متانة ومن أين يمكن أن تأتي الأزمة القادمة؟ من جانبها، تقول المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد:"لا نعرف من أين ستأتي الأزمة القادمة، لذا يجب أن نكون حذرين جداً خصوصاً ما يخص نظام الصيرفة shadow banking وأيضاً الدور الذي تؤديه تكنولوجيا الخدمات المالي في النظام المالي ويجب أن نشدد على الاستقرار المالي ليس للتضييق على الابتكار ولكن بهدف ضمان الاستقرار". ويقول بعض الخبراء إن الاقتصاد العالمي لا يزال يواجه مخاطر ناتجة عن الأزمة. لكن هذه المرة، فإن مصادر الخطر تكمن في الديون السيادية لا في متانة المؤسسات المالية. فمستوى مديونية الدول المتقدمة 2007 يساوي 72 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، ومستوى مديونية الدول المتقدمة 2016 يساوي 106 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. ورغم تراجع البطالة في بعض الدول مثل الولايات المتحدة فإنها تبقى مرتفعة في بعض الدول مثل إسبانيا 15 في المئة واليونان 20 في المئة. ولا يزال النقاش دائراً حول ميراث الأزمة المالية العالمية، ولعل من النظريات الأكثر إثارة للجدل هي أن الأزمة ساهمت في انتشار الحركات الشعبوية حول العالم لما سببته من فقدان للثقة في صانعي القرار والمجتمع المالي.
مشاركة :