سليمة لبال | مع بدء فصل الصيف لن يعود السياح فقط إلى باريس، وإنما الجرذان أيضاً، فقد تزايدت أعدادها حتى باتت أكثر وضوحاً. ومن يزر باريس هذه الأيام يفاجأ وفق مجلة لونوفيل أوبسارفاتور، بعدد القوارض التي تغزو شوارع عاصمة النور. وتظهر فيديوهات، انتشرت مثل النار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، فئرانا نرويجية وجرذاناً في كل مكان. أصبح انتشار الجرذان في باريس ظاهرة حقيقية منذ بضع سنوات، يصاحبها كل مرة جدل واسع، تحولت معه الجرذان إلى معركة سياسية حقيقية. وتقول مستشارة باريس ايمانويل دوفارني «نحن نستقبل شكاوى سكان باريس منذ 2014». وخلال حديثها مع محرر مجلة لونوفيل أوبسارفاتور، قالت هذه المنتخبة إنها تتلقى الكثير من الرسائل الإلكترونية، بينها رسالة جاء فيها «الوضع مأساوي، هذا الصباح في حضانة شان دو مارس، تركت أطفالي يلعبون مع الجرذان»، أما آخر فقد كتب «في هذا الصيف غزت الجرذان بنايتنا». رمز الطاعون يحترم الصينيون الفئران، فهي جزء من الأبراج، أما الهنود فقد خصصوا لها معبداً، وأما في الغرب فتعتبر كائناً مكروهاً ومثيراً للتقزز. ويشعر الكاتب الفرنسي ميشال دانسال بالأسف حيال هذا، وهو الذي أسس قبل أربعين عاماً أكاديمية للفئران. ويضيف في حديثه لمجلة لونوفيل أوبسارفاتور «ما كان يهمني هو ذلك التقزز الذي يشعر به الفرنسيون من الفئران والأسباب الحقيقية للخوف المرضي منها.. إنها أسباب ترتبط بالدين والتقاليد». فالفأر في الذاكرة الجماعية الفرنسية، هو حيوان قاتل لنقله عدة أمراض مثل الطاعون، مثلما تورده الصحافية زينب ظريف في كتابها «في الجدران والجرذان، من الطاعون إلى طبق الراتاتوي». وتعود آخرمرة انتشر فيها الطاعون في باريس إلى عام 1920، وتأكد حينها أن المرض نقلته فئران رمادية وليست الفئران النرويجية، وأما الجرذان المعاصرة، فتنقل بعض الأمراض مثل داء البريميات. باللاتينية: Ieptospirosis أو السالمونوز، غير أن حالات العدوى التي يصل عددها ما بين 600 إلى ألف حالة نادراً ما تكون خطرة. وأما على الإنترنت فهناك قصص فظيعة لحالات تعرض أصحابها لعضات جرذان. ويقول الخبير بيير فالغاياك في كتابه «جرذان ورجال، قصة تعايش قسري» «في الحقيقة الجرذ لا يهاجم إلا عندما يشعر بأنه مهدد أو إن كان جائعاً جداً»، ويضيف «في الترتيب الحيواني، يأتي الجرذ بعد الإنسان إن استثنينا الشمبانزي الذي نادراً ما نجده في مدننا». تحمل أنثى الجرذ 8 صغار كل 3 أشهر، وفي ظرف عام يمكن أن تلد 15 ألف جرذ. وعلى مر الأجيال تعرض هذا النوع من القوارض إلى طفرات جينية عززت مقاومته لكل شيء، حتى أصبح توقيفه أمراً صعباً للغاية، فالجرذان يمكن لها أن تسبح لمدة ثلاثة أيام في مجرى صرف صحي، وقواطعها يمكن أن تخترق الأسمنت المسلح وتقطع الحديد، وتجتاز الفتحات التي يزيد قطرها على 1.2 سنتيمتر. ويقول ميشال دانسان إن وزن الجرذ لو فاق 20 كلغ لأصبح سيد العالم ولقاسم الإنسان مائدته. لكن بقاءه في المجاري وأنفاق المترو دفع الإنسان إلى نسيانه، ولكن ما أن تجاوز هذه الحدود يحدث هزة ومشكلة كبيرة، مثل التي تواجهها باريس الآن. وتبدو المشكلة عويصة جداً لاستحالة تقدير عدد الجرذان التي تهدد باريس، ولكن الخبراء يرجعون سبب انتشارها بهذا الشكل إلى الفيضانات التي عرفها نهر السين