في نسخة أكثر سعادة من هذا العالم، كان حريّاً بنا اليوم الاحتفال بجهود تقديم إعانات للبنوك التي جرت منذ 10 سنوات، والتي نجحت في وقف حالة من السقوط المخيف للاقتصاد وتجنيبنا فترة ركود أطول أمداً، وسرعان ما أدت إلى تعافي الاقتصاد واستمرار حالة التعافي حتى يومنا هذا.ولا أزال أذكر بوضوح اللحظة التي طلب فيها بين بيرنانكي وهانك بولسون تمرير قانون لإنقاذ النظام المصرفي - فيما أصبح يُعرف باسم «برنامج إغاثة الأصول المتعثرة». كان ذلك في سبتمبر (أيلول) 2008. بعد أيام من انهيار بنك «ليمان برذرز». ولم يكن لدى أي شخص فكرة عما سيحدث لاحقاً. ولم تكن هناك أي مؤسسة - ولا حتى «جنرال إلكتريك» أو «غولدمان» - واثقة من بقائها.كانت البلاد برمتها في قلب حالة عميقة من الركود. وكانت الوظائف تتلاشى على مدار العام، وجرى نزع ملكية ملايين المنازل بسبب التوقف عن سداد الدين، في الوقت الذي أحجمت البنوك عن تقديم قروض.وغلب على رد الفعل الشعبي تجاه «برنامج إغاثة الأصول المتعثرة» الغضب الشديد. وصوّت مجلس النواب ضد البرنامج لتهوي السوق بمعدل 700 نقطة، ما أجبر المجلس على إعادة النظر في موقفه.والآن ورغم مرور عقد ترسخت الإعانات التي حصلت عليها البنوك في الذاكرة الشعبية باعتبارها سبباً رئيسياً للسخط. وقد شوّهت هذه الإعانات صورة الرأسمالية. وبالنظر إلى هذا الغضب العارم، سعت التشريعات التي صدرت في وقت لاحق لهذه الأزمة بجد لتجنب إمكانية مواجهة الحاجة إلى تقديم إعانات جديدة لاحقاً. إلا أن هذه الجهود لم توجَّه في المسار الصحيح، وكان ينبغي لها تركيز اهتمامها على العمل على تقليص إمكانية حدوث مثل هذا التداعي الاقتصادي مرة أخرى بأقصى درجة ممكنة.وفي هذا الإطار، يجري استخدام لفظ «بأقصى درجة ممكنة» بحذر، فمن حين لآخر تطرح الرأسمالية حدثاً غير متوقع. ويرى البعض أنه لولا جهود التوقع والتكهن، لم يكن لتتوافر لدينا سكك حديدية أو شبكة الإنترنت أو آلاف الشركات الناشئة الناجحة التي بدأت كمقامرة غير محتملة. بيد أنه على الجانب المقابل نجد أن جهود التوقع يجانبها الصواب من حين لآخر. من جهته، شرح الخبير الاقتصادي هيمان مينسكي أن الأسواق في حقيقتها مبرمجة كي تنحرف عن المسار المخطط لها. وفي كل مرة يقْدم شخص ما على خوض مخاطرة ويخرج منها سالماً، يقْدم الشخص التالي له على مخاطرة أكبر بعض الشيء. وتنطبق هذه الفكرة على جهود إقراض الأرجنتين وأزمة الرهون العقارية في سان بيرناردينو في كاليفورنيا.حتى المراقبة التنظيمية الشديدة ليس باستطاعتها الإبقاء على هذه التوقعات صحيحة إلى الأبد. على سبيل المثال، انظروا إلى صناعة الإسكان - التي منذ انهيارها منذ عام 2008، خضعت لمراقبة مكثفة من جانب عدة جهات تنظيمية متداخلة. الواضح أن هذه الصناعة شهدت تحسناً على عدة أصعدة. اليوم، أصبحت التصنيفات الائتمانية أعلى، ما يوحي بأن جهات الإقراض فرضت قيوداً على الاعتمادات لديها. واختفت إلى حد كبير القروض التي عُرفت باسم «أولت - إيه» والتي تضمنت بعض أسوأ الانتهاكات، وأسفرت نهاية الأمر عن أعلى معدلات العجز عن سداد الديون.