اختيارات ستندم عليها بعد سنوات

  • 9/16/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

يعتبر الإنسان – وربما الجن – هو الكائن الوحيد على هذه الأرض الذي منح حق الاختيار، فهو يختار أي نوع من الغذاء يرغب فيه، ويختار أي الأصدقاء يصاحب، ويختار أي دين يريد أن يدين به، وأي درب يريد أن يسير، أما بقية الكائنات الحية الأخرى فهي مسيرة في مجمل حياتها. هذا الحق رغب فيه الإنسان عندما طلب الأمانة بعد أن رفضتها بقية الكائنات الحية الأشد بأسًا والأقوى والأكثر إمكانية من الإنسان، وقد وصف القرآن الكريم تلك اللحظة في قوله تعالى في سورة الأحزاب – الآية 27 (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)، ومنذ تلك اللحظة أصبح الإنسان هو المكلف الوحيد على هذه الأرض، الذي يمتلك حق الاختيار، لذلك فإنه الكائن الوحيد الذي في الكثير من الحالات يندم بعد سنوات على اختياراته. يروى أنه ذات مرة، في مكان ما وفي زمن ما، اشترى رجل أرضًا في منطقة قيل له إنها غنية بالذهب، فاشترى الرجل الأرض وكذلك بعض المعدات والآليات البسيطة لتساعده على التنقيب عن الذهب واستخراجه. وبعد عدة أيام من البحث والتنقيب عثر على عرق من الذهب في الأرض، ففرح جدًا وقال في نفسه: «إنها بداية جديدة»، وكلها أيام وأسابيع، وأحضر زوجته وأولاده، وبدأ العمل الجدي في التنقيب عن الذهب. وبدأ الذهب يتكاثر لديه، ومن حفرة إلى أخرى ومن عرق إلى آخر، وبدأت الأرض تخرج كل ما لديها من ذهب، وكون من ذلك ثروة كبيرة. وذات يوم لاحظ أن إيرادات الذهب تقل، ويومًا بعد يوم كانت الملاحظة تبدو أكثر وضوحًا، فشعر أن الذهب بدأ ينفد من الأرض، أو أنه قد استخرج كل ما كانت تحويه تلك الأرض من ذهب. فاستشار أهله وتم الاتفاق على بيع الأرض بالخداع على أنها الأرض التي تجود بالذهب، وتم اتخاذ القرار بالبيع. وبالفعل عرض الأرض للبيع، وكذلك المنزل والأدوات والآليات مدعيًا أنه اكتفى بالثروة التي لديه. اشترى رجل آخر الأرض، وعندما بدأ التنقيب وجد أنه قد خُدع، إلا أنه لم ييأس، فجاء بأحد الخبراء الجيولوجيين وبعض المستشارين لرسم خريطة لمنجم الذهب وتقدير كمياته، وما إلى ذلك مقابل مبلغ من المال. فاكتشف الخبراء أن الأرض تحوي كميات كبيرة من الذهب وأنها تقع على بُعد نصف متر من آخر بقعة تم حفرها، لذلك لم يتم اكتشافها في السابق. عند ذلك بدأ الحفر، وجادت الأرض بكل مخزونها من عروق الذهب، فكانت أضعاف الكميات السابقة كلها. سمع صاحب الأرض الأول بالقصة، فعاد إلى المكان ليرى نتيجة اتخاذه القرار المتسرع، وعندما رآه صاحب الأرض الجديد قال له: هل أنت نادم؟ فرد عليه: لا، ولكن جئت لكي أتذكر دائما أنني توقفت على بعد نصف متر من ثروة عظيمة، وتركت هذه الثروة لأني اتخذت القرار الخاطئ واستسلمت عند أول عقبة في طريقي، وكان يمكنني أن أتجاوز هذه العقبة بالاستعانة بمن هم أخبر مني في الأمر، لكنها الحياة. هذا الرجل اتخذ قرارًا معينًا وندم عليه، وربما سيندم عليه بقية حياته القادمة. يقول علماء التنمية البشرية إنه حتى لا نندم على اختياراتنا ونكون موفقين في اختيار بعض القرارات، فإن علينا أن نقوم ببعض الأمور ذات الأهمية، وقد تم تحديد 10 أمور يمكن أن تشكل منعطفًا مهمًا في اختياراتنا، فإن أهملنا هذه الأمور فإننا حتمًا سنقع في المحظور كما يقال، وهو أننا سوف نندم على خياراتنا بعد عدة سنوات، وهذه الأمور التي يجب أن نبتعد عنها هي: 1- مرافقة