نجا عبدالمنعم شيخ جاسم مع عائلته من قصف الطيران على محافظة إدلب (شمال غربي سورية) حتى الآن بفضل ملجأ حفره تحت الأرض، ومع تزايد الاستعدادات لهجوم من قوات النظام السوري على المحافظة، يعمل رب العائلة على توسيع الملجأ وتجهيزه لمواجهة المرحلة الصعبة. وليس عبدالمنعم وحده من يحفر «مغارة» قرب منزله، كما يسمي سكان إدلب هذه الملاجىء. فكثيرون يعملون بكد لتجهيز المغاور للاحتماء فيها من قصف الطيران السوري والروسي. وتفيد معلومات «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن حوالى 50 قتيلاً سقطوا منذ منتصف آب (أغسطس) الماضي في القصف الجوي والمدفعي الذي استهدف إدلب والمناطق المجاورة، حيث تنتشر «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى مقاتلة معارضة للنظام. وقال عبدالمنعم (55 عاماً)، وهو والد لأربع بنات وصبيين، في قرية كفرعين في ريف إدلب الجنوبي: «منذ نحو عشرة أيام، عدنا إلى الحفر في المغارة لتوسيعها، كما نقوم بتجهيزها في حال عودة القصف مجدداً». وأضاف عبدالمنعم الذي كان يعمل في السابق سائق شاحنة: «نقوم بتوسيع المغارة وطلائها، كما بنينا درجاً لتسهيل الدخول والخروج». وتقع المغارة في حديقة منزله، ومدخلها غير واضح المعالم وسط أشجار. وهو يؤكد بأنه نجا مع عائلته من موت محقّق لأنهم كانوا داخل المغارة عندما دمّر برميل متفجر المنزل. وقال: «البرميل المتفجر سوى البيت بالأرض تماماً، ونحمد الله بأن أحداً منا لم يصب لأننا كنا في المغارة». ويقوم عامل متقدم في السن مع أربعة من أولاده الشبان بالحفر داخل المغارة بناء على طلب عبدالمنعم، وهم يكتفون بالضوء الخفيف المتسرب من مدخلها. وزاد عبدالمنعم الذي ارتدى جلابية: «أنا خوفي هو على الأولاد. والشعور بالخوف أمر طبيعي خصوصاً لمن لديه عائلة وأولاد». في سورية التي مزقتها حرب أوقعت منذ عام 2011 أكثر من 360 ألف قتيل، تتعرض إدلب للقصف في شكل شبه دائم. ويعتمد العديد من السكان في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة في إدلب والمناطق المجاورة، الاستراتيجية نفسها. فقد أقاموا مستشفيات وأحياناً مدارس تحت الأرض، إضافة إلى الملاجىء قرب المنازل لحماية عائلاتهم من القصف. وفي 8 الشهر الجاري، أصيب مستشفى ميداني تحت الأرض بأضرار نتيجة قصف جوي استهدفه في بلدة حاس بإدلب، وفق «المرصد السوري». إلا أن القصف الجوي تراجع خلال الأيام القليلة الماضية. وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجمعة أن لا تحضيرات لعملية عسكرية واسعة قريبة ضد إدلب. وتفيد الأمم المتحدة أن نحو ثلاثة ملايين شخص، نصفهم من النازحين، يعيشون في إدلب وبعض المناطق المجاورة في محافظات حماه وحلب واللاذقية. وتتقاسم «هيئة تحرير الشام» المرتبطة بتنظيم القاعدة السيطرة على هذه المناطق مع فصائل أخرى مسلحة معارضة. وخلال جولة العنف الأخيرة، أجبر أبو محمد (25 عاماً) على البقاء عشرة أيام داخل المغارة مع عمه وأبناء عمه في جنوب إدلب. وعملت العائلة على بناء هذا الملجأ منذ سنوات الحرب الأولى. ودعّمت الجدران والأرضية بالإسمنت، في حين بقي قسم من أرض الملجأ من الصخر. وتوزعت في هذه المغارة التي تتم إنارتها بواسطة مصباح صغير، الفرش وكراسي البلاستيك والمراوح. ويمكن رؤية في إحدى زواياها بعض أصناف الطعام، إضافة إلى أوعية جمعت فيها المياه. وقال أبو محمد: «خلال الفترة الأخيرة، اشتد القصف على المنطقة لأنها على الحدود مع مناطق النظام في ريف حماة الشمالي»، مضيفا: «سارعنا إلى تنظيف المغارة من جديد ووضعنا فيها بعض المؤن وكل ما يمكن ان نحتاجه لتجنب الخروج خلال فترات القصف». وجلس عم أبو محمد أمام منزله محاطاً ببعض الزوار يحتسون الشاي. وقال الطفل عمران البالغ الثمانية أعوام، وهو إبن عم أبو محمد، إنه لم يذهب إلى المدرسة خلال الأيام العشرة الماضية. وأضاف «العديد من رفاقي أصيبوا بجروح وبعضهم قتل. كل ما أتمناه هو أن أتمكن من الذهاب إلى المدرسة يومياً لتعلّم القراءة والكتابة».
مشاركة :