وحدثت تحسنات كذلك في الهيكل المالي الفوقي. ورغم أن «وول ستريت» لم تطرأ عليها إصلاحات تُذكر، أصبحت معدلات رؤوس الأموال أفضل اليوم لدى البنوك. وبوجه عام، أصبح الإسكان أكثر أمناً مما كان عليه عام 2008.ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن قطاع الإسكان أصبح آمناً بصورة عامة. والملاحظ أن أسعار المنازل في ارتفاع على امتداد العقد الماضي. وفي الفترة الأخيرة، ارتفعت بمعدل يتراوح بين 5% و6% سنوياً - ضعف معدل نمو الدخل الشخصي. ولا يمكن أن تستمر الفجوة بين الإسكان والدخول في الاتساع لأجل غير مسمى. والملاحظ أن وكالات حكومية تؤمّن ما يقرب من 80% من الرهون العقارية الخاصة بشراء المنازل. وترمي مثل هذه الاعتمادات السهلة إلى توسيع الدائرة أمام الشباب الذين غالباً ما يفتقرون إلى رأس المال. ومع ذلك، فإن أحد الدروس المستفادة من أزمة 2008، أنه إذا لم يكن باستطاعة الشخص تدبير تكلفة منزل ما تبعاً لمعايير الإقراض الحذرة، فإن معايير الإقراض التي لا تتوخى الحذر لن تفيده هي الأخرى.وقد خلصت دراسة أجراها البنك الفيدرالي لنيويورك إلى أن قطاع الإسكان «لا يزال عرضة لتراجعات حادة للغاية في أسعار الإسكان». ومن المحتمل أن يكون الخاسر الأكبر هنا المشترون الهامشيون والرعاة الحكوميون المسؤولون عن قروضهم. أما القطاع الخاص فيبدو أقل عرضة للخطر، لكن سيبقى عرضة لبعض المشكلات. وبذلك يتضح أمامنا أنه بعد عقد من محاولة تجنب حدوث انهيار اقتصادي، فإنه لا يزال من الممكن وقوعه من جديد. وإذا ما حدث ذلك، فإنه يتعين علينا تذكر أن الإعانات المالية السابقة نجحت في وقف النزيف. ومع ذلك، يتعين علينا الإقرار بأن هذه الإعانات خلّفت تداعيات سياسية خطيرة.وتكمن المشكلة السياسية للإعانات المالية السابقة ليس في أنها حدثت، ولكن أن دائرة تركيزها كانت ضيقة للغاية. لقد فشلت هذه الإعانات في تقديم العون للكثيرين من الـ9.3 مليون شخص الذين جرت مصادرة منازلهم، الأمر الذي أجّج مشاعر السخط تجاه السلطة الحاكمة في واشنطن لدرجة خدمت ترمب بالوصول إلى البيت الأبيض. ولا يعني ذلك أن الإعانات المالية غير مرغوب بها، ولكن وقت العمل على تقليص احتمالية الحاجة إليها يكمن في ما قبل وقوع الأزمة. وينطبق هذا الأمر على نحو خاص على الصناعات التي يتأثر بها قطاع عريض من الجمهور.عندما تعرضت صناعة الإنترنت لأزمة، جرى احتواء الأضرار دون تدخل من الحكومة -وكان هذا هو الإجراء الصائب. أما البنوك فوضعها مختلف لأن البلاد ليس بمقدورها تحمل مغبة أن يفقد الناس مدخراتهم، علاوة على أن إخفاق بنك أو اثنين يحمل في طياته إمكانية تهديد بنوك أخرى. وعليه، يجب أن تعمل الجهات التنظيمية على ضمان عدم إقدام البنوك على مخاطر مبالغ فيها.- خدمة «واشنطن بوست»
مشاركة :