إعداد: محرر الاقتصاد الدولي تشير إحدى الدراسات الحديثة إلى أن الدول الكبرى أدركت خلال السنوات الأخيرة أن المحيط الهندي سيمثل تهديداً مركزياً، وساحة لتنافس دولي، إذ يمر من خلال المحيط الهندي نحو 50% من حركة النقل البحري بالحاويات، ونحو 70% من التجارة العالمية في المواد البترولية، حيث تأتي من منطقة الشرق الأوسط في طريقها إلى منطقة المحيط الهادي، وتقع في المحيط الهندي ثلاث نقاط اختناق شديدة الخطورة بالنسبة لحركة التجارة والطاقة العالمية، هي «باب المندب»، مضيق «هرمز»، ومضيق «ملقا».تمر 40% من حركة التجارة العالمية كلها من خلال مضيق «ملقا»، بينما تمر 40% من تجارة النفط الخام العالمية عبر مضيق هرمز، والمحيط الهندي يغمر نحو سبع رقعة الكرة الأرضية، وتقدر مساحته ب73 مليوناً و556 ألف كلم مربع (28 مليوناً و400 ألف ميل مربع)، وتضم هذه المساحة الخليج العربي والبحر الأحمر، أما حجم المحيط، فيقدر ب 292 مليوناً و131 ألف كلم مكعب الذي يمتد بين القارة الإفريقية والقارة الآسيوية على مساحة تبلغ سبعة وسبعون مليون كيلومتر مربع.ويمكن أن نسمي المحيط الهندي بلا حرج محيط العالم الثالث، هذا المحيط الذي يتخذ شكل معين منحرف، ضلع قاعدته القطب الجنوبي، وضلعه الأعلى شبه الجزيرة الهندية وشبه الجزيرة العربية، أما شرقاً فتحده الجزر الإندونيسية وأستراليا، وتحده غرباً الشواطئ الإفريقية، هذه المنطقة الاستراتيجية الشاسعة ليست مفتوحة كما يخيل للرائي أول وهلة، ولكنها منطقة مقفلة لأن ماليزيا والجزر الإندونيسية هي مزلاج الباب الشرقي لهذه المنطق، أما الشرق الأوسط والسويس فهما بابها الغربي، وفي أقصى الجنوب أيضاً على الشواطئ الإفريقية توجد قاعدة سيمونزتاون البحرية التي تقع على بعد عشرين ميلاً من مدينة الكاب، وتعتبر مزلاج الباب الجنوبي لهذا المحيط، وبعض الجزر الصغيرة ترسم الحدود القارية للمحيط الهندي، والجزر الدول التي تقع في المحيط هي: مدغشقر (رابع أكبر جزيرة في العالم)، جزر القمر، سيشيل، المالديف، موريس، وسيريلانكا، وتحده جزر الأرخبيل الإندونيسي من الشرق، ويزداد المحيط أهمية بالنسبة للهند والصين في وقت يزداد فيه ارتباطهما بالاقتصاد العالمي، حيث بات المحيط الهندي بمثابة «طريق حرير» القرن الحادي والعشرين. فرض نفوذ السؤال الحقيقي المطروح في المراكز الاستراتيجية: هل تستطيع الصين التخلي عن سعيها لفرض سيطرتها إقليمياً، وربما عالمياً؟ تؤكد تلك المراكز أن الصين لا تسعى لفرض سيطرتها بالقوة على دول الجوار، أو الاستحواذ على أراضيها، ولكن هدفها أعمق من ذلك بكثير، فهي تسعى لفرض نفوذها السياسي، لتصبح المحرك الرئيسي، وصاحب حق «الفيتو» الوحيد في منطقتها، من خلال فرض سيطرتها الاقتصادية والمالية على دول الجوار الأكثر فقراً، ويرون أن التنين الصيني يحاول ترويض الفيل الهندي ليفتح الطريق أمام بكين لتحقيق حلم السيطرة، خاصة أن النفوذ والقوة الإقليمية هي الطريق الأمثل لتحقيق القوة والسطوة العالمية. منافسة حامية تتنافس الهند والصين علناً على النفوذ في سريلانكا والمالديف وميانمار ونيبال وبنجلاديش، وحتى وقتنا هذا كانت المنافسة تعتمد إلى حد كبير على آليات اقتصادية وتجارية، خاصة مشاريع الموانئ وخطوط الأنابيب المتنافسة، ويحاول رئيس الوزراء، الهندي ناريندرا مودي، منذ وصوله إلى السلطة في 2014 توسيع علاقاته مع الإقليم لتشمل مجمل منطقة المحيط الهندي في مسعى واضح، لتعزيز الأنشطة الهندية مع بلدان المحيط الهندي لاستعادة الفضاء الاستراتيجي الذي كانت تخلت عنه للصين التي عززت