إعداد محمد أمين | على مدى عقود، كان مسربو المعلومات السرية إ#x200d;ى الصحافة خليطا من الناس، شمل موظفين حكوميين غاضبين من التجاوزات وإيديولوجيين يدفعون باتجاه معين، وسياسيين يريدون النيل من الخصوم. وفي السنوات الأخيرة، ساعدت التكنولوجيا على نطاق واسع مثل هؤلاء المسربين من امثال تشيلسي مانينغ وكابلات ويكيليكس الدبلوماسية، وؤدارد سنودن، وأرشيف وكالة الأمن القومي المسروقة، والمصدر الذي ما يزال غير معروف لأوراق بنما. ولكن الآن، انضم إلى هذا الفريق المتنوع، نوع مختلف تماماً من المسربين الأكثر تخفياً وأفضل تمويلا: إنها أجهزة الاستخبارات التابعة للدول القومية التي يمكنها قرصنة الوثائق ثم استخدام أحد الوكلاء لنشرها. ويأتي ما فعلته المخابرات الروسية وفق التحقيقات الجارية بنجاح منقطع النظير للديموقراطيين في انتخابات 2016 ليظهر أن هذه الأجهزة أصبحت أداة شائعة للتجسس حول العالم. منذ عام 2014، بدأت روسيا أساليب القرصنة على مستوى القارة الأوروبية، ويقول مات تايت، الخبير الإلكتروني في جامعة تكساس الذي سبق أن عمل في مؤسسة الاتصالات الحكومية البريطانية أنه «من الواضح أن الدول القومية تتطلع إلى هذه التسريبات الجماعية لترى مدى نجاحها». قواعد.. ووكالات تجسس ماذا يعني هذا للصحافة؟ تنص القواعد القديمة انه إذا حصلت المؤسسات الإخبارية على مواد تعتبرها حقيقية وجديرة بالثقة، فعليها أن تنشرها. لكن هذه القواعد قد ترتقي بالمراسلين الى درجة وكالات التجسس بحيث يتلاعبون بما ينشرون وموعد النشر، مع خطر إضافي يتمثل في تسريب معلومات مزورة إلى أرشيف مرموق. وقد أثارت هذه المسألة آمي شوزيك في كتابها الجديد حول تغطية هيلاري كلينتون، وتروي أنها قرأت خبراً في نيويورك تايمز عن القرصنة الروسية للبريد الالكتروني لعدد من زعماء الحزب الديموقراطي، والتي قالت إن هذه الصحيفة وغيرها أصبحت – بنشر الأخبار التي استندت إلى المادة المقرصنة – «أداة فعلية للمخابرات الروسية». حذر وشفافية شعرت شوزيك انها مذنبة، لكن آخرين، سارعوا إلى طمأنة شوزيك إلى أنها ومئات المراسلين الآخرين الذين غطوا رسائل البريد الإلكتروني التي تم تسريبها، إنما كانوا يقومون بمهامهم، وأن «السؤال الرئيسي الذي يجب على الصحافي أن يسأله لنفسه هو ما إذا كانت المعلومات التي ينشرها صحيحة وملائمة أم لا، وليس ما إذا كانت تسعد أو تغضب موسكو»؟ إن حجب المراسلين للمعلومات القيمة عن الجمهور هو لعنة. ولكن في عالم تتعرض فيه الأخبار للقرصنة من أجهزة الاستخبارات الأجنبية، يتعين على الصحافيين أن يستخدموا أقصى درجات الحذر والشفافية. وطوال الجزء الأكبر من عام 2016 كشفت الأنباء التي تستند إلى رسائل البريد الالكتروني الديموقراطية التي تم اختراقها، عن أشياء حقيقية ومهمة، بما فيها عداء قيادة الحزب لحملة بيرني ساندرز ونصوص خطابات هيلاري كلينتون الخاصة التي رفضت القاءها. كانت المشكلة أن القراصنة الروس