تقلبات عديدة وقصة كفاح ومعاناة عاشها النجم الراحل جميل راتب، لكنها رسمت طريقه إلى السينما ومنها سريعا إلى قلوب المشاهدين، بأدوار تنوعت بين الأرستقراطية والشر والشعبية، بأداء صادق وصوت رخيم ميزه عن نجوم جيله. لكن الأشهر الأخيرة من حياة راتب التي عانى فيها المرض، فقد خلالها رويدا واحدة من أهم ميزاته، الصوت، ليبتعد عن المشهد الفني دون أن يغادر أذهان السينما. وكان الفنان الراحل قد تعرض لوعكة صحية أثرت على أحباله الصوتية، حيث سافر إلى فرنسا لتلقي العلاج ثم عاد إلى مصر الشهر الماضي. وأهلت طبقات الصوت المميزة راتب، للمشاركة في الأداء الصوتي لعدد من الأعمال الفنية، ولا أحد ينسى دوره في النسخة المدبلجة إلى العربية من فيلم «عمر المختار»، حيث لعب «صوت» توميلي الضابط الإيطالي صاحب الشخصية الصارمة. توقّع البعض أنّ «الفرنسية» هي جنسية جميل راتب، نظرًا لتردّده على فرنسا بشكل كبير، وأُشيع كذلك أن والدته من أصول فرنسية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالعديد من جمهوره كان يظن أنّ جميل راتب مسيحي الديانة، إلا أنّ البعض أبدى اندهاشه عبر «تويتر» بعد علمه بأن الفنان الراحل مُسلمًا، وذلك بعد أن أعلن مدير أعماله هاني التهامي، أن جنازة الراحل ستخرج من مسجد الأزهر الشريف. ولد راتب عام 1926 بالقاهرة لأبوين مصريين ينتميان إلى عائلة أرستقراطية، حلمت بأن يعمل في السلك الدبلوماسي بخلاف رغبته الشخصية، حيث كان يرى أنه «لا ينتمي لهذه الطبقة البعيدة عن الشعب»، ووصف نفسه بـ«الخجول الانطوائي». جميل راتب الذي تزوج من سيدة فرنسية لم يرزق بالأبناء، ويبدو أن الأمر كان مقصودا من ناحيته، خاصة أنه تحدث عن ذلك في لقاء تلفزيوني سابق ظهر فيه قبل عامين.وأكد أنه تزوج من سيدة فرنسية مسيحية، وكان هناك احترام متبادل بينهما، حيث تحترم هي ديانته التي يعتنقها، وهو نفس الأمر الذي يبادلها به. إلا أنه أشار إلى كون الصعوبة كانت ستظهر في حال كان لديهم أولاد، حيث كانت زوجته تفضل أن يكون أبناؤها على نفس ديانتها، وهو ما علق عليه قائلا «ده كان هيبقى سبب نقاش بينا احنا الاتنين». وأشار إلى أن مشروع الأبناء كان صعبا ومؤجلا بسبب هذا الأمر، كما أنه لم يرغب بعد هذه الزيجة في الارتباط بسيدة أخرى وإنجاب الأبناء منها، حيث كان يرى أن أهم أمر في حياته هو الفن، وهو ما كان يكتفي به. وأوضح راتب أن مشواره الفني الطويل كان صعبا للغاية، وكان يستحوذ على كل تفكيره، معتبرا أن المرأة الفرنسية أزماتها أقل من المرأة المصرية، خاصة الأزمات الاجتماعية. وقدم خلال مسيرته الفنية 67 فيلماً سينمائياً. درس في جامعة الحقوق الفرنسية في مصر، وبعد السنة الأولى سافر إلى باريس لإكمال دراسته لكنه غير خط سيره في عاصمة النور، حيث نمى هوايته في التمثيل وصقلها بالدراسة وقرر إكمال حياته المهنية في هذا المجال. ولم تكن رحلة راتب في فرنسا فنية فقط، بل امتزجت بالكفاح والشقاء، حيث عانى كثيرا، حسبما اعترف، بسبب انقطاع المصروف الذي اعتاد أهله على إرساله له، لدى علمهم بأنه اتجه للتمثيل وترك السياسة، وقال إنه اضطر للعمل في عدة مهن منها المترجم والنادل وحمال الخضراوات لتدبير مصروفاته الشخصية. وارتباطا بفرنسا بدأ راتب مشواره الفني الحقيقي، حيث كان أول عمل يشارك فيه فيلم «أنا الشرق» من بطولة الممثلة الفرنسية كلود جودار، وجورج أبيض وحسين رياض وتوفيق الدقن. وفي فرنسا قدم 75 عملا بينها 15 فيلما، وساعده إتقان اللغات الأجنبية في المشاركة ببعض الأفلام العالمية مثل «لورانس العرب» عام 1962، أما العمل الذي يعد نقطة تحول في مسيرته فهو فيلم «الصعود إلى الهاوية» عام 1978، وحصل من خلاله على جائزة أفضل دور ثان وسلمها له الرئيس المصري الراحل أنور السادات. ومن أبرز الأفلام التي شارك فيها «قاهر الزمن»، و»البداية»، و»ولا عزاء للسيدات»، و»الكيف»، و»كش ملك»، و»طيور الظلام»، كما خاض تجربة الإخراج المسرحي، فقدم مسرحيات منها «الأستاذ»، و«زيارة السيدة العجوز» و»شهرزاد». وكان دور تاجر المخدرات «سليم البهظ» الذي أداه في فيلم «الكيف» الذي يعد أحد أبرز الأعمال الفنية في تاريخ السينما المصرية، واحدا من أقرب الأعمال لقلوب جماهير جميل راتب، حيث عكس شخصية مغايرة تماما لما قدمه سابقا. وقال راتب في مقابلة سابقة، إنه استمتع كثيرا بأداء الدور لأنه «بعيد عن شخصيته»، مضيفا: «أنا أمثل دور شخص آخر غيري. أحب معايشة الأدوار المختلفة». كما لعب راتب أدوارا مهمة في العديد من الأعمال التلفزيونية، من أبرزها «رحلة المليون»، و»الزوجة أول من يعلم»، و»أحلام الفتى الطائر»، و»الراية البيضاء»، و»يوميات ونيس»، و»شمس»، و«حارة اليهود». وكان آخر ظهور فني له في مسلسل «بالحجم العائلي» مع الممثلين يحيى الفخراني وميرفت أمين، الذي عرض في رمضان 2018. تم تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي عام 2005. وتم تكريمه من نقابة المهن التمثيلية عن جميع أعماله عام 2015. وفي عام 2016، حصل على تكريم من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي في دورته الـ 33. وفي عام 2017 كُرِّم في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية فى الدورة السابعة له. وكان آخر تكريم له في العام الحالي من منظمة الأمم المتحدة للفنون خلال احتفالها بعيد الأب.
مشاركة :