محمد الهلي: القائد المؤسس «بدويّ» جمع بين البساطة والشجاعة والكرم

  • 9/15/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أبوظبي: رانيا الغزاوي «كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، موسوعة في المعرفة والثقافة، كما كان إنساناً كريماً، محباً لكل من حوله، يتعامل معهم كأنهم أبناؤه، وقد رأيت فيه دائماً، نموذجاً للإنسان الذي لا يتوقف عطاؤه عند حد، فقد شكل عمل الخير جزءاً أساسياً من مكونات شخصيته الفريدة، ومع إيمانه بأهمية التطور وسعيه لبناء دولة عصرية، كان يضع التراث على قائمة أولوياته واهتمامه، وكان ينظر إليه نظرة واعية، بوصفه جزءاً من حياة الإنسان، وكان يقول من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ومستقبل، كما كان رحمه الله، يرحب بكل فكرة جديدة ومفيدة تصب في مصلحة الوطن، وتهدف للحفاظ على تراث الآباء والأجداد، وهو ما حدث معي، عندما طرحت عليه فكرة إنشاء جمعية للتراث الشعبي في الإمارات».هكذا بدأ محمد بن سعيد الهلي، الشاعر والخبير التراثي، مؤسس «جمعية التراث الشعبي» في الإمارات، أول من نظم القرى والمعارض التراثية، وأول من مثل تراث الإمارات خارج الدولة، حديثه عن الشيخ زايد، رحمه الله، الذي جمعته به كثير من المواقف والفعاليات المرتبطة بالتراث والشعر، مؤكداً أنه كان يعتز بالتراث وبالقيم البدوية وتقاليد المجتمع، وكان نموذجاً للبدوي الذي يجمع بين البساطة والشجاعة والكرم والإيثار والتواضع. كما كان مهتماً بالبحث في تراث الشعوب، وكان يقول، إن مجتمع الإمارات لديه كنز من القيم والعادات والتقاليد والموروث الشعبي، وإذا لم ينقل هذا الكنز إلى الأجيال المقبلة، فسيندثر، كما حدث في كثير من بلدان العالم، خصوصاً أن دولة الإمارات تضم مقيمين من جنسيات عدة، لكل منهم عاداته وتقاليده. تأسيس الجمعية وأضاف الهلي «عندما راودتني فكرة تأسيس جمعية في الدولة للحفاظ على تراث الإمارات، عام 1978 التي لاقت ترحيباً من المحيطين بي، وسعيت للمضي في تنفيذها، والتقيت، آنذاك، مستشار رئيس الدولة أحمد خليفة السويدي، سعياً إلى مقابلة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وعندما قابلته، سألني: كيف ستتعامل مع التراث؟ فأجبته: نأخذ من الماضي أفضله، ومن الحاضر أفضله، لنحافظ على هويتنا، ونؤمن بأن التراث كائن حي وليس جماداً. فأمسك، طيب الله ثراه، بيدي ورفعها أمام الحضور قائلاً: هذا أملنا في المجتمع، وواجبنا أن نقف معه وندعمه. وفي بداية إنشاء الجمعية، طلب مني الشيخ زايد، أن أطلعه على برنامج عمل الجمعية وقال لي: الثقيلة عليّ والخفيفة عليك، وسأرسل لك واحداً من أبنائي لمساعدتك في إدارة الجمعية؛ وكان وقتها صاحب السموّ محمد بن زايد». نقل التراث ويتذكر الهلي، لقاء آخر، جمعه إلى المغفور له الشيخ زايد، بعد تأسيس الجمعية، عرض خلاله فكرة توسيع نشاط الجمعية، ليشمل مراكز للنساء، لأن المرأة تمثل أكثر من نصف المجتمع، وهي المسؤولة عن تربية الأجيال ونقل التراث إليهم وتنشئتهم عليه، وعلى احترامه وتقديره، فرحب، رحمه الله، بالفكرة وطلب منه التواصل مع جمعية نهضة المرأة الظبيانية، وتوضيح الفكرة لمديرتها شمسة