اختاروا عدم تسليم الناخبين الأميركيين المواد التي حصلوا عليها من داخل حملة ترامب، كما فعلوا مع هيلاري. وهكذا تم حسم اتجاه تغطية حملة انتخابات الرئاسة الاميركية في موسكو. فمن خلال الاعتماد على المراسلين الأميركيين في اتباع القواعد المعتادة، تمكن الروس من قرصنة الصحافة الأميركية. وعلى الرغم من انكشاف الوسائل التي استخدمها الروس، فإن حل هذه المشكلة لن يكون سهلا. يقول جاك غولدسميث، المسؤول السابق في وزارة العدل الاميركية الذي يعمل في جامعة هارفارد حاليا والذي كتب على نطاق واسع في الصحافة، انه يعتقد ان الصحافيين سيجدون صعوبة في حجب مواد حقيقية وجذابة لمجرد أنهم يعرفون أو يشتبهون في أن المصدر هو جهاز استخبارات أجنبي. وأضاف: «لا ينبغي أن يهم ما إذا كان المصدر هو الروس أو موظفا ساخطا في حملة هيلاري كلينتون. وإذا استبعدنا الروس؟ فماذا عن البرازيليين؟ وماذا عن الإسرائيليين؟ أعتقد ان من الصعب تمييز الخبر أن كان حقيقياً أم مدسوساً». شرعنة القرصنة! يرى ديفيد بوزن أستاذ القانون في جامعة كولومبيا الذي أجرى دراسة رئيسية حول التسريبات إلى الصحافة الأميركية، ان القرصنة غيرت قواعد اللعبة من خلال السماح للحكومات الأجنبية بجمع المعلومات السرية بالجملة من المؤسسات الأميركية. ويضيف: «دعونا نفترض أن الاستخبارات الروسية ترسل كل أسبوع حزمة من الأخبار المهمة المسربة عن السياسيين الأميركيين، إلى نيويورك تايمز، فهل ستنشرها الصحيفة؟». وأضاف ان نشر التسريبات التي يقدمها جواسيس أجانب «يضفي الشرعية على القرصنة ويحفزها، وأعتقد أن هذا يجعل الحسابات الأخلاقية للصحافيين أكثر تعقيداً بكثير». وعندما سُئل عما إذا كانت لديه أي مبادئ توجيهية، قال: «لا أعتقد أن لدي إجابات حاسمة»، فالأمر يثير الارتباك حين تكون الوثائق المسرّبة حقيقية. لكن التجربة الروسية في عام 2016 تنطوي على تكتيكات تنذر بالخطر، مثل تغيير الوثائق الحقيقية وتزوير وثائق أخرى ثم نشرها مع وثائق حقيقية تمت قرصنتها. تلفيقات أكثر تعقيداً#x200d;#x200d; يعتقد خبراء الاستخبارات ان التلفيقات المستقبلية ستكون أكثر تعقيداً وأصعب على الكشف، بما فيها ما يُطلق عليه «التزوير العميق» الذي يتضمن فيديو كليبات وتسجيلات صوتية لسياسيين يقولون أو يفعلون أشياء لم يقولوها ولم يفعلوها أبداً. وعلى ضوء مثل هذه التعقيدات، يتعين على الصحافيين ان يحسبوا خطواتهم بدقة وعليهم فحص صحة الوثائق التي يحصلون عليها والتيقن من المصادر. ولكن وعلى الرغم من كل هذه المخاطر، يبقى لدى الصحافي الفضول لمعرفة الأسرار والشغف لتسجيل سبق صحافي. حماية المسربين في السنوات الأخيرة، أضافت صحيفة نيويورك تايمز وغيرها من المؤسسات الصحافية، آلية جديدة تضمن السرية لمسربي الأخبار. قد يكون هذا بمنزلة عامل جذب حاسم للمخبرين في قلب المؤسسات الأميركية، ولكن هذه الآلية توفر الحماية أيضاً، لقراصنة يجلسون في موسكو أو بكين.
مشاركة :