مهاجر ومهجَّر أو طالب لجوء ولاجئ أم مغترب؟

  • 9/18/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تثير إعجابي مهارات رجال القانون وقدراتهم في إتقان وإحكام صياغاتهم اللغوية، وضبط معانيها بدقة متناهية تجعلني في أحيان كثيرة أتمنى لو أن الله هداني إلى سبيلهم، ودرست وأتقنت ما درسوا وأتقنوا.وربما لهذا السبب أُرجع افتتاني بقراءة النظم واللوائح القانونية، رغم ما تحتويه من تفاصيل كثيرة ودقيقة وخلوّها بشكل ملحوظ من المشاعر والأحاسيس، وكأن من صاغها بلا قلب ينبض وروح تعتمل بالعواطف.ما دعاني للخوض في هذا الموضوع تقرير إعلامي نشرته، على غير العادة، إحدى الصحف البريطانية مؤخراً يتناول من الناحية القانونية والإحصائية قضية الهجرة، بغرض وضع القارئ غير المتخصص في موقع يتيح له فهم واستيعاب ما يتخلل هذه القضية من تفاصيل وإشكالات كثيرة - قانونياً وسياسياً واقتصادياً - دفعت بعض البلدان إلى إقامة جدران وأسوار وحواجز على حدودها منعاً لدخول المهاجرين إلى أراضيها، وقامت بلدان أخرى بوضع سياسات ذات أنياب، متوعدة المهاجرين بالويل. إلا أن هذه الإجراءات غير الإنسانية، وإن أدت إلى تقليل أعداد المهاجرين، لم تتمكن كلية من إيقاف قوارب الموت من الإبحار عبر مختلف البحار في مختلف المناطق، مثقلة بحمولاتها من البشر الهاربين من الموت والفقر والسجون، بحثاً عن ملاجئ تأمنهم من خوف، وتطعمهم من جوع وتعيد لهم آدميتهم المفقودة.أغلبية الناس تطلق على ما تنقله القوارب عبر البحار أو الشاحنات عبر رمال الصحارى من حمولات بشرية، مصطلح (مهاجرين) أو (لاجئين) من دون تمييز بين المصطلحين، ولا يرون في المهاجرين الذين يصلون بلدانهم سوى تهديد كامن لهم، وهم معذورون في ذلك، لأن وسائل الإعلام التي تقدم لهم المعلومات لا تهتم بتقديم شروح وإيضاحات، لكن معاهدة الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 حرصت على تعريف كل مصطلح، فأطلقت على فريق منهم مصطلح (طالبي لجوء) وتطلق على فريق آخر مصطلح (لاجئين). وتعرّف المعاهدة طالبي اللجوء بأنهم من تركوا بلدانهم هرباً من الاضطهاد سعياً للحماية. وطلب اللجوء حق من حقوق الإنسان يمنح لكل من يدخل بلداً ويطالب به.وتعرّف اللاجئين بأنهم من تحصلوا على تلك الحماية، ولديهم الحق في الحماية الدولية.هناك فئة ثالثة تطلق عليها المعاهـدة مصطلح (نازحين في بلدانهم - Internally displaced people) وهم أساساً من تركوا ديارهم فراراً من اضطهاد أو من حروب أو كوارث طبيعية، لكنهم لم يغادروا بلدانهم، إما لعدم قدرتهم وإما لعدم رغبتهم. لذلك فهم (لاجئون مفترضون).أما مصطلح (مغتربين) فإنه تعريف يتسم بشيء من ضعف وغموض وهو المقابل القاموسي للكلمة الإنجليزية (Expatriate) التي صارت تعني أي شخص يختار العيش خارج بلده، كما التصق المصطلح أكثر بالمهاجرين من البلدان الغنية.خلال عامي 2015 - 2016 أصيبت دول القارة الأوروبية بهلع سياسي نتيجة لكثافة الموجات البشرية المتحركة باتجاهها من قارتي آسيا وأفريقيا، مما أدى إلى خلق توتر سياسي بينها تسبب فيه رفض كثير من تلك الدول استقبال المهاجرين هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن هذه الموجات البشرية التي تمكنت من عبور حدود بعض هذه الدول والإقامة فيها، خلقت مناخاً مناسباً سياسياً لتنامي قوة وجرأة جماعات اليمين المتطرف التي كانت كامنة طوال سنوات طويلة، وفي بلدان عرفت بثقافة ليبرالية متسامحة ومتعاطفة تاريخياً مع اللاجئين مثل السويد، وتجلى بوضوح في نتائج انتخاباتها النيابية الأخيرة.المتابع العادي لوسائل الإعلام لن يعرف أن قضية الهجرة أشبه تماماً بجبل جليد، في بحر لا يبدو للعيان سوى قمته! إذ كيف له أن يصل إلى ما في تقارير هيئات الأمم المتحدة التي تتعامل مع المهاجرين واللاجئين، وما تضم من إحصاءات وبيانات تتعلق بالهجرة؟ كيف له على سبيل المثال لا الحصر أن يعرف أن موجات الهجرة التي تعرضت لها بلدان أوروبا خلال عامي 2015 - 2016 لا تماثل في حجمها ما حدث من هجرة من جنوب السودان نحو أوغندا، بعد أقل من سنة، ولا يتعدى كثيراً ما حدث أخيراً عبر ميانمار إلى حدود بنغلاديش، أو في فنزويلا حيث انتقلت أعداد كبيرة من الناس متجهة إلى الإكوادور، وبيرو، وكولومبيا وبلدان أخرى في المنطقة.الإحصاءات لعام 2009 تؤكد على وجود نحو عدد 740 مليوناً من النازحين في أوطانهم، وأن دولة فقيرة في قارة أميركا اللاتينية هي كولومبيا بها نحو سبعة ملايين نازح داخلياً.وفي ليبيا، خلال وبعد انتفاضة فبراير (شباط) 2011 ونتيجة لتضارب المواقف من الانتفاضة ضد نظام القذافي السابق، أو ما تلاها من احتراب مسلح ومدمر على الغنائم في مدن طرابلس وبنغازي وسبها ودرنة، أو نتيجة لثارات قبلية قديمة لم يستطع الزمن محوها، وظلت مطمورة في القلوب لعقود، صار لنا مدن منكوبة وصار لنا نازحون في الداخل ولاجئون في بلدان الجوار وفي أوروبا. الذين نزحوا في الداخل (يسمون في ليبيا بالمهجّرين) اختاروا النزوح إلى، والإقامة في مدن ليبية أخرى، طرابلس، وبنغازي، ومصراتة، وبني وليد. وأقامت نسبة كبيرة ممن فضلوا الالتجاء إلى خارج الحدود في مصر وتونس ومالي، في حين توزعت نسب صغيرة على بلدان أوروبية. ولا توجد إحصاءات رسمية بأعدادهم لكن التقديرات تشير إلى وجود الآلاف.المؤسف أنه في خضم انعدام حالة الاستقرار سياسياً وأمنياً نتيجة لتفاقم الصراع الميليشياوي المسلح في البلاد على الغنائم، دخل المهجّرون واللاجئون على السواء في دائرة النسيان، وأسقطوا من أجندة حكومة الوفاق في طرابلس والحكومة المؤقتة في طبرق ومن مجلسي النواب والدولة، ومن اهتمام الناس أيضاً وكأنهم ليسوا ليبيين، وعليهم وحدهم أينما كانوا وحلوا يقع عبء إيجاد حلول لمآسيهم ومعاناتهم الحياتية.فهل من مذكر؟

مشاركة :