دشنت جمعية الثقافة والفنون في جدة، أول ملتقيات الدراسات البصرية بمحاضرة عنوانها "الفن السعودي المعاصر" قدمها المشرف على الملتقى الدكتور سامي جريدي، وذلك بحضور مدير الجمعية محمد آل صبيح والفنان هشام بنجابي مدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية بجدة "جسفت". وفي التفاصيل، بدأ الدكتور جريدي محاضرته بشكره لجمعية الثقافة والفنون بجدة على هذه الخطوة غير المسبوقة والتي بلا شك ستُحدث نقلة نوعية على مستوى حركة الفنون البصرية، حيث حضر المحاضرة التي احتضنتها صالة الفنون البصرية بالجمعية وشهدها حضور نخبة من رواد ورموز الحركة التشكيلية السعودية يتقدمهم الفنان نبيل نجدي والفنان سامي المرزوقي والدكتور عصام عسيري والدكتورة صباح أبو زنادة والدكتورة ناهد تركستاني والفنان علي شويل. وتضمنت المحاضرة عدة محاور منها : مفهوم الفن المعاصر، ملمح تاريخي لنشأة الفن المعاصر في السعودية، ثم خصائص وسمات الفن المعاصر في السعودية مع عرض بصري تحليلي لأعمال مختارة من الفنانين السعوديين المعاصرين. وقال الدكتور جريدي: "تعددت مفاهيم وتعاريف الفن المعاصر عند نقاد الفن وفلاسفته وعلماء الجمالية، لأخرج من ذلكم بشيء مختصر وجامع، أنه هو الفن المرتبط بزمانيته الحالية؛ أي هو الفن الذي نعيشه الآن متوافقًا مع الأنماط الفكرية والجمالية الجديدة، ومنسجمًا مع رؤى الحياة الحديثة، ولغتها المتسارعة في التطور". وأضاف: "الفن المعاصر ظهر بجلاء في التكوين الفكري الفلسفي لما يمكن أن نجده في تعريف الناقد الفني (إدوارد لوسي سميث) حيث يقول: "هو فن الأنماط الفكرية" ويشير في مثاله إلى عمل الفنان جوزيف كوسيث الذي هو عبارة عن صورة لكرسي بجوار كرسي خشبي حقيقي، مما يلاحظ أن هذا العمل الفني جمع بين المعاصرة والمفاهيمية معًا، مما يثبت أن المعاصرة في الفن تكمن في الأنماط المفاهيمية. وتطرق جريدي في ثنايا حديثه إلى وصف وصفته الكاتبة (مي غصوب) وقال هو وصف أراه جيّدًا لفهم فنون ما بعد الحداثة والفن المعاصر، حين تقول إن "ما بعد الحداثة أشد انجذابًا إلى العبث"، وفي موضع آخر ربطت (مي) بين السخرية ومفهوم ما بعد الحداثة في التفسير اللغوي، وهي بالفعل نقطة مهمة وجديرة بالتأمل"، مشيرًا إلى السخرية والفوضى والعبث كونها أصبحت من سمات الفن المعاصر، " والذي اتضح في وجود المفاهيمية كخطاب بصري له سلطته على المشهد التشكيلي". وتناول الدكتور سامي لآراء عدة مفكرين "كما يقول (اندريه ريستلر) "الجمالية الفوضوية اليوم، هي جمالية فنانين، وهي انطلاق من مسلمّات فلسفة اجتماعية مخرّبة..." ، ويقول أيضًا "الجمالية الفوضوية هي نتيجة التفكير المستقبلي لدى رواد الفكر الفوضوي الحديث، وهي اتجاه جمالي لحساسية فاعلة جديدة غير متسلط، ويذكر (جان دوفينيو) "أن أكثرية مسائل الإبداع الفني في المجتمعات المعاصرة ناتجة عن الفوضوية"، وكأن الفوضى طريق آخر إلى التعبير الفني". وأوضح "أن من خصائص العمل المفاهيمي المرتبط بالهوية المعاصرة تتضح من خلال عددٍ من المفاهيم المصابة بداء