مسلسل «الرجل والحصان» الذي أنتج وعرض في عدد من التلفزيونات العربية العام 1982، وأعيد عرضه أخيراً على شاشة عدد من القنوات الفضائية، منها «نايل دراما» «وتن»، يعتبر واحداً من المسلسلات المصرية الملحمية التي ألقت الضوء على جوانب اجتماعية واقتصادية وإنسانية ونفسية وفلسفية مهمة في المجتمع المصري في ذلك الوقت. وكان المسلسل محطة فارقة في مسيرة بطله الفنان محمود مرسي مع الدراما التلفزيونية، إذ قدم قبله «بنت الأيام» و»رمضان والناس» و«زينب والعرش» و«العملاق» عن حياة عباس العقاد، وبعده «المحروسة 85» و«سفر الأحلام» و«رحلة أبو العلا البشري» و«عصفور النار» و«بين القصرين» و«قصر الشوق» و«العائلة» و«بنات أفكاري»، إذ كان بداية مرحلة تجسيده دور «دون كيشوت» الذي يحارب طواحين الهواء، بحثاً عن قيم تناساها الجميع. فكيف يفهم أهله ارتباطه بحصان عجوز لا فائدة منه، في حين أن الحقيقة أنه كان يرى فيه أحلامه وعمره الذي يضيع أمام عينيه، بل ويخشى من المصير ذاته، أن يكبر في السن، فيتم إعدامه كخيل الحكومة، والإعدام هنا سيكون معنوياً بإهماله وتركه بمفرده، وهو الإعدام الذي كان قد بدأ بالفعل من الأبناء. ودارت الأحداث حول الشاويش «طلبة» الذي يعمل في مركز شرطة دسوق في محافظة كفر الشيخ «شمال دلتا مصر»، وفي عهدته لسنوات طويلة الحصان المميز «عنتر» الذي أحبه حباً فاق أحياناً حبه لأبنائه، فبادله الحصان هذا الحب والوفاء، فكان لا يأكل إلا من يده ولا ينام أحدهما قبل رؤية الآخر، ويكبر الحصان، ولم يعد قادراً على مطاردة المجرمين، فتقرر الشرطة الاستغناء عنه، طبقاً للإجراءات في هذا الشأن بإعدام الخيول بالرصاص، ويجن جنون «طلبة»، ويتوسل لمأمور المركز للعدول عن القرار، ويطلب شراءه من الحكومة. ولإدراك المأمور الرباط المقدس بينهما، يأتي له بعد جهد مكثف بموافقة على ذلك وبصفة شخصية، ولأنه لا يملك ثمن الحصان، يقرر بيع أرضه الصغيرة التي يقتات منها أبناؤه لشرائه، فيرفضون ويتهمونه بالجنون، ولا يجد مفراً إلا الهرب بالحصان خوفاً عليه من الإعدام، فيحكم عليه بالفصل من الخدمة لهروبه وسرقته عهدة حكومية. ويظل هارباً مع حصانه والشرطة تطارده لمعاقبته وتقديمه لمحاكمة عسكرية، من دون مراعاة للمشاعر الوجدانية التي جمعت بينه والحصان الذي يموت في النهاية بين يديه. وجسّد مرسي شخصية «طلبة» بطريقة السهل الممتنع، وكان لوجود الحصان معه طوال الأحداث أثره البالغ في التعبير الصادق الهادئ الموحي في كل مشهد جمعهما معاً، إذ كان يحدثه ويتعامل معه كأنه صديق عمره أو أحد أبنائه. وأتاحت قماشة الشخصية فرصة كبيرة له للتعبير عن موهبته بكل الأدوات الشكلية والنفسية من تعبير بالوجه والعينين والصوت وحركات الجسد وغيرها، أثناء ذهابه بالحصان الى حبيبته القديمة، وكيف أن حبه الذي فقده لظروفه الصعبة، لم ينسه حبه الأكبر للحصان والخوف عليه، ثم محاولاته المستميتة لتهريب الحصان في قطار بضائع الى الصعيد. وتزامن ذلك مع مرض الحصان ومحاولة علاجه في الوحدة البيطرية، ومحاولة من ألقى القبض عليهم أثناء وجوده في الخدمة، الإبلاغ عنه وعن الحصان. شارك في بطولة المسلسل كل من هدى سلطان التي جسدت شخصية «جليلة» الحبيبة القديمة لـ طلبة»، والتي تضحي بكل شيء لحمايته مع حصانه، وتظل معه حتى النهاية، ومحمد رضا «المساعد بشر»، صديقه الأقرب إليه، والذي يتستر عليه على رغم أن انكشاف أمره يمكن أن يطيحه من وظيفته ويدخله السجن، ومديحة سالم «نعمات» السيدة الثرية، التي تتفرغ لتربية ابنها ورعاية أرضه بعد وفاة والده في ظروف غامضة، وما أن يميل قلبها الى «طلبة» الذي تخفيه لعدد من الليالي وحصانه لديها، حتى يفر بالحصان. كما شارك في البطولة وبأدوار ألقت الضوء على مواهبهم، ابراهيم عبدالرازق «عبده حتاتة» والذي يدخل في صراع شخصي مع «طلبة» كونه كان سبباً في القبض عليه وتوقف نشاطه الإجرامي، وفاطمة الـــتابعي وعبدالعظيم عبدالحق وصبري عبدالعزيز وسامي مغاوري ونبيل الدسوقي وبدر نوفل وإبراهيم نصر وأحمد فؤاد سليم. وعلى رغم أن العمل كان من أوائل المسلسلات التي كتبها المؤلف محمد جلال عبدالقوي، والذي كان يدرس التمثيل وقتها في المعهد العالي للفنون المسرحية، فإنه برع في إيجاد حبكة درامية للعمل في شكل جيد، واتخذ من الرباط الإنساني بين «طلبة» وحصانه، وانشغال بناته عنه بالزواج والأبناء، الى جانب ظهور حبيبته القديمة مع ابنتها وزوجها وتورطها معه في إخفاء الحصان، ثم علاقته بالسيدة الثرية التي توفي زوجها وتركها وحيدة، خطوطاً درامية دفعت بالأحداث الى الأمام. ولم يصب العمل بالمط، إذ وقع في 13 حلقة فقط. وفي المقابل، أجاد المخرج أحمد خضر، وهو مع المؤلف من مواليد المنطقة ذاتها التي دارت فيها الأحداث، وكانت غالبية مشاهد العمل ليلاً في الريف والطرق والأراضي الزراعية وبحيرة البرلس والترع والمصارف. وعلى رغم أن التصوير تم في استوديوات زيني فيلم في سوسة في تونس، فإن الصورة جاءت في شكل مبهر، وساهم في إثرائها مدير التصوير السينمائي والإضاءة للعمل سمير فرج. وعبرت شارات بداية المسلسل ونهايته الغنائية التي كتبها الشاعر عبدالرحيم منصور، ولحنها الموسيقار عبدالعظيم عويضة، وغناها محمد منير، عن الأحداث في شكل جيد، ومن كلماتها: «مين كان يقول؟ آخر محطة عمرنا، العمر نفسه يصدنا، والرحلة بعد العشرة تبقى ضدنا، والخطوة تتقل ع الطريق وتطول».
مشاركة :