الجزائر - حذر مناضلون وناشطون في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر من أي تسوية لأزمة القيادة خارج حضور الأمين العام السابق عبدالعزيز بلخادم، وشددوا على فشل أي مشروع سياسي يستهدف إعادة ترتيب الأوراق، واستعادة رموز الأجنحة المتمردة، دون القيادي المذكور، بالنظر إلى ما يمثله من ثقل داخل الجبهة، ومن امتداد شعبي في الأوساط الاجتماعية. وتسير الأوضاع النظامية داخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، إلى هدنة مؤقتة تمتد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المنتظرة في أبريل العام القادم، في ظل توجه السلطة إلى تأجيل حسم الصراع الدائر حول قيادة الحزب، والتفرغ لتعبئة القواعد النضالية والشعبية لإنجاح استحقاق الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس بوتفليقة. حراك الجنوب الجزائري يطالب بإسقاط الحكومة الجزائر - صعد سكان مدينة ورقلة بالجنوب الجزائري، سقف الرسائل السياسية خلال المسيرة الشعبية التي انتظمت، السبت، إلى المطالبة باستقالة الحكومة ورحيل رموز الفساد في السلط المركزية والمحلية، وإلى نهاية حقبة الإقصاء والتهميش الذي طال جنوب البلاد، بسبب ما أسموه بالسياسات الحكومية الفاشلة. وجاءت المسيرة الشعبية لتتوج حراكا شعبيا يقوده ناشطون وجمعيات محلية، رفعت لواء الدفاع عن المطالب التنموية والخدماتية خلال السنوات الأخيرة، وعقب سلسلة من الاحتجاجات المنددة بالنقائص التي تعرفها مختلف المدن والمحافظات الجنوبية. ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن الأداء الحكومي الهزيل والخطاب المتدني لبعض الوزراء والمسؤولين السامين، شكل استفزازا لمشاعر سكان الجنوب، وأسهم في تصاعد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية، التي أخذت، السبت، بعدا سياسيا، في ظل تصعيد لهجة الغاضبين في مدينة ورقلة. وجال المتظاهرون في شوارع وساحات المدينة حاميلن لافتات، مرددين “لا عمل لا سكن خدعونا بحب الوطن”، و”الصامتون عن الجريمة مشاركون فيها”، و”لا خضوع لا رجوع التنمية حق مشروع”، و”الشعب يريد إسقاط الفساد”. وشدد المتداولون على منصة الخطابة في ساحة المدينة، على نهاية ما أسموه بـ”زمن الإقصاء والتهميش”، وعلى أن محافظة ورقلة ستكون قاطرة حراك الجنوب من أجل إرساء الممارسات الديمقراطية وقواعد التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل لثروات البلاد. وتحتضن محافظة ورقلة واليزي والأغواط، معظم المصادر الطاقوية، التي تعتبر المصدر الأساسي لمداخيل البلاد من عائدات النفط، كما تضم غالبية الشركات والورشات المحلية والأجنبية العاملة في قطاع النفط، إلا أن فرص الشغل تبقى غير متاحة للسكان المحليين. وركز الناشطون في مظاهرة ورقلة، على الطابع السلمي لحراكهم الشعبي، وعلى الوحدة الوطنية والترابية للبلاد، من أجل تلافي مناورات الدوائر المعادية التي لا تتوانى في اتهامهم بخدمة أغراض أجنبية واستهداف الاستقرار الوطني. وأكدوا على شرعية المطالب الاجتماعية والاقتصادية، التي جاءت هذه المرة مغلفة برسائل سياسية، دعت إلى إسقاط الحكومة، وإرساء مؤسسات ديمقراطية تستمد شرعيتها من إرادة الشعب، وعلى النضال إلى غاية إحداث التغيير السلمي في البلاد. وتصاعدت الخلافات بين الهيئات الداخلية لجبهة التحرير الوطني منذ أن فاجأ الأمين العام الحالي جمال ولد عباس كوادر ومناضلي الحزب بتنحية 12 عضوا من مجموع 19 عضوا يشكلون المكتب السياسي في مايو الماضي، وتعيين أعضاء آخرين بدلا منهم، في خطوة أثارت تحفظ وانتقادات أعضاء سابقين في الحزب. وحذر الفصيل المنضوي تحت لواء ما يعرف بـ”لجنة الوفاء” من مغبة أي تسوية في هرم الحزب دون الأمين العام السابق، وتوقع فشل أي تفاهمات تتجاوزه أمام تلميحات تشير إلى رغبة السلطة في التخلص من ولد عباس. وجاء تحذير فصيل الموالين لبلخادم، بعد توصله إلى معطيات حول استثناء الأمين العام السابق من الاجتماع الذي عقده مدير ديوان الرئاسة طيب بلعيز، ودعا إليه عددا من الشخصيات القيادية لبحث مسألة تسوية الأزمة في الحزب الحاكم، ووضع خارطة