صوت الشعوب مع صوت الإرهاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة

  • 9/15/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تفتتح الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها الثالثة والسبعين في الثامن عشر من سبتمبر الجاري بحضور الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة، وتحرص الدول على المشاركة بأرفع المستويات لعرض وجهة نظرها في القضايا العامة وما يحيط بها ويتفاعل مع شؤونها الداخلية ومدى استجابتها لمتطلبات ومعايير التقدم وأثرها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعوبها. مخاطر حقيقية تواجه المجتمع الدولي، أهمّها قضية الإرهاب وتعدد مصادره وتمدده وتنوع تأثيراته، وارتقاء بعض ممارساته إلى ما يعتبر جرائم ضدّ الإنسانية، أجبرت الملايين من الناس على النزوح من مناطق الكوارث، نتيجة لما لحق بهم من اضطهاد، أو جوع ونقص وانعدام في مستلزمات العيش، مع لجوء موجات منهم إلى خارج الحدود الدولية لأوطانهم بحثا عن مأوى في دول الجوار الجغرافي، أو خوض مخاطر الانتقال غير الآمن عبر البحار بقوارب مطاطية تحت سطوة المهربين والاتجار بالبشر. الرئيس الإيراني حسن روحاني يحضر إلى الأمم المتحدة حاملا أثر العقوبات الأميركية وعودتها وتفاقمها على نظامه، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي بما طرأ من ردود أفعال بين الطرفين، يبدو إن مسرحها الأساس سيكون العراق وذلك لارتدادات أصداء علاقتهما في غزوه وبعد احتلاله ثم جريمة تسليم السلطة فيه إلى العملاء من أحزاب طائفية أودت بالبلاد إلى الفتنة ومستنقع الإرهاب والميليشيات، وبرعاية أميركية انتقلت من إدارة الرئيس جورج بوش الابن إلى إدارة الرئيس باراك أوباما الذي فتح الباب واسعا لتمدد إرهاب النظام الإيراني على حساب أكثر من دولة عربية. الإرهاب تجرأ على اختراق الأمن والعبث باستقرار أوروبا والعالم؛ والوثائق تتكشف يوما بعد يوم عن صلات النظام الإيراني بتنظيم القاعدة، إنْ في تيسير عبور المقاتلين أو في الدعم اللوجستي أو التمويل، ليأتي توقيع النظام الإيراني على الاتفاق النووي بناء على رغبة الرئيس أوباما وحزبه الديمقراطي تقديم مكافأة عملية واسعة للإرهاب، تخلت فيها أميركا عن دور الدولة العظمى في العالم وتحديدا في منطقة حيوية كالشرق الأوسط، ثم انسحابها الكارثي وسط تأييد أوروبي تميّز بقصر النظر وما زال، في جزء منه، يراوح عند مصالح اقتصادية لشركاتها أو خضوعها لابتزاز ما، مع جملة ما حصل من متغيرات السياسة الأميركية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب ورؤيته للعلاقات التجارية والاتفاقيات المبرمة سابقا. الرئيس باراك أوباما أعطى انطباعا صريحا وليس مبهما لروسيا والرئيس فلاديمير بوتين عن الانسحاب الأميركي الاستراتيجي عن مناطق اهتمام النظام الإيراني وفتنته المذهبية، بتغاضيه عن تمويل الأنشطة الإرهابية والمجموعات المسلحة المتطرفة التي تصبّ أيديولوجياتها في خدمة الهدف الأوسع لمشروع الملالي، عندما وفّر القواعد لإنشاء دعائم محور دولي سارع إلى اغتنام مرحلة الفراغ، إدراكا من روسيا والنظام الإيراني أنها مرحلة مؤقتة بحكم حتمية انتقال السلطة إلى إدارة أميركية جديدة، حتى لو كانت لمرشح آخر من الحزب الديمقراطي. لذلك كان إيقاع الإرهاب وصناعة الأزمات متواترا وسريعا في الفترة الثانية من إدارة الرئيس أوباما، انتقلت معها روسيا للتوغل في الشأن السوري لتصبح محاميا عن نظام بشار الأسد في المحافل الدولية، أو في تنفيذ الغايات بشن الهجمات ضد المدنيين؛ حيث وجدت في الحرب على الإرهاب الغطاء المناسب لفرض هيمنتها وتبرير احتلالها وتأكيده بالقواعد العسكرية الدائمة. وهو ما فعلته إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وفي دول أخرى بدرجات متفاوتة، في تحشيد اعتقدت معه ولاية الفقيه، بعد مجموعة إيحاءات إعلامية رافقت إطلاق صواريخ روسية من قواعدها العسكرية، أنها ضمنت الإبقاء على تمدّد مشروعها الطائفي بحماية الشراكة مع الروس أو بالتسليم للقيادة الروسية في مواجهة أيّ صراع مع الولايات المتحدة. مدينة إدلب وتجاذبات ارتكاب المجزرة هل ستؤجل إلى ما بعد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، أم إن اشتعال نصف الفتيل يتيح حلا لإنقاذ المدنيين من أهلها ومن الذين زجوا فيها عنوة بعد ترحيلهم من مدنهم وقراهم بالاتفاقيات المحلية لمناطق خفض