مدريد - وكالات: أكد سعادة السيد محمد بن جهام الكواري سفيرنا لدى أسبانيا أن الثقافة ضرورة لا غنى عنها وأكثر من مجرد خيار في ظل النزاعات التي عصفت بالعديد من بقاع الأرض خلال القرن الواحد والعشرين. وشدد في مقال نشرته صحيفة ABC الأسبانية بمناسبة زيارة سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية إلى مملكة أسبانيا على إيمان قطر بدور الفن والثقافة كأفضل سبيل لتشييد الجسور بين الشعوب والمساعدة على تخفيض التوترات. وقال: الدبلوماسية الثقافية تعدّ جزءاً من القوة الناعمة وهي أفضل السبل المتاحة اليوم لتوحيد الشعوب والثقافات. وأشار إلى جهود قطر الحثيثة لترجمة الأدب العالمي ورعاية المعارض الفنية وإثراء المتاحف وتنظيم المهرجانات على أنواعها، لافتاً إلى حرص قطر على دعم المواهب الشابة باعتبارها الإرث الأهم الذي يمكن أن تحظى به أمة، في حاضرها ومستقبلها. وتطرق إلى استضافة بطولة كأس العالم 2022 مؤكداً أنها تمثل فرصة استثنائية ليس فقط لقطر وإنما للمنطقة والعالم العربي بأسره، لافتاً إلى أن الرياضة لغة عالمية، تتجاوز الحدود وتفتح قنوات للحوار والتفاهم، وتحقق التقارب بين الشعوب بغض النظر عن الإيديولوجيا والدين والعمر والجنس. وقال في المقال الذي حمل عنوان "الدبلوماسية الثقافية": نراهن على فتح السفارات في كافة أنحاء العالم، ليس فقط لتأسيس علاقات اقتصادية، وإنما لتعزيز الروابط الثقافية.. وفيما يلي نص المقال: عادت الشؤون الثقافية، خلال الأشهر الأخيرة، إلى واجهة النقاش واحتلت مكاناً مميزاً في وسائل الإعلام الأسبانية. ولا شك بأن تشكيل وزارة خاصة بالثقافة وتخفيض الضرائب على السينما ساهم في مضاعفة الأخبار والمقالات التحليلية حول هذا القطاع الذي للأسف، لا يحظى دائماً بالاهتمام الذي يستحقه. كثر الحديث مؤخراً عن الدبلوماسية الثقافية رغم أنها ليست بالأمر الجديد، فإن تاريخها موغل بالقدم. إلا أنها باتت اليوم، في ظل النزاعات التي عصفت بالعديد من بقاع الأرض خلال القرن الواحد والعشرين، ضرورة لا غنى عنها وأكثر من مجرد خيار. وأصبح فهم التعددية والاختلاف كثروة تغني العالم وتأسيس قنوات للحوار كجزء أساسي من العمل الدبلوماسي. فإن السياسة والدبلوماسية التقليدية تربطان بين الدول، أما الثقافة فتربط بين الشعوب. وقد حققت الدبلوماسية القطرية نجاحاً معترفاً به دولياً. وبنت هذا النجاح على أسس تتعدى السياسة والاقتصاد، وتعتمد على محورين مختلفين ومتكاملين في ذات الوقت. المحور الأول هو اقتصاد السلام، أي المراهنة على الاستثمار في المجتمع المدني ورأس المال البشري والتطور المستدام والابتكار. أما المحور الثاني فهو الدبلوماسية الثقافية. فإن مؤسساتنا على قناعة تامة بأن الفن، بمختلف فروعه، هو أفضل سبيل لتشييد الجسور بين الشعوب والمساعدة على تخفيض التوترات. لذلك نراهن على فتح السفارات في كافة أنحاء العالم، ليس فقط لتأسيس علاقات اقتصادية، وإنما لتعزيز الروابط الثقافية. وتبذل قطر جهداً حثيثاً لترجمة الأدب العالمي ورعاية المعارض الفنية وإغناء المتاحف وتنظيم المهرجانات على أنواعها. كذلك تراهن قطر على دعم المواهب الشابة باعتبارها الإرث الأهم الذي يمكن أن تحظى به أمة، في حاضرها ومستقبلها، وأفضل ضمانة للنجاح. لهذه الأسباب تولي قطر أهمية كبيرة للتعليم، حتى أطلق الكثيرون عليها لقب "واحة التعليم" لاستضافتها لعدة جامعات دولية ولكونها مرجعاً في مجال البحث العلمي. كذلك أطلقنا مبادرة "صلتك" لتقديم المنح التعليمية لدعم الشباب في كافة أنحاء العالم العربي. ومن المحاور الأخرى التي ترتكز عليها سياستنا الثقافية هي اللغة، والتي تعد جانباً أساسياً لتحالف الحضارات. حيث تروج مؤسسة قطر الثقافة واللغة العربية في كافة أنحاء العالم ويؤهل نظامنا التعليمي الشباب لإتقان عدة لغات، منها اللغة الإسبانية. ولا شك بأن وجود مدرسة SEK الدولية في الدوحة يمثل دعماً متميزاً على هذا الصعيد. كذلك تعد قناة الجزيرة، كمؤسسة إعلامية مخضرمة، حجر الأساس لمتحدثي اللغات المختلفة ومرجعاً في حرية التعبير. وأخيراً، أود التطرق إلى الرياضة التي تعد من أولويات مؤسساتنا. فإن استضافة بطولة كأس العالم 2022 تمثل فرصة استثنائية ليس فقط لقطر وإنما للمنطقة والعالم العربي بأسره. تعد هذه الاحتفالية، التي ستسلط الأضواء على قطر، بمثابة اعتراف بالجهد الجبار الذي بذلته الدولة لدعم الرياضة وتطويرها بكافة أنواعها ومستوياتها، من النشاطات الرياضية حتى المنافسات على أعلى المستويات. فإن الرياضة لغة عالمية، تتجاوز الحدود وتفتح قنوات للحوار والتفاهم، وتحقق التقارب بين الشعوب بغض النظر عن الإيديولوجيا والدين والعمر والجنس. كسفير لدولة قطر في مدريد، يمكنني التأكيد بأن الثقافة تعد أحد أعمدة علاقاتنا الثنائية المتميزة. الروابط التي تجمع شعوبنا غير محصورة بالجانبين الاقتصادي والأعمال، وإنما تتجاوزه إلى الجانبين الرياضي والثقافي أيضاً. فإن التبادل الثقافي المتواصل بين دولتينا أفضل دليل على التناغم المستمر والآخذ بالتطور في علاقاتنا. وإن زيارة سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، الحالية لمدريد ولقاؤه بالسلطات والمفكرين والمثقفين والصحفيين بمثابة دفعة هامة للعلاقات الثنائية على كافة الأصعدة. وفي نهاية المطاف، الدبلوماسية الثقافية تعدّ جزءاً من القوة الناعمة وهي أفضل السبل المتاحة اليوم لتوحيد الشعوب والثقافات. فبعيداً عن الفجوة التي تخلقها أحياناً الإيديولوجيا، تساهم الموسيقى والفن والسينما والأدب والرياضة والمسرح في توحيد الشعوب وتجاوز كافة الحواجز، مهما كانت.
مشاركة :