دمشق - يشكل لقاء القمة الذي يجمع الاثنين، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب أردوغان في مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود، أهمية كبرى لجهة تحديد مصير محافظة إدلب شمال غربي سوريا، وشكل العلاقة المستقبلية بين الجانبيين على ضوء الفتور الذي صبغها في الفترة الأخيرة نتيجة تضارب مصالحهما على الساحة السورية. يقول محللون إن اردوغان سيحاول مجددا إقناع الرئيس فلاديمير بوتين برؤيته لتسوية معضلة إدلب، وذلك عبر تولي فصائل المعارضة فرض سيطرتها على المحافظة باستثناء بعض الأجزاء التي تشكل أهمية خاصة للروس على غرار منطقة جسر الشغور، في مقابل ذلك يتم وضع استراتيجية مشتركة لوضع حد للجماعات المصنفة إرهابية وعلى رأسها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) التي تسيطر على أزيد من 60 بالمئة من المحافظة. وهذا ثاني لقاء يجمع أردوغان وبوتين في أقل من أسبوعين، فقد سبق وأن احتضنت العاصمة الإيرانية طهران قمة ثلاثية في 7 سبتمبر الجاري ضمت الجانبين مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، للتفاهم حول سبل حل مشكلة إدلب، بيد أن هذه القمة فشلت في تحقيق أهدافها لجهة التباعد الروسي التركي. وتكتسي إدلب أهمية استراتجية لكلا الطرفين، فتركيا تعتبر المحافظة الواقعة على حدودها، جزءا لا يتجزأ من أمنها القومي وبوابتها لفرض نفسها كرقم صعب عند البحث عن أيّ تسوية للأزمة السورية، كما أن الجماعات المعارضة والإسلامية المنتشرة في إدلب هي رهانها في مواجهة أعدائها أي وحدات حماية الشعب الكردي السورية التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي ينشط على أراضيها وفي العراق. في المقابل فإن روسيا والنظام السوري يدركان أن إنهاء ملف إدلب سيعني حسم الأزمة السورية لصالحهما، وبالتالي فرض شروطهما السياسية على الجميع، هذا إلى جانب الدواعي الأمنية فوجود جماعات معارضة للرئيس بشار الأسد في المحافظة يعني بقاء الأزمة مفتوحة، فضلا عن احتضان إدلب للمئات من العناصر الجهادية الأجانب خاصة تلك القادمة من الشيشان، وهذه العناصر تشكل تهديدا مستمرا لروسيا ومصالحها، وجب القضاء عليها. ويرى مراقبون أنه من الصعب إيجاد أرضية مشتركة بين الجانبين، فروسيا تبدو مصرة على استعادة النظام لسيطرته الكاملة على محافظة إدلب وسبق أن صرح الرئيس فلاديمير بوتين خلال القمة الثلاثية بأن “من حق الحكومة السورية الشرعية استعادة السيطرة على كل المناطق الخارجة على سيطرتها”، الأمر الذي ردّ عليه أردوغان بالقول لا “يمكن السماح للأسد بانتزاع المنطقة”. تركيا تعتبر إدلب، جزءا لا يتجزأ من أمنها القومي وبوابتها لفرض نفسها كرقم صعب عند البحث عن أيّ تسوية للأزمة السورية وقبيل لقاء سوتشي قال مستشار الرئيس التركي للعلاقة الخارجية ياسين أقطاي، إن أي هجوم عسكري على محافظة إدلب، يعتبر هجوما على الدولة التركية. وأوضح أقطاي في لقاء تلفزيوني السبت إن بلاده ستعتبر أن أي هجوم على محافظة إدلب هجوما على تركيا نفسها، مؤكدا “لن تقف كالمتفرج لتكرار مجزرة حلب في إدلب”. واتهم مستشار أردوغان، موسكو بمحاولة تصفية المعارضة السورية في إدلب تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”، ووصف ما يجري في سوريا بـ”التطهير العرقي والعنصري”. وتضع تركيا في اعتبارها فرضية فشل التوصل إلى اتفاق مع الروس، وهو ما يعكسه استمرارها في استقدام تعزيزات عسكرية إلى المنطقة. ووصلت الأحد، قافلة تعزيزات عسكرية جديدة إلى ولاية كليس، المحاذية للحدود السورية، ضمت آليات عسكرية، إلى جانب شاحنات محملة بمدفعيات، ودبابات. وأفادت وكالة الأنباء التركية “أناضول” بأن القافلة المستقدمة من وحدات مختلفة، توجهت نحو الحدود السورية وسط تدابير أمنية مشددة. وكانت مصادر من المعارضة السورية قد كشفت عن عقد اجتماعات مطولة مع مسؤولين عسكريين أتراك، مؤخرا، لوضع خطط لمواجهة أيّ عملية عسكرية للنظام، وذكرت هذه المصادر أن أنقرة قامت بمدّ مقاتلي المعارضة بأسلحة نوعية. ويرى مراقبون أن روسيا قد تؤجل لبعض الوقت العملية العسكرية في إدلب بيد أنها ليست في وارد التراجع عن شنها، ويشير هؤلاء إلى أن موسكو تحاول اليوم امتصاص الضغط التي تمارسه تركيا وأيضا القوى الغربية الرافضة بدورها للعملية. واستأنف النظام السوري الأحد قصف مناطق في القطاع الجنوبي من ريف إدلب بعد فترة هدوء شهدتها الأيام الماضية. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عشرات الآلاف من الأهالي نزحوا من ريفي إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، ومن سهل الغاب ومنطقة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، نحو ريف إدلب الشمالي ومنطقة عفرين لتجنب القصف. وكانت القوات الحكومية السورية قد حشدت أكثر من 2000 مدرعة في أرياف إدلب وحماة واللاذقية وحلب واستدعت عشرات آلاف العناصر من قواتها استعدادا لما وصفه المرصد السوري لحقوق الإنسان بمعركة إدلب الكبرى.
مشاركة :