وجودها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، عبر توسيع مصالحها التجارية حول الحافة الجنوبية لأوراسيا، والمشاركة بشكل مباشر في تمويل وتشييد موانئ في ميانمار وسريلانكا وباكستان، على المحيط الهندي. ورغم أن هذه الموانئ هي منشآت تجارية، غير مصممة لتكون قواعد بحرية، إلا أن الأمر يصبح أكثر أهمية نظراً لواقع التنافس على المحيط الهندي. وصاية إدارية وتتخوف الهند من اهتمام الصين المتزايد ببعض المناطق في المنطقة التي تعتبر في السابق بمثابة العمق التقليدي للهند، فضلاً عن الانشغال الهندي بتنامي قوة البحرية الصينية ووصول أسطولها إلى مياه المحيط الهندي، بحيث بات التمدد الصيني مصدر قلق ليس بالنسبة للهند فقط، بل للقوى الأخرى في المنطقة، لا سيما تمدد بكين الواضح في بحر الصين الجنوبي الذي بات مبعث توجس حقيقياً لدول عدة مثل فيتنام، وماليزيا، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وأستراليا، واليابان، وأيضاً بالنسبة لبلدان بعيدة مثل الولايات المتحدة، وهذه القوى لا سيما الولايات المتحدة، ترى أن بكين لم تعد تتوقف عن استعراض عضلاتها في بحري جنوب، وشرق الصين ولتعلن للعالم عن وصايتها الإدارية على العديد من الجزر والقطاعات البحرية. وأن تلك الهيمنة باتت مصدراً متنامياً للتوتر في آسيا، وترى تحليلات أمريكية أن الصين الحديثة أشبه بألمانيا قبل قرن التي كانت قوة صاعدة تبحث لنفسها عن مكان تحت الشمس. وتشير إلى أن أوروبا حاولت خلال النصف الأول من القرن العشرين احتواء وإدارة الصعود الألماني، والكل يعرف ماذا كانت النتيجة. وتعمل واشنطن على التنسيق مع الهند من أجل تحقيق التوازن في المنطقة؛ حيث ينظر إلى الهند على نحو متزايد باعتبارها الوزن المضاد لنمو وشراسة الصين في آسيا.ويتجسد التنافس الصيني الهندي في عدة دول، ففي بنجلاديش أبرم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مع رئيسة وزراء بنجلاديش شيخة حسينة، اتفاقية تبادل أراض لإنهاء نزاع حدودي طويل الأمد، وبموجب الاتفاقية ستتبادل الدولتان أراضي بالقرب من الحدود بينهما، وتعهدت الهند بتقديم ملياري دولار لبنجلاديش من أجل تطوير البنية التحتية، لأن الهند قلقة من تواجد الصين المتزايد في جنوب آسيا الذي تحققه من خلال مساعدات البنية التحتية، والهند تقيم علاقات وثيقة مع الشيخة حسينة، إذ إن رئيسة الوزراء، مثل والدها شيخ مجيب الرحمن، الذي كان مهندس حرب تحرير بنجلاديش، قريبة جداً من نيودلهي. وقدمت الهند بالفعل دعماً كبيراً إلى الشيخة حسينة التي تبنت بدورها سياسات موافقة لمصالح حكومة نيودلهي مقارنة بخالدة ضياء، زعيمة المعارضة التي تدهورت العلاقات بينها وبين الهند أثناء فترة وجودها في السلطة. وفي عام 2016 فازت الهند بصفقة كبرى لبناء محطة لتوليد الكهرباء بمنطقة خولنا في بنجلاديش، وتُعد هذه الصفقة إحدى الصفقات الكبرى ذات الأهمية البالغة. فذلك المشروع البالغة قيمته 1.6 مليار دولار أمريكي، هو الأكبر الذي ستنفذه شركة الكهرباء الهندية خارج البلاد. والأهم من ذلك، هو أن شركة باهارت للصناعات الإلكترونية الثقيلة الهندية قد فازت على نظيرتها الصينية هاربين إلكترونيك إنترناشيونال لتستحوذ على هذه الصفقة. ميناء بحري كما خسرت الصين مشروع بناء ميناء سوناديا في بنجلاديش حيث لم تبن بنجلاديش ميناء بحرياً جديداً منذ استقلالها عام 1971، وتحتاج إلى ميناء مياه عميقة منذ أكثر من عقد، ولا سيما بعد أن تحولت الدولة إلى ثاني أكبر مصدّر للملابس في العالم، والميناء كان سيصبح حلقة وصل مهمة للغاية في مبادرة «الحزام والطريق». فتماماً مثل ميناء جوادر وميناء كيوكبيو، فإن ميناء سوناديا كان ليمنح الصين النفط والواردات الأخرى القادمة من الخليج العربي وإفريقيا بأقصر الطرق لغرب الصين وجنوبها. وبالطبع، مثلت خسارة هذه الصفقة ضربة تجارية للصين في جنوب آسيا، حيث تسعى لترسيخ روابط اقتصادية وعسكرية في المنطقة التي يعبرها نحو 80 في المئة من وارداتها النفطية. ويقع خليج البنغال في قلب المنطقة، ويعد «توأماً» لبحر الصين الجنوبي. اتفاق للتجارة الحرة وبالنسبة للمالديف، فقد وافقت، على إبرام اتفاق للتجارة الحرة مع الصين، وبموجب الاتفاق يتم إلغاء التعريفات الجمركية على مراحل على أكثر من 95% من البضائع التجارية بينهما، ما يمهد الطريق لبكين كي تعزز نفوذها في المنطقة. وبدأ اهتمام الصين بالمالديف مع وصول آلاف السياح الصينيين إلى الجزر ذات الطبيعة الخلابة. وأقامت الصين أولى علاقات دبلوماسية مع المالديف عام 1972 ولديها سفارة في عاصمتها. وافتتحت المالديف سفارة لها في بكين عام 2009. وتضطلع بكين بمهمة القيام بعدد من مشروعات البنية التحتية في المالديف، ما يثير قلق الهند. وتتضمن المشروعات تطوير «جزيرة هولهولي» و«جسر الصداقة» الذي يربط الجزيرة بالعاصمة ماليه. وهذه استثمارات تقدر بأكثر من مليار دولار. وفي الوقت نفسه، تركز الشركات الصينية على مشروعات السياحة في المالديف التي تتضمن مشروعات وتعاقدات الإصلاح لمنتجعات الجزر بشواطئها الجميلة ومنتجعاتها غالية الثمن. تعزيز العلاقات ولما كانت لعلاقات بين الهند وسريلانكا تضررت أثناء فترة ولاية الرئيس السابق «ماهيندا راجاباكسا»، بسبب شعور نيودلهي بأن «كولومبو» لم تبذل جهداً كافياً في مساعدة التاميل النازحين، وفي نقل السلطات إلى مناطق «التاميل» بعد نهاية الحرب الأهلية عام 2009، تقدمت الصين لتشغل الفراع الذي تركته الهند، وقدمت الأسلحة وقامت ببناء المواني ومشروعات البنية التحتية الأخرى، وأمدت الصين الحكومة السريلانكية بالأسلحة حتى أثناء سنوات الحرب الأهلية. وقدمت الصين قروضاً بملايين الدولارات لكولومبو لتتوغل في اقتصاد سريلانكا، وظلت الهند خلال كل هذا غير راضية عن النفوذ الصيني المتزايد في سريلانكا، ورسو غواصات نووية صينية في كولومبو، والأهم أن سريلانكا أقرت مشروعاً لبناء ميناء هامبانتوتا جنوبي سريلانكا بتمويل صيني يبلغ 1.5 مليار دولار تم التخطيط له في عهد الرئيس السابق.وتتفاوض شركة صينية مع الحكومة السريلانكية على حق تشغيل الميناء لتسعة وتسعين عاماً، وهو ما أثار غضب الهند، ما حدا برئيس وزراء سريلانكا إلى الإعلان أن بلاده لن تسمح لأي بلد آخر باستخدام الميناء لأغراض عسكرية، وأضاف أن سريلانكا تطلب المساعدة من الدول الصديقة بما فيها اليابان، لمساعدتها في تطوير القدرات البحرية للبلاد بصورة أكبر، ويبدو أن رئيس الوزراء يريد أن يبدد المخاوف تجاه تنامي نفوذ الصين في المحيط الهندي عن طريق تعزيز العلاقات مع اليابان والدول المجاورة. «تنين» القارة الآسيوية في وقت تعمق فيه الهند علاقاتها وتوظف الدبلوماسية البراجماتية من أجل زيادة تأثيرها ونفوذها في جنوب شرق آسيا، فإن التداعيات على العلاقات الهندية- الصينية لا يمكن تفاديها؛ حيث تعتبر الصين نفسها «تنين» القارة الآسيوية من دون منازع؛ ولذلك، فإن خطوات «الفيل» الهندي قد تكون مثيرة للقلق. غير أن واشنطن ترى انه إذا تمكنت السياسات الخارجية الهندية من الإزعاج، وإثارة قلق المخططين الاستراتيجيين الصينيين، فإنه سينظر إلى الهند على أنها تقوم بالشيء الصحيح والصائب.
مشاركة :