في العلاقات البينية بين الدول، ثمة أمثلة تصلح كنموذج للإخاء والمحبة والصداقة والتواصل والتضامن في السراء والضراء بين طرفيها سواء على مستوى الحكام أو الشعوب او مكوناتهما الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ومن بين أبرز هذه الأمثلة وأسطعها العلاقات الوطيدة القائمة بين المملكة العربية السعودية وشقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي يعود تاريخها إلى حقب تاريخية بعيدة سابقة لقيام الكيانين السعودي والإماراتي بشكليهما الحالي. ولعلنا لا نبالغ لو قلنا إن هذه العلاقات تجاوزت التضامن والتعاون إلى الانصهار والتكامل على المستويين الرسمي والشعبي بسبب عوامل الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك والمصير الواحد والمواقف السياسية المتطابقة من القضايا الإقليمية والدولية، معطوفة على عوامل النسب والمصاهرة والقربى والروابط القبلية. والمتمعن في العلاقات الإماراتية ــ السعودية او الدارس لها سيكتشف الكثير من المنعطفات التي اثبتت ما ذهبنا إليه، بل سيجد نفسه أمام حالة أشبه ما تكون باندماج روحين في جسد واحد، وستقابله محطات تاريخية برهنت على وقوف البلدين دوما إلى جانب بعضهما البعض لرد كيد الأعداء وإفشال المخططات الرامية إلى ضرب وجودهما ومصالحهما المشتركة، ولعل أقرب الأمثلة في هذا السياق تكاتفهما معاً لإعادة الشرعية إلى اليمن الشقيق والحفاظ على عروبته من الدنس الإيراني ومخططات نظام ولاية الفقيه في طهران، ومن قبل ذلك تضامنهما قلباً وقالباً في عام 2011 مع شقيقتهما الصغرى، مملكة البحرين. حيث تجلى أسمى معاني التعاضد والمساندة الإماراتية السعودية للبحرين وقيادتها وشعبها في القرار الحكيم والحاسم والوقفة الشجاعة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه وشقيقه سمو رئيس دولة الإمارة العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله ورعاه تجاه الأزمة التي مرت بها البحرين في فبراير 2011 حينما حاولت مجموعة من البحرينيين الخارجين على الصف الوطني العربي التآمر ضد وطنها عبر استنساخ موجة ما ســُمي بـ«الربيع العربي»، فكانت القيادتان الإماراتية والسعودية لها بالمرصاد من خلال تفعيل الاتفاقيات الأمنية الثنائية الموقعة بين البلدان الثلاثة أو الاتفاقيات الجماعية الموقعة تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي حفظت أمن واستقرار البحرين وسلامة مواطنيها وحماية وحدتها الوطنية وسلامة المقيمين على أرضها الطيبة. ولا يستطيع الباحث أن يمضي، وهو يتحدث عن العلاقات الإماراتية ــ السعودية، دون أن يتوقف طويلاً عند حقبة مفصلية في تاريخ هذه العلاقات، وهي الحقبة التي جندت فيها الرياض كل طاقاتها الدبلوماسية في عهد المغفور له الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز (1964ــ 1975)، بالتعاون مع الكويت من أجل الدفع باتجاه تشكيل الاتحاد السباعي ما بين إمارات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة (ورأس الخيمة لاحقاً)، بعدما فشلت مساعي إقامة الاتحاد التساعي. فمع اقتراب انسحاب بريطانيا من شرق السويس وإلغاء معاهدات الحماية مع مشيخات وإمارات الخليج العربي، ومع استمرار أطماع وتهديدات إيران الشاهنشاهية في المنطقة، كان لا بد للرياض، ومعها الكويت، من القيام بجهد دبلوماسي وسياسي جبار ورحلات مكوكية على المستويين الاقليمي والدولي فكان أن أثمرت تلك الجهود في عام 1971 عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة ككيان عربي مستقل خالص مكون من وحداته السبعة من جهة، ومن جهة أخرى صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 278 الذي اتخذ بالإجماع في جلسته رقم 1536 المنعقدة في 11 مايو 1970، حول تأكيد عروبة وسيادة البحرين وشرعية نظامها الخليفي. ومما يجدر بنا ذكره في هذا المقام أن الرياض قامت بما املاه عليها واجبها العربي والاسلامي والاخلاقي دون أن تنظر إلى صغائر الأمور، هي التي كانت لديها حينئذ بعض المشاكل الحدودية الصغيرة من صنع المستعمر البريطاني مع إمارة أبوظبي. وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز وشقيقه المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه تم تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين على أمتن الأسس وأكثرها قوة وصراحة وشفافية. وقد لعبت شخصيات خالدة في تاريخ الدبلوماسيتين الإماراتية والسعودية من أمثال المرحوم عمر عباس السقاف الوكيل الأول لوزارة الخارجية السعودية ورجل الملك فيصل للمهمات الصعبة، ومعالي أحمد خليفة السويدي أول وزير لخارجية دولة الإمارات والساعد الشخصي لسمو الشيخ زايد دوراً لا ينكر في تأسيس وتعزيز علاقات البلدين والشعبين الشقيقين. وها نحن نرى أن ما بناه الرجال الأوائل أينعت ثماره اليوم من خلال صور شتى، إن كانت أحد صوره هي المشاركة بالمال والرجال والدم والقدرات الدفاعية في الحرب ضد الارهاب وممثليه وكياناته وانشطته ودوله وشركاته واحزابه أينما تواجدت، وإن كانت صورته الأخرى هي تعضيد اقتصاديات بعض الدول العربية الشقيقة كي تقف على قدميها وتمضي في مشاريعها التنموية سدا لتدخلات قوى الشر والفتنة، فإن صورته الثالثة تجلت في اتفاق الدولتين قبل أعوام قليلة مضت على قيام لجنة عليا مشتركة، برئاسة وزيري الخارجية في البلدين «تعمل على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين، للوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمناً واستقراراً لمواجهة التحديات في المنطقة، وذلك في إطار كيان قوي متماسك يعود بالخير على الشعبين الشقيقين، ويدعم مسيرة العمل الخليجي المشترك». لقد فطنت القيادتان الحكيمتان في السعودية والإمارات إلى ان المخططات المعادية للمنطقة ولأنظمتها الشرعية، سواء أكانت من تنفيذ بعض الأدوات المحلية العميلة أو من صياغة وتنفيذ قوى إقليمية شريرة تفرض عليهما، خصوصا في هذه المرحلة التي يعتري فيها الضعف والهوان العالم العربي، ضرورة أن تتصدر المشهد العربي ليس سعياً وراء أحلام القوة والعظمة، وإنما استثمار لما تمثله الدولتان معاً من قوة روحية وثقل اقتصادي ووزن عسكري وذراع اعلامي في طرح رؤى وطنية تحمي المنطقة ضد ما يحاك لها من الارهابيين الشيعي والسني معاً.
مشاركة :