تداعيات الموقف الأمريكي بقطع المساعدات عن الأونروا

  • 9/20/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا بتعليق المساعدات التي ظلت تقدمها واشنطن على مدى العقود الماضية دعما لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. لا شك أن هذا القرار المرير سيفتح صفحة جديدة في تاريخ الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. في يوم 31 أغسطس 2018 على وجه التحديد أعلنت الإدارة الأمريكية أنها قد أوقفت المساهمة الأمريكية السنوية التي كانت تقدمها سلطات واشنطن للأونروا بقيمة 360 مليون دولار، الأمر الذي سيحرم هذه الوكالة المنبثقة عن منظمة الأمم المتحدة من ثلث ميزانيتها السنوية. أما المسؤولون الأمريكيون فقد راحوا يوجهون انتقاداتهم إلى هذه المؤسسة ويعتبرون أنها تعاني من «خلل غير قابل للإصلاح في عملها». استبقت إدارة الرئيس دونالد ترامب هذا القرار بالإعلان قبل ذلك بأسبوع عن خفض مبلغ 200 مليون دولار من حجم المساعدات السنوية المقدمة للفلسطينيين، علما بأن قرابة خمسة ملايين من أبناء فلسطين يعتمدون على وكالة الأونروا في كل شيء تقريبا من مواد غذائية أساسية ورعاية صحية وتعليم. ظل أغلب هؤلاء الفلسطينيين يعيشون في ظروف صعبة في مخيمات اللاجئين على مدى أكثر من خمسة عقود. لم تخف بقية الدول في منطقة الشرق الأوسط قلقها البالغ من العواقب الوخيمة جراء هذه القرارات الأمريكية. فقد حذر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من أن قطع المساعدات من شأنه أن يزيد في «تفاقم مشاعر اليأس، الأمر الذي سيؤدي إلى خلق بيئة خصبة لمزيد من التوترات». تؤوي الأردن أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني وقد طالب – خلال الاجتماع الذي عقد في مقر منظمة الأمم المتحدة مع كل من اليابان والاتحاد الأوروبي والسويد وتركيا – بضرورة «حشد الدعم السياسي والمالي» من أجل دعم وكالة الأونروا حتى تواصل الاضطلاع بمهمتها. ينظر إلى المساعدات التي ظلت تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أنها تمثل تعويضا عن الدور التآمري الذي لعبته في قيام دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي حول الفلسطينيين إلى أكبر شعب من دون دولة في العالم. وفي الحقيقة، فإن ذلك الفتات الذي يتم تقديمه من خلال منظمة الأمم المتحدة، يهدف إلى الإبقاء على الفلسطينيين في حالة تبعية وهدوء بما يسمح للدول الغربية بذلك، بإدارة الأزمة المزمنة التي لا ترغب الدول الغربية في العمل على حلها بكل جدية. هذا هو السبب الذي جعل الاتحاد الأوروبي يسارع إلى تقديم الوعود بالعمل على إيجاد البدائل لضمان توفير التمويلات اللازمة لوكالة الأونروا. يجب التنويه هنا إلى أن وكالة الأونروا قد لعبت على مدى العقود الماضية «دورًا حيويا في الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط» – وهو الاستقرار الذي مكّن إسرائيل من فرض هيمنتها على الفلسطينيين على مدى سبعة عقود. أما إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، فإنها قد كشفت عن نيتها الواضحة في توظيف المساعدات المقدمة لوكالة الأونروا لخدمة أجندة سياسية معينة هدفها فرض التسوية على الفلسطينيين من أجل حل الصراع مع إسرائيل. لم يخف المسؤولون الأمريكيون أيضا أنهم يريدون الضغط على الفلسطينيين من أجل إجبارهم على القبول بما يسميه الرئيس دونالد ترامب «صفقة القرن» التي يرمي من ورائها إلى إنهاء الصراع وتحقيق السلام الذي يخدم إسرائيل أكثر ما يلبي التطلعات الوطنية الشرعية الفلسطينية. يجب أن ننبه هنا إلى أن هذه القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب تحمل في طياتها في الحقيقة أجندة أكثر عمقا من مجرد السعي إلى إعادة إحياء مسار المفاوضات الفاشلة أو تكريس لامبالاة الرئيس الأمريكي بالمؤسسات الدولية. خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية، تم في الحقيقة، توظيف