منذ 2016، والتي أجبرت الجرذان على الهروب علاوة على انتشار ورشات العمل وبقايا الأكل في كل أنحاء باريس، وهنا يقول جورج سالين مدير مصلحة الصحة البيئية في مدينة باريس: «يتناول السياح والعمل وحتى الموظفون أكلهم في الشوارع والحدائق وفي محطات القطار والمترو، وحتى طلبة الثانوية تخلوا عن عادة الأكل داخل المطاعم، فيما على الجرذ أن يأكل 10 في المئة من وزنه يومياً». تأخر كبير تأخرت كثيراً بلدية باريس في مواجهة ظهرة انتشار الجرذان، وبعد ضغوط من وسائل الإعلام والمعارضة على مستوى البلدية، قررت عمدة باريس آن هيدالغو في 2017 إطلاق خطة للقضاء على الجرذان بميزانية تصل إلى 2.5 مليون يورو، غير أن نائبة عمدة باريس آن سوريس المكلفة بملف الصحة تقول «علينا أن نحذر، لا يتعلق الأمر بإبادة الجرذان لانها مفيدة وتنظف مجاري الصرف الصحي، ما علينا فعله هو أن نتفادى أي اتصال بين الإنسان والجرذان». وتعد باريس من بين المدن القليلة التي تملك فرقاً لمكافحة الأشياء الضارة، وتقوم هذه الفرق بقتل الجرذان من خلال نشر سموم في علب خاصة، لا تتمكن إلا القوارض من فتحها، وما ان تتناولها حتى تسبب لها نزيفاً داخلياً بعد 3 أيام من تناولها. غير أن هذه الطريقة ليست ناجعة لحد الساعة، لهذا السبب اهتدت بلدية باريس إلى فكرة فرض غرامات تصل إلى 68 يورو على كل من يترك الأكل في الشارع، كما زودت فرق المكافحة بعتاد جديد يتمثل في سلة مهملات خشبية بمنزلة كمين، تستقطب هذا النوع من الحيوانات، ثم ترميه في الكحول. ويقول ديديي بيترز، وهو أحد أفراد قوات المكافحة، ان أهمية وضع الكحول تكمن في عدم انطلاق رائحة الجرذان بعد قتلها، وكل سلة يمكن أن تصطاد يومياً 50 جرذاً. ويعمل هؤلاء في سرية تامة خشية تحرك انصار البيئة لمنع هذه الطريقة وبينهم جوزيت بانشتريت، فهذه الطبيبة النفسية المتقاعدة تعد أحد أطراف المعركة، حيث اطلقت في 2016 عريضة ضد «إبادة الجرذان». وتفخر هذه السيدة بانها جمعت 25 الف توقيع لدعم الحيوان الأكثر كرها في فرنسا، كما تردد دوماً بأن القانون الفرنسي لا يحمي هذه الحيوانات. انتشار عام هل ستتحرر باريس من الجرذان خلال الصيف المقبل؟ لا أحد يعرف ولكن آن سوريس تعتقد ذلك، وتضيف «لقد تدخلنا 2903 مرات في الساحات العامة في 2017، ونجح 35 بستانيا في تطهير الحدائق العامة من هذه القوارض، فيما نعمل على تطهير 174 حديقة». ولا يخص انتشار الجرذان الحدائق العامة فقط في باريس، بل انتقل إلى الفنادق والمطاعم والسراديب الخاصة، لهذا طلبت البلدية من الملاك منذ بدء الربيع تطهير هذه الأماكن، وتعمل الكثير من الشركات الخاصة في باريس في مجال القضاء على الجرذان. ويقول رئيس نقابة مهاجمي الجرذان باتريك غرافاي «نرغب في أن تعمل معنا السلطات العمومية، ونشن عمليات مسبقة وألا نعتبر قتلة وإنما نعمل في مكافحة الأخطار وأنا لا أتحدث فقط عن القوارض وإنما أيضاً عن بق الفراش الذي بات منتشراً هو الآخر ويعوض الغابات ولا أحد يتحدث». ويعاني الكثير من الفرنسيين من الجرذان وفق لونوفيل أوبسارفاتور، فالسيد «س» لا يحلم إلا بمغادرة بيته، واما السيدة «د» فروت للصحافي كيف عض الجرذ أصابعها بعد أن حفر جدار غرفة الغسيل. وأضافت «لم أكن أتصور أن يكون هناك جرذ»، واما آخر فقد تسبب جرذ في سد مجاري حمامه.
مشاركة :