السلبيين؛ الإنسان السلبي لا يرى الأمور إلا بعين ضيقة، ومن ثم ، لن يرشدك للصواب، فهو يرى الحياة بمنظورها الأسود، ولا يفكر إلا بالعقل الأسود، وكلما تباحثت معه في أمر ما، فإنه يأتيك بسلبيات أي فكرة ويريك جوانبها المظلمة، وفي هذا الدرب المظلم لا يستطيع حتى أن يوقد شمعة، وهذا من ثم، سيؤثر عليك حتمًا، إذ إنه من المحتمل أن تصبح مثله في لحظة ما وتقوم بتقليده واتباع منهجه في التفكير، وهذا لا يعني ألا نفكر في بعض الأحيان في سلبيات المشاريع فإن التفكير في الإيجابيات فقط يُعد أيضًا ضربًا من الجنون والخيال وربما يكون خارجا عن المنهجية العلمية السليمة في التفكير، لكن يجب أن نوازن بين السلبية والإيجابية في جل الأوقات. 2- ارتداء القناع لإرضاء الآخرين؛ علينا أن نؤمن بمبدأ أن «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، فمهما فعلت لإرضاء الآخرين فلن تبلغه، لذلك حينما تطلب مشورة الآخرين في أي أمر، فلا تنتظر النصيحة المطلقة، فلكل شخص رأي وفكرة، فهذا يقول لك افعل كذا، والآخر يقول لك افعل الأمر الآخر، ومن ناحية أخرى لا تقوم بعمل شيء ما أيًا كان من أجل إرضاء الآخرين، فإنهم لن يرضوا، حتى وإن حاولت، لكن هذا لا يمنع من أن تأخذ من الآخرين النصيحة، لكن يجب أن يكون القرار لك وحدك بعد ذلك، فلا تتزوج لإرضاء أحد، أو تطلق بغية إرضاء أحد، ولا تعمل في تلك الوظيفة من أجل فلان ولا تترك تلك الوظيفة من أجل فلانة، فمثل هذه الأمور يمكن أن تهلكك في المستقبل. 3- الاستسلام حين تشتد الصعاب؛ كما وجدنا في القصة السابقة – صاحب عرق الذهب – أنه استسلم عند أول مؤشر لنفاد الذهب من الأرض، لم يفكر ولم يستشر أحدًا، بل استسلم واتخذ قراره في لحظة يأس لذلك ندم على هذا القرار، وللأسف مثل هذه اللحظات وهذه القرارات سيندم عليها المرء طيلة حياته، حتى وإن كان القرار قد اتخذ في لحظة يأس أو غضب أو حب، فمثل هذه الحالات العاطفية تُعد حالات من الاستسلام لا يتخذ فيها قرار. 4- الرضا بأقل مما تستحقه؛ في الحياة من حقنا أن نتفاوض في الكثير من الأمور، لكن في عمليات التفاوض نقول دائمًا لا ترض بأول عرض يقدم إليك، بل حاول أن تجني أكبر قدر مما تريد، فعندما تريد أن تصمم منزل العمر – مثلاً – فإن المهندس يعطيك أول خريطة لديه ثم يراقب ردود فعلك، فإن قمت بالتفاوض من أجل تصميم أفضل فإنه يقوم بالتصحيح والتعديل بحسب متطلباتك، وكذلك المقاول، يأتيك بأقل مواد البناء سعرًا وأقلها جودة، فإن رفضت فإنه يحاول أن يعطيك ما تريد، وهذا هو الواقع، لذلك علينا ألا نقبل العرض الأول مهما كانت المغريات، وأن نطلب أكثر مما نريد حتى ننال ما نريد. 5- التسويف والتأجيل وكأن رصيدك من الأيام لا ينقص؛ التسويف والتأجيل آفتان تؤديان إلى شيء واحد وهو تأخير الأعمال والمماطلة بسبب عدم رغبتنا في إنجاز الأمور. حياتنا لحظات وفرص ففي لحظة يمكن أن تتاح لك الفرصة لتتمكن من الاختيار، لكن قد لا تتكرر مثل هذه الفرصة مرة أخرى، فماذا يمكن أن تفعل حينئذ؟ هل تضع رأسك بين كفيك وتبكي حظك الذي أضعته بتسويفك وعدم رغبتك في اتخاذ القرار؟ إن إدارة الأولويات قضية مهمة في حياتنا وكذلك تحين الفرص والاستفادة منها، فمتى وجدنا أن الفرصة متاحة، فإنه يجب أن نستفيد منها، لكن من غير أن نتسبب في إيذاء البشر والآخرين. 