يسجل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفارقة واضحة في السياسة الأمريكية حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أنه واحد من أقل رؤساء الولايات المتحدة شعبية، منذ عهد الرئيس الراحل رونالد ريجان ، مقارنة بحالة الاقتصاد الأمريكي القوية. وبحسب التحليل الذي أجرته وكالة بلومبرج للأنباء وشمل نتائج العديد من استطلاعات الرأي التي ترصد شعبية الرئيس الأمريكي، فإن ترامب هو أول رئيس أمريكي منذ عهد ريجان الذي حكم الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين، تنخفض شعبيته إلى هذه المستويات، في الوقت الذي تزداد فيه ثقة المستهلكين في الاقتصاد الأمريكي. تقول كارلين باومان خبيرة استطلاعات الرأي العام في معهد “أمريكان إنتربرايز إنستتيوت” للدراسات ، ومركزه واشنطن ، إن “هناك انفصالا ضخما.. الاقتصاد لا يبدو مهيمنا على الانتخابات كما كان يحدث غالبا”، حيث كانت القضايا الاقتصادية تمثل محور معارك الانتخابات في الولايات المتحدة سواء كانت انتخابات رئاسية أو برلمانية طوال السنوات الماضية. من ناحيته اعترف مايك مولفاني مدير إدارة الميزانية في البيت الأبيض بأن هذا الأمر يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للجمهوريين الذين يحاولون المحافظة على أغلبيتهم في الكونجرس. وقال مولفاني خلال اجتماع خاص لأنصار الحزب الجمهوري إنه ينبغي عليهم توجيه تركيز الناخبين نحو الاقتصاد وليس على ترامب في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في تشرين ثان/نوفمبر المقبل، بحسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، بهدف الاستفادة من الأداء الجيد للاقتصاد الأمريكي خلال أول عامين من حكم الرئيس ترامب وهو ما انعكس على معدل النمو المرتفع ومعدل البطالة المنخفض، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار الأسهم الأمريكية خلال العامين الأخيرين. وهناك بالفعل شكوك قوية في قدرة الملف الاقتصادي على جذب اهتمام الناخبين… رغم أنه لا يؤدي بصورة جيدة للغاية مثلما يصور الرئيس ترامب في تغريداته الكثيرة على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي. إذ يقول إن الاقتصاد يحقق أفضل أداء له على الإطلاق وأن الناتج المحلي الإجمالي حقق خلال الربع الثاني من العام الحالي أسرع معدل نمو له منذ 4 سنوات، وتراجع معدل البطالة إلى أقل مستوياته منذ ستينيات القرن الماضي ، كما أن الأجور بدأت أخير ترتفع. الأكثر من ذلك أن الأسر والمستهلكين في الولايات المتحدة يتفقون على أن أداء الاقتصاد الأمريكي جيد، بحسب مسح وكالة بلومبرج الإسبوعي لقياس مدى ارتياح المستهلكين. الأزمة بالنسبة لترامب، هي أنه في حين ترتفع ثقة ومعدل رضا المستهلكين عن أداء الاقتصاد عن متوسط معدل الثقة والرضا بالنسبة لأي رئيس أمريكي منذ الثمانينيات، فإن شعبية ترامب وفقا لاستطلاع رأي واشنطن بوست/أيه.بي.سي نيوز الأخير تراجعت بشدة، وذلك وفقا لتحليل مؤسسة “لانجر ريسيرش أسوسيشن” التي تراقب استطلاعات الرأي لصالح مؤشر بلومبرج لقياس شعور المستهلكين. يقول تيم مالوي خبير استطلاعات الرأي العام في جامعة كوينيبياك إن “الاقتصاد يزدهر لكن شعبية الرئيس تتهاوى”. ويرجع “بومان” تباين مواقف الأمريكيين من الاقتصاد ومن الرئيس ترامب إلى “شخصية ترامب والسيرك المنصوب في واشنطن والذي يجذب يوميا الأنظار إليه بعيدا عن أي شيئ آخر” في إشارة إلى الهجوم والانتقادات السياسية التي يتعرض لها ترامب بشكل مستمر من جانب العديد من الدوائر الإعلامية والسياسية في واشنطن. نتيجة هذه الحرب الكلامية المستعرة في العاصمة الأمريكية تجسد الانقسام الواضح بين الجمهوريين والديمقراطيين كما هو الحال منذ 14 عاما عندما يتعلق الأمر بالتقييم العام لأداء كل منهما. ويشير مؤشر الاستقطاب الذي يقيس التباين في التقييم بين أنصار الحزبين على مؤشر قياس شعور المستهلكين إلى اتساع الفجوة على نحو متسارع منذ تولي الرئيس ترامب مهام منصبه في كانون ثان/يناير .2017 وقد اقترب المؤشر الآن من مستوياته التي سجلت في 2004 في ذروة الحرب الأمريكية في العراق. وهناك نقطة مضيئة بالنسبة لترامب والجمهوريين من خلال مسح مؤشر بلومبرج لقياس شعور المستهلكين. على عكس الديمقراطيين، أصبح السياسيون المستقلون أكثر تشاؤما بالنسبة لنتائج الانتخابات في ظل استمرار الأداء الاقتصادي في التحسن قبل انتخابات التجديد النصفي. ورغم ذلك فإن السياسيين المستقلين أقل تفاؤلا من الجمهوريين، في حين أن أغلبهم مازالوا غير راضين عن أداء الرئيس ترامب بشكل عام، بحسب أحدث استطلاع رأي لصحيفة واشنطن بوست/إيه.بي.سي نيوز. وأخيرا يقول “جاري لانجر” من مركز أبحاث “لانجر ريسيرش” الكائن في نيويورك إن “الاقتصاد القوي لا يضمن شعبية الرئيس”.
مشاركة :