سباق محموم بين 3 شركات خاصة للاستثمار في صناعة الفضاء

  • 9/23/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

بدأ سباق الفضاء بين الولايات المتحدة وروسيا بصوت صافرة من القمر الصناعي الروسي سبوتنيك قبل 61 عاما تقريبا، وبالتحديد في 4 تشرين الأول (أكتوبر) 1957، وانتهى الأمر بمصافحة في الفضاء بين الروس والأمريكيين بعد 18 عاما فقط، وكانت تلك المصافحة بداية لعقود عديدة من التعاون الدولي في الفضاء. وكانت تلك ملامح المرحلة الأولى من سعي القوى العظمى لاكتشاف عالم الفضاء، وهو سعي قادته الحكومات منفردة لا ينافسها فيه منافس من قريب أو بعيد، واعتبر حينها كل ما يتعلق بالفضاء سرا من أسرار الأمن القومي يجب أن يحاط بالأسوار والحراس. ويبدو أن الاستثمار في الفضاء هو خطة أثرياء العالم المقبلة، فقد شهد العقد الأخير تغيرات كثيرة، ظل معها بلوغ الفضاء مفخرة قومية، مليئة بالجهد والمعلومات التي يجب أن تحظى بالسرية، لكن أبرز التغيرات التي طرأت على البيئة الفضائية واختراقها أنها لم تعد حكرا على الوكالات الحكومية، إذ دخلت الشركات الخاصة مجال الاستكشافات الفضائية، وباتت قوة رئيسية تدفع القطاع للأمام بقوة أكبر وبسرعة تفوق كثيرا الوضع إذا ما ترك حكرا وامتيازا حكوميا فقط. ويمكن الجزم حاليا بأن سباقا جديدا في الفضاء قد بدأ، لكنه هذه المرة بين الشركات الخاصة ضد بعضها البعض من جهة، وضد الهيئات الحكومية من جهة أخرى، وبخلاف المرحلة الأولى من المنافسة حيث الهيمنة والسيطرة هي الهدف، يدفعها في ذلك صراع أيديولوجي عنيف، فإن المنافسة الآن يدفعها الربح باقتناص العملاء بدلا من الرغبة في إظهار الهيمنة من خلال كونها أول من يحقق هدفا معينا، وبالتالي فإن السؤال من اللاعبين الرئيسيين، هو: إلى أي مدى يمكنهم تغيير العلم والتكنولوجيا والسياسة في سعيهم لاستكشاف الفضاء؟ وربما تمثل نقطة الانطلاق الأولى، فمعظم إن لم يكن جميع الشركات الخاصة التي يمكنها أن تأخذ البشر في رحلة إلى الفضاء الخارجي تتمركز في الولايات المتحدة. الدكتور إيان سوري أستاذ علوم الفضاء في جامعة كامبريدج يعتقد أن "احتلال الولايات المتحدة هذا الموقع ينبع في الأساس من امتلاكها البنية الأساسية والقدرات المعرفية لتعزيز دور الشركات الخاصة في استكشاف عالم الفضاء، لكن الأهم أن البنية الاقتصادية ومنظومة الأفكار الموجهة للنشاط الاقتصادي تدعم عمل الشركات الخاصة في مجال الفضاء". ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "هناك فرقا كبيرا بين بناء وإطلاق الأقمار الصناعية من مدار الأرض المنخفض وبين إرسال الأطقم البشرية والبضائع إلى محطة الفضاء الدولية، فالجانب الأول يوجد في كثير من الدول وبعضها دول ناشئة مثل الصين والهند، أما إرسال البشر والبضائع إلى الفضاء الخارجي بمعدلات كبيرة فلا يوجد إلا في الولايات المتحدة". وفي الواقع، فقد انخرط عديد من الشركات الخاصة في كثير من الدول في سوق الأقمار الصناعية منذ سنوات، ولا شك أن ذلك مثل مساهمة ملموسة في تطوير استكشاف الفضاء عبر المؤسسات غير الحكومية، والأهم هو في تحديد مسار للمستثمرين بتعزيز رؤيتهم ومعرفة حجم الموارد المطلوبة لتطوير أنشطتهم المستقبلية للاستثمار في الفضاء. وينصب اهتمام عديد من الشركات الخاصة وتحديدا في أمريكا اليوم على رحلات الفضاء البشرية، وفي هذا الإطار