القرار الذي اتخذه الرئيس السوداني ،الأحد الماضي، بحل الحكومة وتقليصها وتكليف رئيس وزراء جديد، أثار ضجة كبيرة بدأت ولن تنته، تراوحت ردود الأفعال تجاهه وتجاه فجائيته بين تأييده باعتباره محاولة جديدة لمواجهة الأزمة السياسية والاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد، وبين مجرد كونه تسويقاً لسياسات قديمة بوجوه مألوفة، لكسب الوقت حتى حلول الدورة الانتخابية القادمة في 2020.قطاعات كثيرة، بما فيها بعض «رموز» الحزب الحاكم، رأوا في القرار الذي اتخذ بغتة ودون مشاورات «نفس السلعة القديمة في قنانٍ جديدة»، لا تثمر إلا إتاحة الفرصة للنظام لاسترداد أنفاسه اللاهثة بفعل الأزمات التي اضطرته إلى الاعتراف للمرة الأولى وعلى أعلى المستويات «رئاسة الجمهورية».وقبيل إعلان تشكيلة الحكومة، أمس، فقد رأى القيادي في حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، قطبي المهدي، أن «التغييرات (...) استقبلها الناس بصورة إيجابية». وأشار إلى أن «الفصل بين منصبي رئاسة الوزراء والنائب الأول لرئيس الجمهورية، أنهى حالة من الارتباك (رئيس الوزراء كان هو النائب الأول للرئيس)»، وتابع «ما حدث تصحيح لهذا الخلط الدستوري».ورأى المهدي أن «الشيء الجديد الوحيد في تلك القرارات هو الإتيان برئيس وزراء من الجيل الجديد»، ويضيف «إنه من جيل جديد، لكنه جزء من الوزارة السابقة والنظام».وكان قطبي المهدي يراهن على حكومة كفاءات وليست محاصصة، «كان المطلوب لمواجهة المشكلات التي تواجه الناس والبلاد، الإتيان بعناصر كفء لحلها؛ لأن الشعب ينتظر حكومة يثق فيها»، واشترط أن يكون للوزراء الجدد رؤى وفهم جديدان لمواجهة هذه المشكلات، وقال «إما أن يمثل الوزراء هذه الجهة أو غيرها، فهذا لا يعني الناس في شيء، الشعب يتوقع عناصر لديها سياسات ورؤى جديدة، وتملك الكفاءة اللازمة لمواجهة المشكلات، أما إذا كان الأمر مجرد تغيير للوجوه دون سياسات جديدة، فهذا لا يعني أن هناك تغييراً قد حدث».ويرى المتحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، محمد ضياء الدين، في القرارات، مجرد حالة استمرار لسياسات النظام التي درج على ممارستها بين فينة وأخرى. يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها «لا تتجاوز تعديلات في المواقع السياسية بين الوجوه القديمة دون تغيير في السياسات والبرامج والرؤى... هذا يقود إلى الاستمرار على النهج القديم، الذي أثبت فشله في إيجاد أي معالجة للأزمات المتفاقمة التي أسهمت فيها سياسات النظام».ويقطع ضياء بالقول «لا جديد يمكن أن تحدثه هذه التعديلات في مواجهة الأزمة السياسية والاقتصادية»، ويتابع «النظام لا يزال يتهرب من مسؤولياته تجاه الأزمات؛ لذلك يدمن على محاولات إلهاء الشعب، باتخاذ قرارات من كثرة تكرارها أصبحت معروفة... لذا؛ لن ينتظر الشارع السوداني نتائج هذه القرارات، مثلما لم ينتظر التي قبلها».سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، محمد مختار الخطيب، يقول إن «القرارات الأخيرة مجرد محاولة لكسب الوقت ليصل رأس النظام لانتخابات 2020... وإنه اتخذها لشعوره بالململة والاحتقان في الشارع». ويتابع «هذه القرارات لن تحل الأزمة، بل ستكون استمراراً للبرامج والخطط الاقتصادية الفاشلة، التي تتحدث عن التقشف وتقليل الصرف السيادي؛ لأنه لن ينفذها كما ظل يفعل كل مرة، بل يوسع من دائرة استيعاب الآخرين لفك الخناق عن عنقه».ويوضح الخطيب في إفادته لـ«الشرق الأوسط»، أن الأوضاع الحالية نتاج سياسات تفاقمت وقادت للأزمة الاقتصادية الحالية، ويستطرد «هي أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، نتجت من سياسات النظام التي استمرت ثلاثين عاماً، دون مراجعة أو تصحيح على الرغم من الأزمات التي تتفاقم باضطراد، وتتمثل في غياب الديمقراطية والحريات العامة، وقمع المعارضين والأصوات المقاومة».ويوضح الخطيب أن «محاولات حل الأزمة عن طريق الترضيات بالمناصب الدستورية، هي الأخرى قادت إلى هذه المرحلة من الأزمة، وحل الأزمة لن يتم إلا بذهاب النظام؛ لأنه يمثل مصالح غير مصالح الشعب السوداني». ويحذر الخطيب من استمرار سياسات النظام القديمة، ويعتبرها خطراً على السودان نفسه، ويقول «لقد انصاع النظام تماماً لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وفرّط في سيادة الوطن، وتحول لخادم وشرطي للمصالح الأميركية في المنطقة»، ويضيف «لن تحل المشكلة لأن الحكومة ظلت تصرف على الحرب وعلى حماية نفسها من ميزانية الدولة أكثر مما تصرف على احتياجات الشعب؛ لذلك لا يوجد حل في إطار هذا النظام».أما الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، علي الحاج محمد، فقد رحب بالتغييرات، وقال إن حزبه لن ينسحب من الحكومة و«لو لم يحصل على حقيبة وزارية واحدة»، بيد أنه طالب بتقليص المزيد من إعداد الدستوريين، وتقليص أعضاء المجلس الوطني «البرلمان» إلى النصف، وتقليص مخصصات النواب إلى النصف والعمل معهم بنظام الحوافز.ووصف الحاج القرارات التي اتخذها الرئيس في المؤتمر الصحافي الذي عقده الاثنين، بأنها «خطوة تصحيحية»، تلقى مباركة وتأييداً منهم «على الرغم من أنها تمت دون مشاورة القوى الحليفة للحكومة».ومن منفاه بفرنسا، وصف زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، التغييرات بأنها «عودة للعبة التغيير»، وقال في رسالة درج على إرسالها دورياً «عادت حليمة لقديمها، والغباء أن تعود لنفس الخطة الفاشلة، وتتوقع نتائج مختلفة».وأوضح المهدي أن النظام عاد للعبة التغيير الوزاري اشتقاقاً من «وزر وليس وزارة»، معتبراً تعيين الوزراء الذي لا يقوم على أساس مجرد «طرد من وزارة ليجيء غيره بألقاب جديدة، لكنهما، المطرود والقادم لا يمارسان أي صلاحيات»، ويتابع «شعبنا دخل هذه المسرحية مرات، فتضحكه على الممثلين، وتحزنه على المصير الوطني».
مشاركة :