مدريد - لخّص قرار إسباني بالمضي في بيع أسلحة للمملكة العربية السعودية، موقفا دوليا عامّا وغربيا على وجه التحديد، متفهّما لحقّ المملكة في الدفاع عن نفسها وحفظ أمنها واستقرارها، ومُقرّا بمشروعية ما تقوم به الرياض بالتعاون مع حلفاء لها في المنطقة لتحصين محيطها من التهديدات الإيرانية، بما في ذلك قيادتها لتحالف عسكري في اليمن مضادّ للمتمرّدين الحوثيين المصنّفين كوكلاء لطهران. وبدا لمحلّلين سياسيين أنّ وراء قرار مدريد إرادة عواصم قرار عالمية هادفة لتجاوز ما يسلّط عليها من ضغوط بشأن بيع أسلحة وذخائر تستخدم في مواجهة المتمرّدين الحوثيين باليمن. وواجهت كلّ من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وجميعها تبيع الأسلحة بشكل رئيسي إلى السعودية، ضغوطا داخلية من قبل سياسيين ونشطاء بالمجتمع المدني بهدف دفعها للتوقف عن بيع الأسلحة التي تستخدم في الحرب باليمن، ما يفسّر لجوء تلك الدول إلى حثّ دول أصغر حجما وأبعد عن الأضواء مثل إسبانيا للقيام ببيع تلك الأسلحة للسعودية بدلا منها. وبذلك تضمن الدول الكبرى تنفيذ التزامها بدعم التحالف العربي الذي تؤمن بمشروعية الحرب التي يخوضها في اليمن، وهو ما ظهر بوضوح في أحدث تصريحات لوزيري الخارجية والدفاع الأميركيين مايك بومبيو وجيمس ماتيس. كما تضمن الدول ذاتها تجنّب استفزازات الداخل الذي يظل مؤثرا وقادرا على الضغط، وتتيح لنفسها هامشا من المناورة في مواجهة ضغوطه. وقال بومبيو الأربعاء إنه شهد أمام الكونغرس بأن السعودية والإمارات تعملان على الحد من سقوط قتلى مدنيين في اليمن الأمر الذي يجنّب فرض أي قيود على المساعدات التي تقدّمها الولايات المتحدة في حرب التحالف باليمن. وأضاف بومبيو في بيان أنه أبلغ المجلس أن “حكومتي السعودية والإمارات تتخذان خطوات ملموسة للحد من خطر الإضرار بالمدنيين والبنية التحتية المدنية جراء عملياتهما العسكرية”. جوسيب بوريل: راجعنا عقد بيع القنابل ثلاث مرات ولم نجد ما يدعو لعدم تنفيذه جوسيب بوريل: راجعنا عقد بيع القنابل ثلاث مرات ولم نجد ما يدعو لعدم تنفيذه وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية إن هناك عدة عوامل تدعم قرار بومبيو منها قبول التحالف بقيادة السعودية باللوم والموافقة على تعويض ضحايا غارة جوية خاطئة وقعت في التاسع من أغسطس الماضي على حافلة مدنية. وتابع المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه أن التحالف تعهد أيضا بمحاسبة المسؤولين عن الغارة في حين واصلت السعودية والإمارات دعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع. وتعثّرت أحدث محاولة تقودها الأمم المتحدة عبر مبعوث أمينها العام إلى اليمن مارتن غريفيث، لإجراء محادثات سلام بين الفرقاء اليمنيين في جنيف بسبب تغيّب ممثّلي المتمرّدين الحوثيين. ومنح ذلك مشروعية إضافية لحسم الصراع اليمني عسكريا، وهو ما لاحت بوادره من خلال اشتعال المواجهة العسكرية في محافظة الحديدة الاستراتيجية بغرب اليمن بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية والمتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران. وفي تأييد لموقف وزير الخارجية الأميركي، قال وزير الدفاع جيمس ماتيس إنه يدعم ما قاله بومبيو بأن السعودية والإمارات “تبذلان كل الجهود للحد من خطر سقوط قتلى مدنيين وإلحاق أضرار جانبية بالبنية التحتية المدنية نتيجة العمليات العسكرية لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن”. وبدا القرار الإسباني الذي صدر بفارق زمني قليل بعد تصريحات الوزيرين الأميركيين، بمثابة استجابة عملية لموقف الولايات المتّحدة. وقال وزير الخارجية الإسباني جوسيب بوريل، الخميس، إن بلاده ستمضي قدما في بيع 400 قنبلة موجهة بالليزر للسعودية، وذلك بعد أنباء عن إيقاف الصفقة بفعل ضغوط سياسية وحقوقية. وقال بوريل لإذاعة أوندا ثيرو “القرار هو تسليم هذه القنابل احتراما لعقد يعود إلى 2015 أبرمته الحكومة السابقة”. وأوضح الوزير أن عددا من الوزارات عملت على مسألة بيع القنابل للسعودية على مدى أسبوع كامل، وأن اللجنة التي تجيز مبيعات السلاح راجعت العقد ثلاث مرات “ولم تجد ما يدعو لعدم تنفيذه”. وسئل عما إذا كانت إسبانيا قد تلقت أي ضمانات بأن الأسلحة لن تستخدم ضد السكان المدنيين في اليمن، فقال إن القنابل الموجهة بالليزر تصيب أهدافها بدقة متناهية في مساحة متر واحد. وتابع “هذا النوع من الأسلحة لا ينتج عنه نفس نوع القصف الناجم عن أسلحة أقل تطورا يجري إطلاقها بقدر من العشوائية وتسبب تلك المآسي التي ندينها جميعا”. وكان إيقاف الصفقة قد أثار قلقا في إسبانيا إزاء مصير عقد أكبر وقّعته في وقت سابق شركة نافانتيا الحكومية لبناء السفن لتزويد السعودية بسفن حربية. وقالت وزارة الدفاع الإسبانية الشهر الماضي إن الحكومة الاشتراكية الحالية التي تولّت السلطة منذ نحو ثلاثة أشهر لم تبع قط أسلحة يمكن استخدامها ضد سكان مدنيين وإنها ستنظر في المعايير التي تجيز بيع السلاح.
مشاركة :