الحياة مثل: الفوضى ـ جماليات القبح ـ حيز الفراغ – العدمية- العكوسية – الإلغاء ـ العبث ـ سوء التناسق ـ الضد ـ الإحساس بالضياع – التشظي - هيمنة الآلة – التفتيت، وهذا ليس دليلاً قاطعًا على أنها سمات دائمة للفن المفاهيمي بقدر ما تمثله من معايير نستطيع أن نعثر عليها في بعض الأعمال المتمردة على سياسة الأشكال الفنية، كما تهتم المفاهيمية بالصناعات والمنتجات والتطور التقني وبالتكنولوجيا الحديثة التي هي رافد فني من مدارس فنية أخرى كالدادا والمستقبلية التي هو وليدة للثورة الصناعية في أوروبا، فالآلة قتلت الإنسان وجعلته يعاني البطالة وسلبته حقوقه كإنسان فاعل في هذه الحياة، وظهرت في منتصف التسعينيات بعض المساهمات التجريبية والمواقف الفنية الجديدة التي لم يتقبلها متلقو الفن في السعودية مباشرة حتى أخذت وقتًا طويلاً لتتبلور في أذهانهم وبخاصة تلك المفاهيم المرتبطة بفنون الحداثة وما بعدها والمفاهيمية، وتضمنت هذه المساهمات التجريبية أفكارًا فنية تقترب من التشويش والعبث والفوضى والغرابة في التركيب والألوان والأشكال. وتطرق جريدي في ختام محاضرته لعدة أمور منها: - رأى بعض المتلقين أن هذه الأعمال لا تمت بصلة إلى الفن وأنها مجرد هراء وتلاعب بالخامات دون أي شيء يحملها على محمل الجدية في العمل الفني المعتاد. - يذهب بعضهم إلى أن الفن لا يكمن إلا في الجمالية التي يبثها العمل. - نسوا أن الجمالية ليست هي الأساس في كل عمل فني يقوم به الفنان مطلقًا وبخاصة الفنان المعاصر. - الإيمان بجمالية القبح هو ما يفرضه العمل المفاهيمي من اهتمامه بالقبيح، وهو ما يمكن أن نربطه بكلمة الفيلسوف الفرنسي (بول فاليري)(Paul Valery) الذي يقول: "علم الجمال هو علم الحساسية، غير أن هناك حساسية غير جمالية". - مما يؤكد وجود الفن الذي هو بمثابة حساسية في شكل آخر غير جمالي ألا وهو القبح، لأنك تنفعل وتثار عاطفيًا حينما ترى الشيء السيئ والقبيح ومناظر الدمار والفوضى وتشققات الأرض. -الاهتمام بالشكل القبيح للعمل الفني نجده بارزًا في طبيعة استخدام الفنانين السعوديين للأشياء المعاد تدويرها والمواد التالفة أمثال: بكر شيخون، صديق واصل ومحمد الغامدي، عبدالله إدريس، خالد عريج، سامي جريدي، مهدي جريبي وفاطمة وارس، عبدالرحمن السليمي، فؤاد جعفر، فهد القثامي، محمد حيدر، الذين لم تكن الجمالية المحضة ذات اهتمام خاص في بعض أعمالهم بقدر ما يتضمنه العمل من اشتماله على القبح. وشهدت المحاضرة عدة مداخلات من تشكيليين منهم الدكتور سامي المرزوقين والدكتور عصام عسيري والدكتورة صباح أبو زنادة والدكتورة ناهد تركستاني وختمها التشكيلي هشام بنجابي الذي أثنى كثيرًا على الورقة المقدمة وشكر الجمعية على دورها القيادي في النهوض بالفنون وتقديم كل العون للفنانين. وجاء تدشين الملتقى متزامنًا مع عدة ملتقيات شكلتها الجمعية سوف يتم تدشينها تباعًا، حيث أوضح مدير الجمعية محمد آل صبيح أن الهدف من الملتقيات إعادة بث الروح في أروقة المشهد الثقافي من أجل الارتقاء بالمخرجات وتجويدها.
مشاركة :