التصعيد؛ حتى أمست إدلب منذ سنوات مقبرة جماعية مؤجلة تختصر المأساة السورية وتنتظر تنفيذ حكم الإعدام بها. الولايات المتحدة عززت من النفوذ الإيراني في العراق، وانقلابها الآن على هذا النفوذ يتطلب استعادة المبادرة في السياسة بمراجعة أخطاء الاحتلال في تمكين عملاء إيران من الاستيلاء على السلطة بدوافع أميركية سيترأس الرئيس ترامب، تزامنا مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، اجتماعا خاصا لمجلس الأمن الدولي لمناقشة تداعيات الإرهاب الإيراني على السلم العالمي وأثر العقوبات على النظام، في وقت يستعد فيه الكونغرس لدراسة مشروع قانون يتصدّى لنفوذ إيران في العراق، ونشر قائمة بالجماعات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الذي تتلقى منه التمويل والتدريب، رغم إن السلطات في العراق هي التي تمول وتحمي الميليشيات، سواء بذرائع فتوى المرجعية المذهبية، أو بتمرير قانون الحشد الشعبي في البرلمان، أو بتهيئة عدد من المقاعد البرلمانية من خلال انتخابات مشبوهة. الولايات المتحدة تطوق الإرهاب الإيراني بالعقوبات ومضاعفة الإجراءات لعزل النظام دوليا، لكنها في العراق وبعد أحداث مدينة البصرة وحرق مبنى القنصلية الإيرانية، وجدت نفسها وقواتها ودبلوماسييها على حافة الاستهداف من قبل الفصائل المسلحة، بالتصريحات والتحرك وتحفيز العناصر المجهولة وسط حالة استنفار قصوى استدعت تلويح واشنطن بردّ حاسم في حالة الهجوم على المصالح الأميركية في العراق. البصرة خلطت الأوراق السياسية بتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان واختيار رئيس الوزراء وفق فرضية تتحكم في الواقع ولا تغادر الإخاء الطائفي والتسليم بعدم السماح للخلافات السياسية أن تتصاعد إلى صراعات مسلحة، لن تكون في كل الأحوال في خدمة الولاء الطائفي أو الولاء للمشروع الإيراني الذي سئم منه شعب العراق، حيث وصل إلى مفترق طرق متحقق مع الطبقة السياسية المعزولة تماما في منطقة مكانية محددة بلحظة الاحتلال الأميركي وإرادته رغم تغيّر الإدارات في البيت الأبيض، وإصرارِها مثارِ الشك، بعدم الالتفات لإصلاح ما تسبب به الاحتلال من خسائر فادحة للعراقيين. الولايات المتحدة عززت من النفوذ الإيراني في العراق، وانقلابها الآن على هذا النفوذ يتطلب استعادة المبادرة في السياسة بمراجعة أخطاء الاحتلال في تمكين عملاء إيران من الاستيلاء على السلطة بدوافع أميركية، نتج عنها نظام المحاصصة والمكونات وكتابة دستور لعراق ديمقراطي على مقاسات الملالي وتوقعاتهم لما ستؤول إليه القوات الأميركية تحت ضغوط المقاومة وبعدها الجغرافي وحجم الإنفاق. وذلك ما يستند إليه النظام الإيراني في محاججاته للدفاع عن كيانه، عندما يشير إلى حق الشعوب، ومن بينها شعب العراق، في تقرير مصيرها بعيدا عن الاحتلال وتواجد القوات الأميركية على أراضيه. الحرب على الإرهاب تؤتي ثمارها في الداخل الإيراني وتحرج النظام اقتصاديا بتصفير تمويله ونشاطاته الخارجية المشخصة والموثقة؛ لكن الصراع في العراق بين إرادتي الاحتلالين؛ الأميركي والإيراني، تتخذ توجها مغايرا، لا ينسجم مع العقوبات أو مع تفاوت القوى بين الطرفين. فما ينسحب على نقطة الالتقاء بين الدولتين على المرشحين لمنصب رئيس الوزراء في الدورات الانتخابية الماضية، ينبغي مع توجهات إدارة ترامب أن تتضح معالم تأثير الدولة العظمى المحتلة في لجم دولة الاحتلال من الباطن. لكن العراق في حسابات الإدارة الأميركية بلا شعب، على غرار نظرة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري بما صرح به أثناء اعتذاره للنظام الإيراني عن حرق قنصليته في البصرة، عندما وصف المحتجين بـ”الشذاذ”، وأن الموثوق بهم في العلاقة مع إيران ليس صوت هؤلاء إنما صوت المرجعية والحكومة والبرلمان. هل ستنجرّ أميركا في العراق لخوض مهمات قتالية بأسلوب الميليشيات في حال اندلاع مناوشات مع فصائل مصنفة على قائمة الإرهاب في القانون الأميركي المنتظر؟ كل ذلك مطروح في الحوارات داخل الإدارة الأميركية والكونغرس ومجلس النواب والبنتاغون ومراكز البحوث الاستراتيجية؛ لكن ماذا عن مصير الشعوب، ومنها التحديات التي واجهت وتواجه السوريين والعراقيين والتي ارتقت إلى جرائم الإبادة؟ على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة سنستمع إلى زعماء الدول على أمل عدم تغييب صوت الشعوب المُحبّة للسلام. تُرى من سيتحدث نيابة عن الضحايا؟

مشاركة :