6- الأنانية والنرجسية؛ هاتان الصفتان جزء من الصفات الإنسانية ويخطئ من يقول إنهما غير ذلك، لكن لا يعني أن نجعلهما الجزء المهم من حياتنا، فالإنسان يستطيع أن يتغلب على الأنانية والنرجسية، وذلك بمكافحتهما والرغبة الأكيدة في التغلب عليهما، وكذلك فإن هذا لا يعني أن نفضل الآخرين على أنفسنا، بل يجب المفاضلة وقياس كل الأمور، فنحن – كما أشرنا – يجب أن نتحين الفرص وأن نستفيد منها، ولكن من غير أن نتسبب في إيذاء البشر والناس، وخاصة المحيطين بنا. 7- الكسل والأمل الكاذب؛ جميعنا يرغب في الاسترخاء والجلوس من غير عمل، وجميعنا يرغب في الأكل والشرب من غير أن يقوم بأي عمل يذكر، وهذه هي الطبيعة البشرية، لكن الكسل لا يصنع الحياة والأمل الكاذب لا يصنع المعجزات، ولا تُبنى العمارات والحضارات والأفكار ونحن في حالة من الاسترخاء التام أمام التلفزيون وفي مقاهي الشيشة، فالحضارة لا تُبنى إلا بالعمل ليس ذلك فحسب، بل بالعمل الجاد والتضحية وتقديم الكثير من الجهد والمال، وخلاف ذلك فلا حضارة تقام ولا حتى يمكن تشغيل التلفزيون من غير أن تضغط على الزر. 8- ترك الآخرين يشكلون أحلامك وأفكارك؛ أصبح واضحًا أننا – وخاصة في هذه الفترة الزمنية – أعطينا عقولنا فترة راحة وانطوينا تحت آباط الآخرين حتى يقوموا بالتفكير عنا، وتركنا أحلامنا وطموحاتنا وراء ظهورنا وتركنا الآخرين يعبثون بعقولنا ويرسمون أحلامنا وطريق مستقبلنا بطريقتهم الخاصة، وللأسف هم أبعد ما يكونون عن احتياجاتنا هذا على الرغم من أننا اعتبرناهم قدوة لنا، وبعد أن خططوا لحياتنا ومستقبلنا لم يكتفوا بذلك، بل إنهم زحفوا إلى عقولنا واستولوا على أبسط حقوقنا في الحياة، كل ذلك بسببنا، وعندما نبلغ المستقبل سوف نجد أننا خُدعنا، فطارت أحلامنا وطموحاتنا التي كان من الممكن أن نستمتع بها من بين أيدينا. 9- تجنب التغيير والتطوير؛ وهما من سنن الله في الأرض، وهذا ما تفعله معظم الكائنات، حتى إنها تتأقلم بطريقة أو بأخرى مع البيئة التي تعيش فيها، فكل الحيوانات والطيور والنباتات تأقلمت خلال المساحات الزمنية التي عاشتها مع جغرافية المنطقة التي تعيشها، وكذلك فعل الإنسان، لكن هذا التغيير مفروض على الكائن الحي والإنسان وليس بيده الخيار، بل إن التغيير الذي نتحدث عنه هو التغيير الفكري والوجداني، وصقل المواهب والقدرات، ومثل هذه الأمور يجب الاهتمام بها، وخاصة خلال مرحلة الشباب؛ إذ إن الإنسان في هذه المرحلة يكون في عنفوان قوته وتطلعاته وطموحاته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» رواه الحاكم وصححه. 10- أن تفعل كل شيء في حياتك بنفسك؛ يقول المثل العربي «ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك»، إلا أن هذا لا ينطبق على جميع الأمور، ففي الكثير من الحالات نحتاج إلى مشورة الناس الذين نعيش معهم، وربما مساعدتهم لإنجاز بعض الأمور لنا، فالإنسان لا يستطيع وليست لديه القدرة على أن ينجز كل الأعمال، فلا يمكن أن يزرع هو ويحصد ثم يعجن ويطبخ وكل ذلك، فلا بد من وجود العديد من البشر في حياته يمكن أن يمدوا له يد العون، وعلى الأقل أن يستشيرهم، ومن ثم يقوم بالعمل بطريقته الخاصة، فلا بأس في ذلك لكن أن تعيش حول نفسك وتضع نفسك في قوقعتك من غير أن تشارك أحدًا أو أن يشاركك أحد فهذا هو الموت بعينه. عمومًا، هذه أمور عشرة إن عشتها في حياتك فتأكد أنك بعد سنوات – قصرت أو طالت – ستندم لأنك اتخذتها نبراسًا لك، وإن وجدت نفسك تميل إلى بعضها في فترة من حياتك فحاول أن تتخلص منها، لأنها ستكون ذات يوم سببًا في شقائك.

مشاركة :