تونس – كشفت مصادر سياسية أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تخلى نهائيا عن مساعيه لاحتواء الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد بسبب انسداد المشاورات والاتصالات حول النقطة 64 من وثيقة قرطاج 2. ويأتي ذلك في الوقت الذي يواصل فيه رئيس الحكومة يوسف الشاهد فرض إيقاعه في سياق مناوراته لخلط الأوراق باتجاه إعادة ترتيب موازين القوى لصالحه. وأكدت لـ”العرب” أن التطورات الأخيرة التي تشير إلى أن الأزمة في البلاد تسير نحو مأزق جديد يتراكم على وقع التفكك الذي يحيط بحركة نداء تونس، والفتور الذي بات يسود غالبية القوى السياسية المعنية بوثيقة قرطاج 2، خلفت نوعا من الاستياء الكبير لدى السبسي الذي قرر ترحيل المشاورات السياسية إلى قصر باردو حيث مقر البرلمان. ولفتت إلى أن السبسي فوض رئيس البرلمان محمد الناصر، لاستكمال تلك المشاورات بعيدا عن القصر الرئاسي، في مسعى لتحقيق اختراق سياسي بعيدا عن الأجندات المتناقضة التي استغلت ضبابية المشهد الراهن لتعيد فرض أولوياتها في تحديد سقف الطرح السياسي وذلك في إشارة واضحة إلى حركة النهضة الإسلامية. وترفض الحركة الالتزام بالنقطة 64 من وثيقة قرطاج 2 المتعلقة بآلية تنفيذ بقية النقاط، ما شجع رئيس الحكومة يوسف الشاهد على عدم التجاوب مع الآراء التي تُطالب برحيله. وخلال الأيام الثلاثة الماضية، كثف محمد الناصر من تحركاته لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية والاجتماعية، حيث التقى يوسف الشاهد والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي، على أن يجتمع خلال الأسبوع الجاري مع عدد آخر من مسؤولي الأحزاب والفاعلين الاجتماعيين تحت عنوان “الحوار والمصالحة”. مصطفى بن أحمد: الضجيج المرافق لتحركات رئيس البرلمان غير مبرر، ولا وجود لمبادرة جديدة مصطفى بن أحمد: الضجيج المرافق لتحركات رئيس البرلمان غير مبرر، ولا وجود لمبادرة جديدة وكان لافتا أن محمد الناصر تمكن وفي ظرف وجيز من ترتيب لقاء بين يوسف الشاهد، ونورالدين الطبوبي، الذي يُعتبر من أبرز الذين يطالبون برحيله، ولا يتردد في تحميله مسؤولية الأزمة التي تعيشها البلاد بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ورجحت مصادر برلمانية أن يُعقد هذا الاجتماع الاثنين، وذلك في خطوة طرحت تساؤلات حول الدور الجديد الذي يقوم به رئيس البرلمان، وآفاق الوساطة التي يُجريها، ومغزى اختيار توقيتها وكيفية ترجمتها على أرض الواقع، لا سيما في هذه المرحلة التي تسير فيها الأزمة نحو المزيد من التعقيد. وتباينت الآراء في توصيف هذه الخطوة، حيث رأى فيها البعض متابعة لمساعي الرئيس السبسي، وربطا مباشرا بمشاورات وثيقة قرطاج وبالمستجدات التي أفرزت موازين قوى سياسية وبرلمانية جديدة، فيما اعتبرها البعض الآخر تنطوي على مُعطى جديد هو أقرب إلى مبادرة ترنو إلى إعادة رسم خارطة طريق لوقف تفاقم الأزمة في البلاد. ولم يتردد النائب البرلماني مصطفى بن أحمد، الناطق الرسمي باسم الكتلة النيابية الجديدة “الائتلاف الوطني”، التي تُوصف بأنها موالية ليوسف الشاهد، في التأكيد على أن تحركات واتصالات رئيس البرلمان محمد الناصر ليست مُرتبطة بمبادرة جديدة. وقال لـ”العرب” إن الضجيج السياسي الذي رافق تلك التحركات غير مُبرر، لعدة اعتبارات، ذلك أن رئيس البرلمان سبق له وأن أجرى اتصالات شبيهة لما يجري حاليا، وبالتالي لا يمكن أبدا الحديث عن انتقال للمشاورات حول الأزمة من قصر قرطاج إلى قصر باردو. وشدد على أنه “لا وجود لمبادرة جديدة”، وأن ما يقوم به رئيس البرلمان حاليا “هي اتصالات ومشاورات عادية، ولا ترتقي لأن تكون بديلا عن مشاورات وثيقة قرطاج التي يرعاها الرئيس السبسي”. وأعرب عن اعتقاده بأن الوضع الحالي “لا يحتاج إلى مبادرة جديدة، وإنما إلى حوار جدي ضمن إطار مؤتمر أو ندوة وطنية يتم خلالها التطرق إلى الـ63 نقطة من وثيقة قرطاج 2 المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية، ومعالجة النقطة 64 الخلافية بأبعادها السياسية في البرلمان، وعلى قاعدة نصوص الدستور، بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة”. لكن تصريحات نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، في أعقاب اجتماعه برئيس البرلمان محمد الناصر، ترسم سياقا آخر يختلف عن مثل هذه المقاربة السياسية، ذلك أن الطبوبي لم يتردد في القول إن “وثيقة قرطاج لم تعد موجودة، والإطار الأنسب الآن لإدارة الحوار هو البرلمان”. وأمام هذا التطور الذي يعكس انتقال ملف المشاورات من قرطاج إلى باردو، وسقف العملية السياسية والملفات التي ستتناولها في قادم الأيام، اعتبر المُحلل السياسي خالد عبيد، أن ما يجري حاليا في باردو من مشاورات واتصالات يقوم بها رئيس البرلمان “تم بموافقة أو بدفع من الرئيس السبسي، وذلك تمهيدا لحل مسألة بقاء أو رحيل الشاهد داخل البرلمان”. وقال لـ”العرب” إن شرعية رئيس الحكومة “مُستمدة أولا وقبل كل شيء من الرئيس السبسي، وأساسا من وثيقة قرطاج 1، وبالتالي فإن ما يجري هو محاولة للرجوع إلى الشرعية البرلمانية والدستورية، لكن يصعب التكهن بنتائجه، وذلك من زاوية هل سيتمكن الشاهد من أن يحوز على شرعية برلمانية ودستورية في ظل قطيعته مع رئاسة الجمهورية؟”. ويعكس هذا السؤال حجم المأزق الذي تعيشه البلاد، ذلك أن قراءة مساحة المتغيرات في المقاربة السياسية، لا تسمح بالرهان على تحركات محمد الناصر، لتحقيق اختراقات يمكن البناء عليها لإيجاد حل يُنهي الخلافات الحالية التي مازالت تحكمها الحسابات المُرتبطة أساسا باستحقاقات 2019.
مشاركة :