«فوستوك – 2018» رسالة روسية - صينية لأمريكا و«الناتو»

  • 9/21/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد فراج أبو النور* مناورات «فوستوك - 2018» (الشرق - 2018) الروسية هي أضخم مناورات عسكرية في تاريخ روسيا، ولا يمكن أن يقارن بها إلا مناورات «زاباد 81» التي أجراها الاتحاد السوفييتي السابق منذ 37 عاماً، ومع ذلك فإن «فوستوك - 2018» تتفوق على نظيرتها السوفييتية من حيث عدد الأفراد المشاركين فيها، (300 ألف ضابط وجندي).. كما شارك في المناورات التي استمرت من «11 - 17 سبتمبر الجاري» 36 ألف دبابة ومدرعة ومركبة عسكرية، وأكثر من ألف طائرة ومروحية وطائرة مسيّرة، وثمانون سفينة حربية وغواصة وغيرها من المعدات العسكرية المتطورة، وفي مقدمتها الصواريخ ومنظومات الصواريخ المضادة.الأمر الذي يزيد كثيراً من أهمية هذه المناورات الاستراتيجية هو مشاركة الصين فيها ب «3200» ضابط وجندي، وعدد كبير من السفن والطائرات الحربية والمدرعات وغيرها من المعدات العسكرية، «كما شاركت دولة منغوليا الواقعة بين الصين وروسيا بقوات لم يعلن عن عددها ولا تسليحها»، والواقع أن مشاركة الصين لا تقف أهميتها عند عدد الجنود أو المعدات العسكرية، بل تتخطى ذلك إلى دلالة العمل العسكري المشترك بين مختلف أفرع وصفوف القوات، بما في ذلك - وللمرة الأولى - العمل على الأراضي الروسية، فيما يشبه أن يكون إعلاناً ضمنياً عن التحالف العسكري بين الطرفين. وشمل ميدان المناورات منطقتي سيبيريا والشرق الأقصى الروسيتين شاسعتي المساحة، وامتد شمالاً حتى أطراف المنطقة القطبية الروسية، وجنوباً حتى بحر اليابان، بالإضافة إلى المناطق القريبة في المحيط الهادي. واستهدفت المناورات من الناحية العسكرية اختبار مستوى استعداد القوات المشاركة وكفاءتها القتالية، وتنسيق عمل مختلف أفرعها الصاروخية والجوية والدفاع الجوي والصاروخي، والقوات البرية والبحرية بمختلف أقسامها، بحيث تعمل كل هذه الأفرع والأقسام بصورة متناغمة على مواجهة ودحر العدو المحتمل.. كما تضمّنت عملية افتراضية بمشاركة قوات المظلات لدحر وطرد قوات معادية بفرض نجاحها في احتلال منطقة ساحلية. نقطة أخرى بالغة الأهمية تضمنتها مناورات «فوستوك - 2018» هي التدريب على نقل قوات كبيرة من غرب روسيا إلى شرقها والعكس في حالة إذا ما اقتضى ذلك تطور العمليات العسكرية وتفوق حشود العدو المحتمل عددياً.. علما أن المناورات افترضت إمكانية امتداد العمليات للمناطق المركزية من روسيا.. وإذا وضعنا في اعتبارنا مشاركة الصين في العمليات البرية للمناورات، وإذا وضعنا في اعتبارنا «ثانياً» تزايد الحشود الأطلسية تدريجياً في شرق أوروبا، والتزايد المستمر في موازنات القوات الأطلسية وأعدادها.. وإذا وضعنا في اعتبارنا «ثالثاً» أن عدد الجيش الروسي يبلغ حوالي مليون رجل، وأن مساحة روسيا شاسعة جداً «17 مليون كم2» وتعدادها «145 مليون نسمة»، وأن قدرة عدوّها المحتمل «الولايات المتحدة وبقية أعضاء الناتو» على حشد القوات هي أكبر من قدرة روسيا بكثير، فإن موسكو تكون بحاجة ماسة لامتلاك القدرة على نقل قوات كبيرة بسرعة عالية لمواجهة أية حشود كبيرة سواء على حدودها الغربية أو الشرقية.. بما في ذلك إمكانية نقل جنود حلفاء «صينيين تحديداً» إلى حدودها الغربية لمواجهة حشد أطلسي متفوق.