هزيم، والأماكن المقترح افتتاح المراكز فيها، لتطّلع بدورها سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، على الفكرة على أن تنفذ، بالتعاون مع الجمعية. وبالفعل رحبت بالفكرة، وافتتحنا مراكز عدة في مختلف مناطق الدولة، من الغويفات إلى الفجيرة. وأشار إلى أن هذه المراكز ركزت على تقديم أنشطة مرتبطة بالتراث والتربية والتعليم، ووفرت المناطق التعليمية مدرسات تولّين الإشراف عليها، وبعد ذلك افتتحنا صفوفاً لتعليم الكبار ومحو الأمية بها، لأن الشيخ زايد، كان حريصاً على تعليم المرأة وأن تقدم الأعمال التي تخدم المجتمع، سواء خارج المنزل أو داخله، وألاّ يقتصر دورها على خدمة عائلتها، حيث إنها أكثر من نصف المجتمع، وهو بحاجه إلى دورها وفكرها في قيادة العملية التنموية. فعاليات ومهرجانات وأضاف: «بعدما اتسع نشاط الجمعية وتشعب، زارني صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد، في منزلي، عام 1990، وأخبرني بأن المغفور له الشيخ زايد، أرسله للمساعدة في إدارة الجمعية، كما سبق أن وعدني، فقلت له «سموّك الرئيس وأنا النائب». فشكل صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد، مجلس إدارة الجمعية». وشهد ذلك العام أول مشاركة لنا في احتفالات اليوم الوطني للدولة، وكان مهرجاناً مكتملاً، تمثل فيه مجتمع الإمارات ببيئاته البحرية والصحراوية والجبلية والزراعية. وحصلنا فيه على المركز الأول. بعد ذلك بدأت مشاركاتنا خارج الدولة، واستمرت على مدى سنوات، مثلنا خلالها الإمارات في عدد من الفعاليات والمهرجانات. وفي نهاية عام 1992 شاركت الإمارات في مهرجان تراثي في المغرب، وحصلت على المركز الأول على 38 دولة. وفي عام 1995 شاركت الجمعية بمهرجان آخر في المغرب، وزار المغفور له الشيخ زايد، جناح الدولة فيه، ودعا المشاركين في الوفد إلى تناول العشاء معه. وخلال زيارته ألقيت أمامه قصيدة كتبتها تعبيراً عن اعتزازي واعتزاز كل إماراتي به قائداً وأباً، وقلت في مطلعها: يا أملنا ويا سندنا والظهر.. يا صاحب القلب الجسور وكنت كلما ألقيت بيتاً، استوقفني، وشرح معانيه للحضور من الجنسيات المختلفة. كما كتبت قصيدة أخرى في مدحه، عندما سمعها الشيخ زايد، أعجب بها، قلت فيها: يا شيخ منظوم القوافي تغنّاكْالشعر يلقى مزمله في كنوفكْأمدحك بما يملي القلب جدواكمدح الصدوق اللي يعرف معروفكزولك بعيني يجبرنّه مزاياكلو غاب شخصك عن عيوني أشوفك وفي موقف آخر يتذكره محمد بن سعيد الهلي، قال «كنت في إحدى المناسبات الاجتماعية بصحبة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في منطقة الخزنة، وعرضت عليه فكرة تنموية، حيث كنت أفكر في جمعية تعاونية متعددة الأغراض، في الدولة، تكون لها إدارة مركزية تتفرع منها إدارات منفصلة في كل إمارة، فدقّ صدري، رحمه الله، بأربع أصابع، وقال «رأسمالها عليّ، إذا ربحتوا رجعولي بيزاتي وشكراً لكم، وإذا لا، فدى راسكم». وهو أمر ليس بغريب على زايد الذي كان يتعامل مع أبناء الشعب جميعاً، على أنهم أبناؤه؛ فرحم الله المغفور له الشيخ زايد رحمة واسعة، على كل ما قدمه لبناء حضارة شعب الإمارات، والرفاه والسعادة اللذين خلفهما لأبناء شعبه».

مشاركة :