على مر السنين لم يتوقف المحتالون من البحث عن ضحايا واختراع حيل جديدة واستغلال التطورات والتقنية للإيقاع بضحاياهم، سواء بطريقة البونزي الشهيرة "المنسوبة إلى صاحبها تشارلز بونزي - مواليد 1882" التي تم استخدامها في السعودية كثيرا بما يسمى "المساهمات" على اختلاف أنواعها "سواء كانت مساهمات أو متاجرة ببضائع وغيرها"، وللأسف تتكرر حالات وقوع كثير من الأفراد في هذه المصيدة رغم كثرة سماعهم عن قصص الاحتيال، ورغم رسائل التوعية، لكن رغم ذلك تقع حالات جديدة، وهنا أتساءل دائما: لماذا تحصل هذه العمليات، رغم كل ما ذكر؟ لعل أبرز الأسباب التي "قد" تفسر هذه الظاهرة هي الجشع وصعوبة مقاومة إغراءات الأرباح السهلة والعالية، بمعنى أنه رغم اختلاف طرق الاستثمار المزعومة، إلا أنها تتفق جميعها على أمرين، الأول سهولة الاستثمار مع هذه الجهات المحتالة، والثاني التأكيدات "المزعومة" على تحقيق أرباح أعلى من الاستثمارات العادية، وهنا يتم جذب الضحايا وإغرائهم، فمن الصعب مقاومة الأرباح العالية. خلال السنوات الثلاث الماضية انتشر - على سبيل المثال - التسويق للتداول في أسواق الفوركس "بيع وشراء العملات والمعادن في الأسواق العالمية"، وأنها تحقق أرباحا خيالية، وبعضهم ادعى أنها تضاعف رأس مالك أكثر من 500 ضعف خلال أقل من سنة! وبالطبع تم استغلال التقنية وتطوراتها للتسويق، حيث تم اصطياد الضحايا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا "تويتر"، لأنه المنصة الأكثر استخداما للفئة المهتمة بالأعمال والاستثمار، وتم صياغة هذه الإعلانات بطريقة مبتكرة تأتي كأنها تتحدث عن خبر، فمثلا "عائلة سعودية تحتفل بابنها الذي أصبح مليونيرا!" أو "تعرف على هذا الشاب السعودي الذي أصبح مليونيرا خلال أقل من سنة". طبعا كلها إعلانات مدفوعة وقصص كاذبة وما داخل الخبر هو تسويق للتداول في "الفوركس" عن طريق شركتهم الوهمية. إن التدليس هنا يأتي من أمرين، أولهما أن سوق الفوركس ليست بهذه السهولة أو الدرجة العالية من الأرباح، وإلا وجدنا المتداولين فيها أغنياء بشكل كبير، لكن الحقيقة أنها - أي "الفوركس" - سوق مثلها مثل الأسواق الأخرى خطرة، بل ترتفع الخطورة فيها بشكل مرعب وكبير مع قوة الرافعة المالية التي يستخدمها جميع المتداولين فيها. وبحكم خبرتي السابقة لأكثر من سبع سنوات في سوق الفوركس قديما في البنك، وجدت أن أكثر من 90 في المائة من المتداولين خسروا جميع استثماراتهم فيها، وهذا يدل على عكس ادعاء مسوقي "الفوركس". الأمر الثاني - وهو الأخطر - أن هذه الشركات وهمية، فهي تتخذ ستار تداول "الفوركس" واجهة لها لاستدراج الضحايا ومن ثم الاستيلاء على أموالهم. شركات لا وجود لها على أرض الواقع، وهنا المصيبة، فقد تتقبل خسارتك في الاستثمار بسبب تقدير غير جيد لحركة الأسعار، لكن لا أحد أبدا يقبل الضحك عليه وأخذ أمواله بطريقة بسيطة جدا ومن ثم يصطف مع ضحايا الاحتيال والنصب، ولهذا كثير من ضحايا النصب لا يعلنون عن حالات الاحتيال التي وقعت لهم بسبب خجلهم مما حصل، خصوصا من رجال الأعمال الذين من المفترض معرفتهم بطرق الاحتيال البسيطة والواضحة مثل هذه الحالات، ولهذا لن نستطيع معرفة عدد حالات الاحتيال في السعودية ولا معرفة حجم الأموال التي تم الاستيلاء عليها وخرجت إلى حسابات أجنبية خارجية. أعتقد أن الجميع يجب أن يحذر وأن يرفع كل علامات الشك عند أي جهة تسوق الاستثمار وتطلب تحويل الأموال، وكي يستطيع المستثمر تفادي حالات النصب يجب عليه أولا التأكد من أن الجهة المسوقة تحمل ترخيصا من قبل الجهات الرسمية وعلى رأسها هيئة السوق المالية أو مؤسسة النقد، وينبغي عدم الاكتفاء بادعاء الجهة حصولها على الترخيص، يجب عليك الدخول بنفسك إلى موقع هيئة السوق المالية والبحث في قائمة الجهات المرخصة عن اسم هذه الجهة، فإذا وجدتها هنا تكون قد قطعت الشك باليقين، لأنه "ولا أستبعد ذلك" قيام بعض هذه الجهات المشبوهة بتسويق حصولها على ترخيص من قبل هيئة السوق المالية، مع علمها أن الأغلبية لن يذهبوا ويتأكدوا بأنفسهم من صدق هذا الادعاء. إن ضرورة حصول المنشأة على الترخيص أمر في غاية الأهمية، لأنه يخضع صاحب المنشأة لاشتراطات قوية تمنع أي تلاعب بحسابات العملاء والمستثمرين، طبعا هذا لا يعني أبدا ضمانة الأموال من الخسارة بسبب تدني الأسعار أو لأي مخاطر سوقية وتشغيلية، لكن "وهو الأهم في هذا الموضوع" يمنع خسارة الأموال بسبب النصب والاحتيال من قبل الشركات. ثانيا وأخيرا، يجب أن تعلم أن أي تسويق لأرباح غير اعتيادية هو في الأغلب تسويق لعملية نصب جديدة، واحذر ممن يقول لك هل تريد أن تصبح مليونيرا؟
مشاركة :