قبل اكتشاف النفط بكمياتٍ تجارية في بداية تأسيس المملكة، كان العائد المادي من الحجاج يُمثِّل المصدر الرئيس للدخل، بالرغم من تعرُّضه لعدم الاستقرار بسبب ارتباطه بما يقع في العالم من أحداث، فعلى سبيل المثال، أدت موجة الكساد العالمي جراء الحروب العالمية والأوبئة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي إلى انخفاض أعداد الحجاج القادمين إلى المملكة في إحدى السنوات إلى أقل من 40 ألف حاج، الأمر الذي انعكس سلباً على الاقتصاد في ذلك الوقت. وحتى قبل الإسلام لم تنشط الحركة التجارية بين القبائل العربية في جزيرة العرب إلا بعد أن أصبح الحج واقعاً، فكانت لقريش تجارتها المعروفة برحلتي الشتاء والصيف، هاتان الرحلتان اللتان كانت قريش تُجهّزهما في هذين الفصلين سنوياً، أولاهما شتاءً إلى بلاد اليمن، والثانية صيفاً إلى بلاد الشام، ناهيك عن ازدهار الحياة في هذه البقعة المباركة من العالم إنما نشأ لوجود بيت الله الذي يحج الناس إليه استجابةً لأمره سبحانه لخليله إبراهيم عليه السلام بالأذان في الناس بالحج. ومن الملاحظ أن الأمر الإلهي لم يخل من بيان فوائد الحج، والتي منها بالطبع الفوائد الاقتصادية التي تعود على الناس من هذا الاجتماع السنوي الهام، بل تم «تقديمها» في الآية الكريمة على «ذكر اسم الله»، كما جاء في قوله تعالي: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)، حتى أن هناك عبارة بهذا المعنى يُردِّدها أبناء مكة عمَّن يجمع بين الحج والتجارة، بقولهم: (حج وبيع سُبَح). وهذا الاجتماع السنوي الهام في تاريخ المملكة هو الذي جعل منها قاعدةً عربيةً وإسلاميةً عظيمة. وعلى الرغم مما يدعو إليه الحج من فضائل رفيعة وصفات دينية مستحبة، إلا أنه عاد كذلك بأفضل الخير على العرب ولغتهم، التي أصبحت لغة القرآن الكريم. وبسببه أيضاً، نشأت الأسواق في الجزيرة العربية قديماً، كسوق عكاظ ومجنة وغيرها، والتي كان العرب يفدون إليها من كل أنحاء الجزيرة العربية، ليُناقِشُوا أمورهم، ويتبادلوا عروض التجارة فيما بينهم، ثم ينصرفوا بعدها إلى الحج. وبسبب الحج، نشطت الحركة الاقتصادية في بداية تأسيس المملكة، وإلى وقتنا الحاضر، وخاصة في الأجزاء التي ارتبط أمرها بأمر الحج أوثق ارتباط كمكة والمدينة وجدة بوابة الحرمين الشريفين. وأخيراً، نحمد الله أن وفق ولاة أمر هذه البلاد لخدمة ضيوفه وقيامهم باعتماد الكثير من المشاريع العملاقة التي تخص الحج والعمرة والزيارة ضمن رؤية ولي العهد حفظه الله، والتي من بين أهدافها، تمكين أكبر عدد من الراغبين في أداء فريضة الحج والعمرة وزيارة مسجد نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم. نقلا عن "المدينة"
مشاركة :