محادثات السلام المزعومة كمجرد غطاء من أجل إتاحة الفرصة لإسرائيل كي تتمكن من الاستيلاء على المزيد من الأراضي التي كان يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية المستقبلية. يقول المحامي الفلسطيني مايكل ترازي: «بينما كانت إسرائيل والفلسطينيون يتفاوضون حول كيفية تقاسم البيتزا التهمت إسرائيل كل البيتزا ولم تبق منها أي شيء». إذن ففريق الرئيس دونالد ترامب يعمل على إعادة هندسة «مسار السلام» لكن هذه المرة على أساس الوقائع الجديدة التي خلقتها إسرائيل منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو سنة 1993. إذا لم تقدم إسرائيل أي تنازلات فإن الرئيس ترامب سيعمد إلى تسوية مختلف قضايا الوضع النهائي – الحدود والقدس واللاجئين – بطريقة تصب في مصلحة الطرف الأقوى؛ أي إسرائيل في واقع الحال. العقبة الوحيدة التي تقف في طريق «صفقة القرن»، قد تتمثل في كيفية إجبار الفلسطينيين على القبول بها، ما يعني التفريط فيما تبقى من قضيتهم. ولعل ما يلفت الانتباه في هذه المرحلة الراهنة ذلك التناغم الكبير في المواقف بين مقاربتي واشنطن وإسرائيل حتى أن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والسفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان خطابين متشابهين خلال الأيام القليلة الماضية. ففي الخطاب الذي ألقاه في حضور كبار قادة اليهود الأمريكيين قال فريدمان: « إن نمطا مختلفا من التفكير» بات يطغى الآن على منطقة الشرق الأوسط مضيفا قوله: «لا يكفي الكلام. يجب أن تكون فقط قويا». في اليوم التالي، ردد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو نفس الرسالة تقريبا عندما قال في تغريدات على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر: «الضعيف ينهار ويتعثر. الضعيف يُباد ويُمحى من التاريخ. أما القوي فإنه يحافظ على بقائه». يبدو أن هذا الكلام مثل الوصفة الطبية التي ترسم المستقبل القاتم الذي يراد للفلسطينيين. لقد عمدت إسرائيل إلى توسيع حدودها من خلال ممارسة سياسة التطهير العرقي في الفترة بين 1948 و1967. منذ تلك الفترة قامت إسرائيل بتعبئة المستوطنين، والجيش من أجل العمل على الاستيلاء على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية. يكفي إشارة واحدة من سلطات واشنطن حتى تعمد إسرائيل إلى إضافة الطابع الرئيسي على هذه الترتيبات، ومن ثم ضم الضفة الغربية. يذكر أن الرئيس دونالد ترامب قد اعترف بالقدس عاصمة أبدية موحدة وأصدر قراره نقل السفارة الأمريكية إليها في شهر مايو الماضي؛ وحتى إذا قامت الدولة الفلسطينية الآن فإنها ستكون غير قابلة للحياة ولن تكون لها عاصمة مهمة كما أن اقتصادها لن يكون أيضا قابلا للحياة. لم تعد المسألة تتعلق بما إذا كان اللاجئون الذين يتكدسون في مخيماتهم في ظروف صعبة في لبنان وسوريا والأردن سيسمح لهم بالعودة إلى إسرائيل – بل إنه يتعلق بما إذا كان سيسمح لهم بالعودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ويكونون مواطنين تحت سلطة «الدولة الفلسطينية المستقبلية»– علما بأن حق العودة منصوص عليه في القرارات الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، والتي تعتبر حق العودة من الحقوق غير القابلة للتصرف. لكن إذا ظلت إسرائيل ترفض قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة، فإن ذلك يعني أن اللاجئين لن يتسنى لهم أبدا العودة إلى فلسطين التاريخية. يتضح من التطورات الأخيرة أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لهما خيار آخر. يتمثل هذا البديل في تفكيك دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين -الأونروا، رغم إدراكهما للدور الإنساني الحيوي الذي تقوم به. لا يخفى أيضا على أحد موجات الهجرة واللاجئين الأخيرة، والتي تعتبر نتيجة مباشرة للتدخلات العسكرية الغربية في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان.

مشاركة :