طبيعة البشر

  • 9/17/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ذهب أحد المهندسين لإصلاح عطل في منزل أحد الأصدقاء وفور وصوله إلى المنزل قام بتفحص العطل وتشخيص الخلل ثم أوعز لمساعديه بإصلاحه، ليقوم العمال بعد ذلك بالبدء في أعمال الصيانة والإصلاح التي استغرقت أكثر من 5 ساعات. وفي اليوم التالي وعندما أراد صاحب المنزل التأكد من جودة العمل بعد انقضاء المدة التي اشترطها المهندس لضمان عمله؛ إذ به يفاجأ بأن المشكلة لا زالت قائمة وأن العمل لم يكن على أكمل وجه، فاتصل فوراً بالمهندس وحضر للموقع بمعية فريقه المساعد، وعندها أراد المهندس تبرير الخطأ وقال لصاحب المنزل أن هذه هي المرة الأولى التي يقع فيها الخطأ منهم بعد سنوات طويلة من الخبرة والتخصص. لكن ذلك التوجس الذي بدى عليه المهندس والخوف المبالغ به من الوقوع في الخطأ لا يعد أمراً طبيعياً في عرف المفكرين والمختصين في مجال التنمية البشرة ؛ إذ يرون أن الوقوع في الخطأ طبيعة بشرية، وأن حدوثه بعد سنوات طويلة من الخبرة له فوائد عظيمة من أهمها الابتعاد عن صفة الغرور الذي يدمر صاحبه وينفر الناس منه بسبب نظرته الفوقية واستعلائه على الناس. فعندما نخطئ بعد كل تلك السنوات نكتشف حاجتنا لذلك؛ حتى نعرف حقيقة أنفسنا وأننا غير منزهين، وأنه مهما وصلنا من درجات العلم واحترافية العمل إلا أن ذلك لا يجب أن يغيب عنا الحقيقة الخالدة وهي أننا بشر نخطئ وننسى. يقول الكاتب والمفكر الإيرلندي جورج برنارد شو: الحياة المليئة بالأخطاء أكثر نفعاً وجدارةً بالاحترام من حياة فارغة من أي عمل، وليس هذا فحسب بل وصل الأمر بأحد المفكرين إلى أن يصف الوقوع في الخطأ بأنه حق من حقوق الانسان، عندما قال الكاتب الإيرلندي إدموند بيرك: نعم لا تتخل عن حقك في أن تخطئ. إننا نعمل كثيراً ونتمنى ألا يحدث منا الخطأ لأن ذلك يكلفنا المزيد من الوقت ويجعلنا نتكبد العديد من الخسائر، لكننا عندما ننجز أعمالنا في أوقاتها وباحترافية عالية لا نشعر بقيمة المنجز كما لو أنجزناه بعد عدة محاولات وعدة أخطاء، وفي هذا الإطار يقول الكاتب الأمريكي ألبرت هيوبارد: الجهد المتواصل والأخطاء المتعاقبة هي درجات السلم نحو العبقرية. نعم لن تكون عبقرياً بدون أن تحاول مراراً وتكراراً، ولن تكون محترفاً في عملك ومتقناً له من أول مرة، فعندما تتدرب على عمل معين فأنت تكرر الأخطاء بشكل متواصل حتى تصل إلى المرحلة التي لا يوجد بها أخطاء أو المرحلة التي تقل فيها أخطاؤك وهذا هو الهدف، ويقول المخرج الأمريكي ديفيد فينشر: التجربة تسمح لنا بتكرار أخطائنا ولكن بدقة أكبر. نخلص من هذا كله إلى أن الخطأ أمر طبيعي وأن تكراره مفيد لنا حتى نصل إلى مرحلة الاتقان، لكن الذي يجب ألا يغيب عن أذهاننا هو أن الأخطاء تتفاوت بحسب طبيعة الأعمال وتأثيرها ومواقعها، فهناك مواقع وأعمال يكون الخطأ فيها مضاعف فعلينا الحذر حينها. وهناك أخطاء طبيعية ولكن بسبب ارتباطها بأمور أخرى فقد يكون تأثيرها أكبر مما نتوقعه، كما أن من الأفضل أن نتخلص من تعظيم التوافه وتكبير الأخطاء العادية لأننا إن لم نفعل ذلك فقد نكلف أنفسنا ما لا طاقة لها به ولن نصل إلى المرحلة التي نبتغيها، وعلينا أن نتيقن بأن الوقوع في الخطأ طبيعة بشرية وحق من حقوق الانسان.

مشاركة :