وقد يبدو هذا احتمالاً بعيداً.. لكنه يظل قائماً من الناحية النظرية على الأقل، ويجب الاستعداد لمواجهته.. ومعروف أن العقيدة العسكرية الروسية قد تغيرت، فبعد أن كانت في العهد السوفييتي تتعهد بألا تكون البادئة باستخدام السلاح النووي، أصبحت عقيدتها العسكرية الحالية تسمح باستخدام السلاح النووي في حالة نشوء خطر جسيم على أمنها القومي وسلامة أراضيها.. «وهو ما يمكن أن يمثّله هجوم غربي بري وجوي وصاروخي كبير على حدودها الغربية.. تعجز عن صده»، لكن استخدام السلاح النووي في هذه الحالة سيكون معادلاً للانتحار لأن ضحاياه سيكونون سكان المنطقة الغربية «المركزية» من الروس إلى جانب جنود الأعداء. وبالتالي فإن صد مثل هذا الهجوم لا بد أن يكون بوسائل غير نووية.. وهنا تظهر أهمية النقل السريع لأعداد كبيرة من الجنود الروس «أو الحلفاء».. التي تضمنت المناورات التدريب عليها.. وكذلك أهمية نقل قوات كبيرة وبسرعة في حالة الهجوم على الشرق الأقصى الروسي.. وربما كان هذا ما يفسر وجود منغوليا في المناورات بالرغم من كونها دولة صغيرة «3 ملايين نسمة» وضعيفة جداً عسكرياً.. ذلك أن موقعها المهم بين الصين وروسيا، ومساحتها الكبيرة «1.5 مليون كم2» يمكن أن يقدما تسهيلات كبيرة لحركة القوات شرقاً أو غرباً، وخاصة لحركة القوات الصينية باتجاه الأراضي الروسية. ضخامة المناورات «فوستوك - 2018» والاتساع الكبير لنطاقها الجغرافي واشتراك أكثر الأسلحة الروسية تقدماً فيها، وكذلك مشاركة الصين.. كلها أمور تمثل رسالة سياسية واستراتيجية مهمة للغاية من جانب روسيا أساساً «والصين بدرجة أقل»، فهي تجيء في توقيت يشهد تصعيداً كبيراً للتوتر على الساحة العالمية، وخاصة بين أمريكا وحلف «الناتو» من ناحية وروسيا من ناحية أخرى.. إذ تتزايد الحشود الأطلسية على حدود روسيا الغربية «في أوروبا الشرقية» كماً ونوعاً.. وتتزايد الموازنة العسكرية والأطلسية بصورة غير مسبوقة من ناحية.. وتستمر العقوبات الاقتصادية الأوروبية على روسيا، من ناحية أخرى ولا تبدو لها نهاية قريبا.. بل تتعقد بسبب الاتهامات البريطانية لروسيا بشأن قضية الجاسوس «سكريبال».. كما يتزايد العداء لروسيا في أمريكا بسبب الاتهامات بالتدخل في الانتخابات الرئاسية.. وتحبط «الاستابلشمنت» محاولات ترامب لخفض التوتر مع موسكو على أسس براجماتية.. وتفرض عقوبات جديدة ضدها باستمرار.. وتشتد حملات العداء لروسيا في وسائل الإعلام والأوساط السياسية الغربية بصورة مستمرة. كما تتخذ الحرب التجارية التي أشعلها ترامب من الصين هدفاً أساسياً لها.. وتتزايد الإجراءات الأمريكية برفع الرسوم الجمركية ضد الصين كل يوم تقريباً، فضلاً عن الهجوم السياسي والإعلامي، مما جعل العلاقات بين واشنطن وبكين تشهد توتراً ملحوظاً ومتصاعداً. وبالإجمال تخيم أجواء حرب باردة جديدة على أجواء العلاقات الدولية، وخاصة بين أمريكا والناتو وروسيا من ناحية، وواشنطن وبكين من ناحية أخرى.. وتمثل الأزمة الأوكرانية موضوعاً لخلافات حادة، أما الأزمة السورية فلا تكاد الأجواء حولها تهدأ حتى تشتعل من جديد، وتتصاعد الاتهامات والتهديدات «الكيماوي، والضربة الأمريكية المحتملة». في هذه الأجواء الملتهبة أرادت روسيا أن تكون مناورات «فوستوك - 2018» رسالة قوية لأمريكا وحلفائها في «الناتو» سواء من ناحية إبراز «بل واستعراض» قوة روسيا العسكرية، بما يمثل ردعاً لأية محاولة للهجوم عليها «من بين ما تضمنته المناورات مثلاً إسقاط ثلاثين هدفاً شبحياً» بوسائل الدفاع الصاروخي الروسية.. أو من ناحية إظهار أن روسيا ليست وحدها، بل إن الحليف الصيني معها.. وهو ما كانت بكين أيضاً حريصة على إظهاره سواء بتواجدها في المناورات الأخيرة «استمراراً وتتويجاً لمناورات بحرية مشتركة امتدت من بحر الصين الجنوبي والبحر الأصغر والمحيط الهادي شرقاً إلى البحرين المتوسط والأسود»، ووصولاً إلى بحر البلطيق غرباً، أو بتصريح وزير دفاعها في موسكو بداية هذا الصيف بأن «روسيا لن تكون وحدها في أية مواجهة»، ويمثّل كل هذا قوة إضافية للرسالة التي وجهتها المناورات «فوستوك - 2018». *كاتب ومحلل سياسي. خبير في الشؤون الروسية

مشاركة :