تونس - اعتبر اقتصاديون أن تغيير أساليب تقديم الدعم في تونس سيوفر أموالا للدولة هي بأمسّ الحاجة إليها لتسيير شؤونها خاصة وأن البلاد تمر بمرحلة اقتصادية حرجة وتسعى بكل جهد للخروج من نفق الأزمة بأسرع وقت ممكن. وقدمت لجنة إصلاح حكومية مقترحات تتعلق بخفض الدعم تدريجيا عن المواد الأساسية وتحويله نقدا لمستحقيه، في أحدث حلقة من حلقات معالجة الاختلالات في التوازنات المالية للدولة. وكشفت اللجنة المكلفة بمراجعة الدعم، الذي يشكل نحو 5 بالمئة من الموازنة، عن مقترح اطلعت عليه “العرب”، يتضمن تفاصيل تنفيذ الخطة وتتمثل في خفض الدعم على ثلاث مراحل تمتد كل واحدة ما بين ستة إلى تسعة أشهر. ورغم أن الخطوة جاءت متأخرة، إلا أن خبراء يرون أن الهدف من محاولات إيقاف نزيف الدعم لغير مستحقيه هو التصدي للاستغلال غير العادل للمواد المدعمة والوصول إلى الأسعار الحقيقية للمواد الأساسية مع محاصرة المهربين والمحتكرين وكبح انفلات العجز التجاري، مقابل تحويل الدعم نقدا إلى مستحقيه. وتسير تونس على خطى مصر التي أقرت في العام 2015 إيصال الدعم لمستحقيه عبر البطاقات التموينية الذكية لتقليل هدر المال العام وتقليص النفقات المتزايدة. 725 مليون دولار، قيمة الدعم في موازنة 2018 مقابل 540 مليون دولار في 2010 مع احتساب فارق أسعار الصرف ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية للمكلف بمهمة بوزارة التجارة، يوسف طريفة، قوله إن “تحويل الدعم نقدا لمستحقيه سيحد من تدهور القدرة الشرائية للمواطنين”. وسيشمل رفع الدعم سلعا أساسية في مقدمتها الحليب والزيوت النباتية والخبز والسكر والسميد ومواد العجين الغذائية وربما الوقود، إلى جانب خدمات حكومية أخرى مثل الكهرباء والماء. ويتضمن مقترح اللجنة وضع قاعدة بيانات شاملة تجمع كافة المستفيدين من التحويل النقدي، الذي لم يتضح بعد قيمته لكل أسرة. ويبلغ عدد الأسر حوالي 2.7 مليون أسرة، بحسب بيانات معهد الإحصاء. وستربط قاعدة البيانات كل أسرة مستفيدة برقم حساب بنكي أو بريدي لتحويل الأموال لها بشكل مباشر. وقد اقترحت اللجنة طريقتين لذلك. وأوضح طريفة أنه يمكن تحويل أموال الدعم بواقع أربع مرات سنويا أي كل ثلاثة أشهر، أو أن يكون الأمر مرتبطا فقط بعدد الأفراد بالأسرة الواحدة أو يكون بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة وذلك عبر احتساب مداخيل الأسرة للفرد. وتتولى جهات حكومية دراسة الحالات الاجتماعية بالتعاون بين وزارات الصناعة والتجارة والشؤون الاجتماعية لحصر تعداد الأسر ثم منحها وصولات مالية تكون في حجم استهلاكها للمواد المدعمة سنويا وبالتالي تتمكن من تخفيف العبء عن موارد الدعم على السلع الأساسية. وتأتي مراجعة الدعم الحكومي في إطار حزمة الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي تشمل تجميد الأجور وزيادة أسعار الوقود ودعم الشراكة بين القطاعين الخاص والعام وخفض عجز الموازنة وتقليص التضخم الذي يبلغ 7.5 بالمئة. عمر الباهي: إصلاح نظام الدعم سيؤدي إلى ترشيد الاستهلاك والتقليل من هدر المال عمر الباهي: إصلاح نظام الدعم سيؤدي إلى ترشيد الاستهلاك والتقليل من هدر المال وأكد عمر الباهي، وزير التجارة، خلال ندوة عقدت الأسبوع الماضي، حول “التوجهات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى لمشروع قانون المالية للعام المقبل” أن إصلاح نظام الدعم سيعمل على إيجاد نفس توعوي لدى التونسيين بضرورة ترشيد الاستهلاك والتقليل من هدر المال. وضرب الوزير مثالا يتعلق بالخبز، إذ يتلف التونسيون ملايين الأطنان سنويا رغم الرقابة الصارمة في توزيع الدقيق على المخابز. ويتوقع أن يتخطى حجم الدعم في الموازنة الحالية ملياري دينار (725 مليون دولار)، مقابل 1.5 مليار دينار (540 مليون دولار) في 2010، وذلك بالنظر لقيمة العملة المحلية في الفترتين. لكن مخصصات الدعم ليست كافية في ظل تدهور سعر صرف الدينار أمام العملات الرئيسية مثل اليورو الذي بلغ أمس، 3.29 دينار والدولار الذي بلغ سعره 2.8 دينار، إذ توجد مؤشرات على أن الحكومة تتجه لوضع موازنة تكميلية لسد العجز الكبير. وترتكز سياسة الدعم في تونس منذ سنوات على أهداف كمية في شكل نسب قصوى يتم تقديرها في مرحلة أولى لمدة خمس سنوات ضمن المخططات الخماسية للتنمية، وفي مرحلة ثانية، يتم تحيينها سنويا في إطار الميزانية. وبالتوازي مع ذلك، يتم ضبط نفقات الدعم ضمن الموازنة العامة في مستوى لا يمس بالتوازنات المالية والاقتصادية للبلاد. وقلل محللون من الأضرار التي ستترب عليها سياسة الدعم الجديدة وقالوا إنها تتماشى مع خطط الحكومة لإصلاح الاقتصاد المنهك، رغم الآثار الجانبية التي سيخلفها هذا الإجراء. ويعيب البعض من عدم ربط تونس أسعار الوقود بالأسواق العالمية كما تفعل الإمارات والمغرب لكي لا تتأثر الموازنة، خاصة وأن أسعار الخام ارتفعت منذ بداية العام لتتجاوز حاجز 70 دولارا للبرميل، في حين اعتمدت الموازنة سعرا يقدر بـ54 دولارا للبرميل. وتكافح الحكومة من أجل تحقيق مطالب المانحين لإصلاح اقتصادها وخفض العجز في موازنتها، والذي يتوقع أن يبلغ 4.6 بالمئة هذا العام، مقارنة مع 6 بالمئة في الموازنة السابقة.
مشاركة :