فى مثل هذا اليوم ٢٠ سبتمبر ١٩٩٩، رحلت الفنانة تحية كاريوكا عن الحياة، بعد مسيرة فنية حافلة، بدأت بميلادها فى ١٩ فبراير عام ١٩١٩، لأم تدعى فاطمة الزهراء وأب يدعى محمد على النيداني، وذلك فى قرية «المنزلة» التى توجهت إليها فاطمة عقب سفر زوجها إلى السعودية، لتقيم فى بيت شقيقها هناك.حملت منذ ميلادها اسم بدوية محمد كريم على السيد، واتجهت إلى الفن فى سن مبكرة، بعدما عانت من العنف الأسرى فى صغرها، فقررت وهى فى الرابعة عشرة من عمرها أن تهرب من البيت وتوجهت إلى محطة القطار، وحينما نزلت القاهرة توجهت رأسا إلى شارع عماد الدين، بحثًا عن مطربة وراقصة سورية اسمها سعاد محاسن، كانت قد رأتها فى الإسماعيلية ترقص بين الأطفال، فتنبأت لها بمستقبل زاهر فى عالم الرقص.لم تعثر تحية على المطربة السورية فى القاهرة، فقد كانت تقدم عروضها فى بعض مسارح الإسكندرية، فذهبت إلى الإسكندرية فعينتها سعاد محاسن «كومبارس» فى فرقتها التى كانت تقدم عروضها فى صالة «بيجو بالاس» بمرتب شهرى لا يزيد على ٣ جنيهات.حيث اكتشفتها راقصة تدعى محاسن، وفى عام ١٩٣٤ عملت كومبارس فى صالة «رتيبة وأنصاف» بعدها ذهبت إلى الممثل بشارة واكيم الذى قدمها إلى بديعة مصابني، حيث عملت هناك براتب ٦ جنيهات فى الشهر، قفز إلى ١٠٠ جنيه بعدما أصبحت الراقصة الأولى فى مصر، رشحها سليمان نجيب عام ١٩٤٠ لتقديم رقصة منفردة بعنوان «كاريوكا» التى اختارها لها مصمم الرقصات «إزاك ديكسون» من الفيلم الأمريكى «الطريق إلى ريو»، فأجادتها وارتبط اسمها بها، فكانت أول راقصة مصرية تحمل اسم إحدى الرقصات التى تؤديها، أما اسم «تحية» فقد منحته لها بديعة مصابني، لتعرف فى الأوساط الفنية والصحفية باسم «تحية كاريوكا».ولتحية باع طويل فى المعترك السياسي، فوالدها قضى بعض الوقت فى المعتقلات، وعمها قتل على يد الإنجليز، وكان لها نشاط مع الفدائيين المصريين فى الخمسينيات عرفت خلاله أنور السادات، وكانت تحية من ضمن من ساعده على الهرب.وبالرغم من أنها رقصت أمام الملك فاروق على أنغام أغنية «غنيلى شوى شوي» لأم كلثوم فى قصر عابدين، إلا أنها كانت قريبة من المثقفين والسياسيين المعارضين والكتاب اليساريين، بل إنها انخرطت فى «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى الشيوعية» «حدوتو» وحين كان الصحفى صلاح حافظ مطاردًا من المباحث العامة فى الخمسينيات لانتمائه اليساري، خبأته تحية فى بيتها.وحينما قامت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ قالت جملتها الشهيرة «ذهب فاروق وهايِجى بعده فواريق» وهى العبارة التى دفعت ثمنها ١٠٠ يوم فى سجن الاستئناف، بعد أن اتهمت مع زوجها مصطفى كمال صدقى بالانخراط فى تنظيم سياسى يسارى معادٍ للثورة. ولم يقتصر نشاط تحية على السياسة، كانت موصوفة بـ«الجدعنة» رفضت أن ترقص أمام الزعيم التركى أتاتورك لأنه أهان السفير المصرى أمامها، وفى إحدى المرات جلس أحد الأشخاص على طاولته فى «كازينو بديعة» وبهره رقصها لكنه تطاول عليها، فصفعته وعندما نهرها الأصدقاء قائلين: «هذا أمير من الأسرة المالكة» ردت متحدية «وأنا رقاصة من الأسرة الراقصة».وعندما ذهبت تحية إلى مهرجان «كان» السينمائى الدولى عام ١٩٥٦، لاحظت تجاهل وسائل الإعلام للوفد المصري، وبعد أن لبست «الملاية اللف» وجذبت الأنظار، جلست فى حفل غداء فى جوار الممثلة الأمريكية العالمية سوزان هيوارد، ولما فتحت هذه موضوع إسرائيل كادت تحية أن تأكلها بأسنانها، وعندما حاول الممثل الأمريكى دانى كاى أن يدافع عن زميلته، بصقت فى وجهه، فأسرع بالفرار من أمامها، وبعد هذه الواقعة منحها الرئيس جمال عبدالناصر جائزة الدولة عن فيلم «شباب امرأة».تربعت تحية لعقود على عرش الرقص فى مصر، ومثلت ١١٧ فيلمًا روائيًا وفى عدة أدوار مسرحية، وتزوجت ١٢ مرة وفى نهاية حياتها اعتكفت فى المساجد ولقبت بـ«الحاجة» واكتفت بورع العجائز الذين يرتقون معارج العمر الأخيرة بنسيج من حكمة النهاية والاكتفاء.
مشاركة :