ضمن فعاليات مهرجان الصواري المسرحي للشباب الدولي

  • 9/16/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ضمن فعاليات مهرجان الصواري المسرحي الدولي للشباب الثاني عشر 2018 قُـدمت على خشبة الصالة الثقافية عديد من الأعمال المسرحية الجيدة التي تركت بصمتها لدى الجمهور البحريني، أحد هذه الأعمال كان من إبداع فرقة «ومضـة» الجزائرية، ومسرحيتها التي عرضت في 8/9/2018م بعنوان «صرخة ألـم». فما شاهدناه لم يكن مجرد صرخة عادية عابرة في غبار المدن العربية المعاصرة، بل هي صرخة تختزل بداخلها وجع الذات الإنسانية المسلوبة في حريتها وكرامتها لحظة تعرض هويتها الثقافية للسطو كما حياتها. ففي بداية العرض المسرحي، اتضح للمشاهد لجوء المخرج «زكريا طقيق» إلى تقنيات المسرح الفقير حيث الكواليس السوداء مع فضاء شاشة العرض السينمائي، أضف إلى ذلك الحركة التعبيرية التي اجتهد فيها الشباب بمزيد من الأداء المتواصل بغية توصيل فكرة المسرحية الأساس. فنحن أمام أداء تمثيلي شاب لكل من: يحيى بو دوشة ورقية رماش وضرغام قاسم، هذا الفريق كثف من حركته على الخشبة وفي غضون نصف ساعة تقريبا قدم عملا جميلا، أعاد إلى أذهاننا إشكالية قديمة جديدة ترتكز حول صراع الهوية أو صراع الحضارات من منطلق نظرية «صامويل هانتغتون»، فالهوية هي محور العمل، وثمة صراعات خفية وظاهرة وقوة عالمية ناعمـة تدير مقاديرنا نحن العرب ضمن معادلة عولمية واسعة الآفاق أكبر من أن نتحمل كلفتها الحضارية. هذا العمل المسرحي بصخبـه لم يكن مجرد ضجيج عابر، بل هو في جوهرة كما نقرأ صراع الهوية العربية التي تقف إزاء الهوية الغربية العابرة للقارات كنموذج لحضارة «الآخــر» المتفوق علينا، وكيف حينما أراد هذا الآخر قهرنا وإعادة استعمارنا من جديد تسلل إلينا عن طريق شعارات رنانة حيث سوق في أوساطنا سلعة الإرهاب، وأشاع بيننا الاحتراب الديني والإثني، وبث في أوطاننا تلك الأفكار الهدامة ورسم خطوطا حمراء لكي لا نتعداها فنهدد مصالحه. إن اعتماد المخرج على حركة الممثلين الصامتة قد أعطى أثره الطيب في تفجير طاقة تعبيرية لا يُــستهان بها، عملت على إيصال رسائل عديدة؛ فمن هذا الذي يرتدي الأسود ويحمل سوطا ويقوم بفعل الجلد؟ لا يقوم بهكذا عمل غير «السيد / المستعمر» الذي تسلل من جديد إلى وطننا العربي وهو يحمل هواجس أجداده في ضرورة اخضاعنا وتفريغ هويتنا من الداخل وسلب كل ما هو جميل في حياتنا كي يسود هو من جديد مثبتا قواعد هيمنته، غير مكترث لدماء الأطفال وأشلاء النساء «العرض السينمائي لمقاطع إخبارية» والتي عرت عالمنا المعاصر وتخبطـه المريب وازدواجيته الرعناء، صارت استباحة الدم على الشاشة جزءا من قوانين لعبة خطرة أكبر مما نتصور. الوجود ضمن هذه اللعبة «العولمية» لم يعد خيارا للدول الضعيفة والتي تكون بمثابة ظل تابع لمن يمتلك ناصية القرار الدولي ويدير ملفات المنطقـة بحسب أولوياته الاستراتيجية، لعل هذا الخطاب هو جزء يسير مما قاله لنا عرض «صرخــة ألم» والذي بلا شك انفتح على إشكاليات حضارية وقيمية كثيرة. إيقاع المسرحية من حيث المدة الزمنية قصير لكنه محمل بعديد من الدلالات الغنية في مضمونها، «صراع بين الخير والشر» وضعنا امام سؤال اشكالي.. الغرب الذي تفوق علينا في كل المجالات هل هو بحد ذاته كلــه شرٌ محض يكرهنا بالضرورة؟ في رأيي المتواضع من الصعب التصدي لهذا السؤال «المأزق» الذي أوقعنا فيه عرض صرخة ألم، لكي نجيب عن هذا السؤال نحتاج إلى أبحاث ثقافية أنثروبولوجية تبحث في العمق وتحلل وتنقب خلف الستار. إن العين التي كانت في مقدمة عرض المسرحية تبحلق فينا نحن الجمهور، هي اختزال لعوالم هذا «الآخــر»، راقبتنا واكتشفت حياتنا نحن العرب ثم رسمت خططها بهدوء وصمت، أيعقل أنها كانت تضمر لنا الخير وها هو العالم العربي لا يكاد يخرج من مأزق حتى يجد ذاته في آخر! خيراته تُـحلب وبشره يقتلون بعضهم بعضا ولغة الخراب لا تزال تهيمن على جغرافيته الحزينة. المسرحية برغم ذلك من حيث تقديم رسالتها قد نجحت في إيصال الفكرة إلى المشاهد، لم تكن تجدف عبثا في ظلمة التجريب، اختزنت في داخلها طاقة إبداعية شبابية مقبولة الطعم ولم تكن سوداوية، كما لم تخضع لسلطة واقعنا المعاش، عبرت حواجز اليأس والخراب ثم أضاءت شموع الأمــل، حيث إيقاع الحياة الطبيعية لمجتمعنا العربي الذي لا يزال وسط الظروف الدولية يبحث لنفسه عن مساحة من النور لكي يواصل مسيرة الحضارة. تحية ود لطاقم المسرحية على هذا العمل الجميل، فبرغم بعض الهنات من ارتباك في توقيت الإضاءة أو الصوت من الناحية السينوغرافية فإن العمل قُــدم برؤية فنية ناجحـة؛ إذ إن الشاب زكريا طقيق بلا شك من هؤلاء الذين تراهن عليهم وسط الميدان فلا يخذلونك.

مشاركة :