طريق تمهد لعودة الفاعلين إلى الواجهة. وذكر منشور للجنة الوفاء بأنه “على رئاسة الحزب ( بوتفليقة )، أن تعلم جيدا أن أي ترتيبات أو تصورات أو تفاهمات، أو أي خارطة طريق لحلحلة الأزمة داخل جبهة التحرير الوطني، يتجاهل فيها عبدالعزيز بلخادم، بكل ما يمثله من تجذر وشعبية داخل قواعد الجبهة، مآلها الفشل الذريع”، مضيفا أن “اللجنة تعتبره مسعى لإبقاء الوضع على ما هو عليه، وتسجله في خانة الهروب إلى الأمام ومحاولة للاستثمار في أزمات الحزب”. وحمل منشور الجناح الحزبي، رسالة واضحة لرفض أي تسوية داخلية تستثني الأمين العام السابق، المغيب من الحزب منذ لقاء للجنة المركزية عام 2012، تم فيه سحب الثقة منه لصالح خلفه عمار سعداني، الذي قاد الحزب لعدة سنوات، قبل أن يسحب منه البساط هو الآخر لصالح جمال ولد عباس. وسبق لعبدالعزيز بلخادم، الذي مسك قيادة الحزب الحاكم عام 2005، بعد تنحية علي بن فليس، في ذروة الصراع المحتدم الذي دار حينها خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت آنذاك، وشغل عدة مناصب سامية في الدولة، كرئيس للحكومة ووزير للخارجية ووزير دولة لدى رئاسة الجمهورية، قبل أن يندلع خلاف بينه وبين محيط الرئاسة، أن تمت إزاحته من الحكومة والحزب ومن ممارسة أي وظيفة في الدولة دون ذكر الأسباب، إلا أن تسريبات تحدثت عن أن إقصاءه يعود إلى رغبته في الترشح للسباق الرئاسي عام 2014، وإجرائه لاتصالات إقليمية وعربية لترتيب الأمر. ونقلت لجنة الوفاء الموالية لبلخادم عن مصدر وصفته بـ”المسؤول والموثوق”، أن “مدير ديوان الرئيس الطيب بلعيز قد اجتمع في الأيام الماضية بمقر الرئاسة، وبإيعاز من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، مع قيادات وشخصيات حزبية معارضة، على غرار صالح قوجيل وعبدالرحمان بلعياط وعبدالكريم عبادة، وحسين خلدون ورشيد عساس”. وأشارت إلى أن “مدير ديوان الرئاسة كشف للحاضرين أن رئيس الحزب عبدالعزيز بوتفليقة على علم بكل الخروقات والانحرافات والممارسات الموجودة داخل الحزب الحاكم، بسبب الخطاب السياسي لجمال ولد عباس، ومحاولته القفز على القوانين الداخلية للجبهة التي قادت إلى انحدار شعبية الحزب، لتذمر القواعد النضالية من الأمين العام الحالي”. وبينت أن القيادات المعارضة لجمال ولد عباس طالبت مدير ديوان الرئيس بضرورة إقالة الأمين العام الحالي من رئاسة الأمانة العامة للحزب لوقف حالة الانهيار والتهاوي داخل جبهة التحرير الوطني قبل الانتخابات الرئاسية، حيث تسعى لدخول السباق الرئاسي بقيادة جديدة متجذرة وقوية وذات مصداقية لدى الرأي العام، تمكنه من الفوز في انتخابات مصيرية. لكن رغبة هؤلاء اصطدمت بنية رئاسة الحزب في الركون إلى هدنة مؤقتة، وتأجيل الحسم في الخلافات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعطي الانطباع بأن السلطة ماضية في مشروع الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، رغم الجدل الدائر في مختلف الأروقة السياسية، لا سيما في ظل التغييرات غير المسبوقة التي تطال المؤسسة العسكرية خلال الشهرين الأخيرين. ومن اللافت في خضم حراك جبهة التحرير لدعم بوتفليقة في السباق الرئاسي، غياب عبدالعزيز بلخادم عن مشاورات تسوية أزمة الحزب الداخلية الممتدة إلى سنوات ماضية، مما أثار مخاوف أنصاره من إمكانية إقصائه من خارطة الطريق المعتزم طبخها على نار هادئة. وكشفت مصادر لجنة وفاء أن مدير ديوان الرئاسة أبغ عن إصدار رئيس الحزب (بوتفليقة)، وفق ما وصفه بـ”أوامر رئاسية” تتطلب من جميع الشخصيات والأجنحة المعارضة لولد عباس “ضرورة تأجيل هذا الطلب إلى غاية نهاية الانتخابات الرئاسية، والتفرغ لدعم مرشح الحزب وإنجاحه خلال الاستحقاق القادم”. وأفصحت عن نية “مدير ديوان الرئاسة الذهاب لانعقاد لجنة مركزية لانتخاب أمين عام مؤقت، يضطلع بمهمة التحضير لمؤتمر استثنائي للحزب جامع دون إقصاء قبل نهاية 2019، لمعالجة الأزمة بشكل جذري”. وباتت مسألة ترشح بوتفليقة (81 عاما) الذي يحكم البلاد منذ 1999 وهي الفترة الأطول في حكم البلاد، موضع جدل قبل ثمانية أشهر من الانتخابات.
مشاركة :