يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم) (النور:11) جاءت هذه الآية الكريمة ضمن الآيات التي جاءت في أعقاب حادثة الإفك وهي من الآية 11إلى الآية 26من سورة النور. واللافت للنظر في هذه الآية الكريمة هو ما تحمله من تفاؤل وخير في قوله تعالى: (لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم)، لكن أي تفاؤل هذا الذي يأتي في أعقاب حادثة الإفك التي هزت مجتمع المدينة بأثره؟ وأي خير في هذه الحادثة وهي التي نالت من عدة أطراف، وهم: الرسول «صلى الله عليه وسلم» في عرض زوجته وأحب الناس إلى قلبه عائشة « رضي الله عنها»، وأبو بكر الصديق « رضي الله عنه» في أعز شيء لديه وهو ابنته، وصفوان بن المعطل « رضي الله عنه» الذي رُمي بالإفك والبهتان، وزوج النبي « صلى الله عليه وسلم» الطاهرة العفيفة أم المؤمنين عائشة « رضي الله عنها » التي رميت بالزنا وهي منه براء. والجواب عن ذلك، أن هذه الحادثة اشتملت على خير كثير للمسلمين، ومن ذلك: 1- أن الله تعالى عبر عن هذه الشائعة التي نالت من بيت النبوة بكلمة (إفك) والإفك هو الكذب والبهتان؛ أي أن القصة من أولها إلى آخرها مُختلقة لا أصل لها، وعرَّف كلمة إفك بـ(ألـ) فقال: الإفك وكأنه سبحانه يقول: الإفك الذي ليس في الدنيا غيره. 2- تبرئة أم المؤمنين « رضي الله عنها» وإكرام الله لها بإنزال الوحي في شأنها. 2- الوعيد الشديد الذي توعد الله تعالى به من جاء بالإفك، قال الزمخشري في تفسير سورة النور: ولو فلَّيت القرآن كله وفتشت عما أوعد به مِن العصاة لم تر الله تعالى قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة « رضوان الله عليها» ج 3 ص 223 الكشاف 4- تركيبة هاتين الجملتين الكريمتين اللتين وردتا في صدر المقال تُوحي بذلك: فالجملة الأولى مكونة من أربع كلمات: (لا تحسبوه شرًا لكم) والجملة الثانية مكونة من أربع كلمات: (بل هو خير لكم) والجملة الأولى فعلية مصدّرة بـ(لا) الناهية والجملة الثانية جملة اسمية مصدرة بـ(بل) التي تفيد الإضراب، ومعلوم أن الجملة الفعلية تفيد التجدد والحدوث بينما الجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار والتعبير بالجملة الاسمية أقوى من التعبير بالجملة الفعلية، وفى هذا إشارة إلى تغلب جانب الخير على جانب الشر. 5- الخير والشر في هذه الحياة أمر نسبي فليس في الحياة خير خالص ولا شر خالص لأن الخير الخالص هو نعيم الجنة والشر الخالص هو عذاب النار، ويقول الإمام ابن العربي عند تعرضه للحديث عن قوله تعالى: (لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم): حقيقة الخير ما زاد نفعه على ضره وحقيقة الشر ما زاد ضره على نفعه ، وإن خيرا لا شر فيه هو الجنة وشرا لا خير فيه هو النار ج3 ص363 أحكام القرآن.
مشاركة :