تقصدت بلدية الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية (التي يرأس مجلس إدارتها معن الخليل وهو من الموالين لـ «حزب الله»)، وفي لحظة حساسة من تاريخ لبنان، الإعلان عن تسمية شارع ملاصق لموقع مستشفى رفيق الحريري الحكومي باسم مصطفى بدر الدين، وهو قائد عسكري في «حزب الله» يعتبره الحزب «شهيداً بعد مقتله في سورية عام 2016، واعتبره الادعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قبل أسبوع «المتآمر الرئيسي» في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري (2005). وكان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نهاد المشنوق نفى مساء أول من أمس أن يكون وقّع قراراً يسمح بموجبه لبلدية الغبيري بأن تطلق اسم بدر الدين على أحد الشوارع، «وهو لا يوافق على هذه التسمية وبالتالي يعتبر قرار بلدية الغبيري مرفوضاً، وأن رفضه توقيع القرار لا يمكن اعتباره موافقة ضمنية، خصوصاً حين يتعلق الأمر بخلاف سياسي يتداخل فيه الطابع المذهبي بالأمني وينشأ بموجبه خطر على النظام العام، الذي هو من أساس واجبات هذه الوزارة». وردّت بلدية الغبيري بالقول إنّ «قرار مجلس البلدية الصادر بتاريخ 14 حزيران 2017 رقم 2017 / 274 القاضي بإطلاق اسم الشهيد مصطفى بدر الدين على أحد شوارعها، قانوني وسليم وشرعي ولا غبار عليه وصادر عن مجلس بلدي منتخب». ولفتت إلى أنّ «القرار أرسل الى وزارة الداخلية وسجل لديها بتاريخ 7 آب 2017 ولم يأتِ جواب بالرفض أو القبول». وعلمت «الحياة» أن وزارة الداخلية وجهت صباح أمس، كتاباً إلى بلدية الغبيري أكدت فيه عدم موافقتها على قرار تسمية الشارع باسم بدر الدين واعتباره غير مصدق. وكان رئيس بلدية الغبيري الخليل أكد في تصريحات ليلية أن «قرار تسمية شارع باسم مصطفى بدر الدين صدر عن المجلس البلدي منذ أكثر من سنة، نظراً إلى أنه شهيد». ودافعت البلدية المذكورة عن قرارها في بيان، متذرعة «بأحكام المادة 63 من قانون البلديات»، وموضحة أنها «وجهت بتاريخ 13 حزيران/ يونيو 2018 كتاباً إلى وزارة الداخلية تعلمها فيه بأنّ قرار تسمية الشارع أصبح مصدّقاً ضمناً بعدما مرّ نحو السنة على تسجيله لدى الوزارة. وتعتبر المادة 63 أنّ القرار يصبح مصدقاً ضمناً إذا لم تتخذ سلطة الرقابة قرارها بشأنه خلال شهر من تاريخ تسجيله لديها». وقال مصدر في الداخلية لـ «الحياة» إن «تسمية الشوارع تخضع لقرار من السلطة السياسية، لأن خلفيات عائلية وعقارية واجتماعية ومذهبية وسياسية تقف خلف القرار وبالتالي تحتاج التسمية إلى موافقة سلطة الوصاية في بلد تحتسب فيه الأمور وفق هذه الحساسيات». وأشار المصدر إلى أن «هناك عرفاً أن البلديات تنتظر وزير الداخلية ليوقع القرار بالرفض او القبول، ولم يسبق أن لجأت أي بلدية في السنوات العشر الأخيرة إلى المادة 63 ولا توجد سابقة للتعاطي بهذه الطريقة لتسمية الشوارع خصوصاً أن الاسم موضع خلاف سياسي ومذهبي بين اللبنانيين، وقد يودي إلى إشكالات أمنية تهدد الامن والنظام العام والتوقيت السياسي قاتل خلال عمل المحكمة الدولية ومرافعات الادعاء والدفاع وهو استفزاز ليس وقته ولا يجوز استعمال القانون لتهديد الأمن السياسي والاجتماعي خصوصاً أن أهالي بيروت يقصدون مستشفى الحريري للطبابة». في السياق، اعتبر النائب السابق عن «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت، بعد زيارته المشنوق أنّه «ليس من المناسب، لا بالتوقيت ولا بالشكل، إعلان تسمية شارع في بيروت باسم أحد المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بغضّ النظر عما إذا كانت المحكمة الدولية ستدينه أو ستحكم ببراءته، في الحكم النهائي». وقال: «إنّ لبنان لا يتحمل أيّ عملية استفزاز من أيّ طرف، والمعروف الآن أنّ المحكمة الدولية هي في إطار النظر في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدد من الشخصيات، وموقف الجماعة هو أنّه ليس من المناسب لا بالتوقيت ولا بالشكل تسمية شارع الآن باسم مطروح في المحكمة الدولية وكان الأولى انتظار قرار المحكمة حتّى لا نستفزّ مشاعر جزء كبير من اللبنانيين يشعرون بأنّه ما دام قرار المحكمة لم يصدر فهناك حالة اتّهام ينبغي أن تتبيّن». ورأى عضو كتلة «الجمهورية القوية» النيابية زياد الحوّاط بعد لقائه المشنوق أنّ قرار بلدية الغبيري «مستنكر وناتج من خلفية فائض القوة والنظرة الفوقية التي يتعاطى بها «حزب الله» مع الدولة. فتسمية اسم أحد شوارع منطقة الغبيري باسم متهم رئيسي باغتيال رئيس حكومة سابق هو سابقة لم نشهدها من قبل في تاريخ العالم». وتابع: «أن يكون اسم شارع على مسمّى أحد المتهمين والمحكمة الدولية أكّدت اتهامه، فهذا عمل مدان من اللبنانيين والطوائف والمذاهب والاتجاهات اللبنانية لأنّه يتعلّق باغتيال رئيس حكومة كلّ لبنان الذي أنجز ثورة إنمائية». وأكّد الحوّاط «استنكار هذه التسمية، ومحاولة تهميش المحكمة الدولية بهذه التسمية»، داعياً إلى «ضرورة العودة إلى لبنان وأن يحترم «حزب الله» الشرعية الدولية ويحترم القضاء اللبناني والدولي، ونحن متعاونون لأنّه يمثل شريحة لبنانية، لكنّ المطلب الأساسي منه هو العودة إلى لبنان لبناء لبنان الذي يشبه كل اللبنانيين خارج الاستفزازات». وأعرب الحوّاط عن استغرابه «كيف تقدم بلدية الغبيري من ضمن عملها البلدي على القيام بمثل هذا العمل لأنّ التسميات تكون لأشخاص رفعوا اسم البلد عالياً وسجّلوا إنجازات تاريخية لمصلحة البلد ورفعوا اسم لبنان عالياً، ولا تكون التسميات لأشخاص متهمين في محكمة قضائية دولية».
مشاركة :