توجد ثلاث شركات حاليا تحتل قصب السبق في سباق الشركات الخاصة لـ "خصخصة" الأنشطة الفضائية، وتلك الشركات هي "سبيس إكس" و"بلو أوريجين" و"فيرجين جالاكتيك"، لكن المنافسة بينها لا تنفي أن جميعها تشترك في هدف واحد وهو خفض تكلفة الوصول إلى الفضاء بالنسبة إلى الأشخاص غير المدربين. البروفيسور هايدن هاريس أستاذ الفلك والاستشاري الأسبق في هيئة الفضاء البريطانية يعطي "الاقتصادية" لمحة عن مسيرة أكبر ثلاث شركات خاصة في عالم الفضاء. ويقول هاريس، "إن شركة سبيس إكس تأسست في عام 2002 على يد إيلون ماسك بهدف إحداث ثورة في تكنولوجيا الفضاء عبر تمكين البشر من العيش على كواكب أخرى، ولهذا تخصصت في تصميم وتصنيع وإطلاق الصواريخ وباتت شركته تمثل تحديا مباشرا لتحالف "بوينج"، و"لوكهيد مارتن"، أصحاب عقد إطلاق صواريخ ناسا". ويضيف هاريس، "إن "سبيس إكس" نجحت بالفعل في تطوير مركبة إطلاق فالكون 9، ومركبة فضاء التنين، بحيث أصبحت أول شركة تجارية ترسو لها مركبة فضائية في محطة الفضاء الدولية وذلك عام 2012، وتخطط "سبيس إكس" لإرسال رواد فضاء للمريخ بحلول عام 2023". أما الشركة الثانية وهي "بلو أوريجين"، فيقول هاريس، "إنها تأسست عام 2002 على يد جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون، فهدفها العام هو تحقيق الأرباح من خصخصة الفضاء، لكن طموحها مختلف عن "سبيس إكس" إذ تهدف إلى إنجاز رحلات فضائية بشرية مدارية بشكل تجاري". ويؤكد هاريس، أن هدفها هو تنظيم رحلات سياحية في الفضاء، وهو نفس الهدف الذي أسست من أجله شركة "فيرجين جالاكتيك" لرجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، صانع إمبراطوريتها، لكن الفرق بين ما يطرحه والآخرون هو أن عملية الإطلاق إلى الفضاء لا تتم من الأرض، إنما من طائرة نفاثة". وفي ظل تلك التطورات يبقى التساؤل: هل تقف البشرية على أعتاب مرحلة جديدة من "الاقتصاد الفضائي"؟ الدكتورة تيريزا هاي مي أستاذة الاقتصاد الدولي، تعتقد أنه من المبكر بعد الحديث عن "الاقتصاد الفضائي"، لكن في المقابل يمكننا القول إن البذور الأولى لهذا الاقتصاد قد بذرت، وستنمو بمعدلات سريعة بحلول منتصف القرن الحالي. وتوضح لـ "الاقتصادية"، أن ميزة دخول القطاع الخاص إلى استكشاف الفضاء أنه يتضمن اعترافا بدور شركات التكنولوجيا الفائقة في تسريع معدلات النمو في "الاقتصاد الفضائي"، وأهمية تعزيز المنافسة في هذا القطاع أنها ستسهم في خفض الأسعار. ومع هذا، تشير هاي مي إلى نقطة مهمة يجب أخذها في الحسبان عند وضع الأسس الدولية للاقتصاد الفضائي، إذ تؤكد أن "المعاهدات الراهنة تنص على أن الدولة التي تطلق مسبارا فضائيا أو قمرا صناعيا، قد تدفع تعويضا عن أضرار الحوادث.. إلا أن تكاليف استكشاف الفضاء فلكية، وإذا أطلقت شركة خاصة مركبة فضائية من منصة إطلاق موجودة في دولة فقيرة في محاولة لخفض التكلفة، وأخفقت تجربة الإطلاق على سبيل المثال ونجم عنها ضحايا فإن الدولة تتحمل التعويضات، وقد يؤدي هذا بالبلدان الفقيرة إلى الابتعاد عن الاقتصاد الفضائي، ولهذا يجب أن تتحمل الشركات الخاصة التكلفة وليس البلدان المطلقة". وربما أدى شعور كثير من المستثمرين بأن الاستثمار في شركات الفضاء الخاصة تجربة استثمارية ناجحة، كان أحد الأسباب وراء ضخ 3.9 مليار دولار من المستثمرين في شركات الفضاء الخاصة العام الماضي. ويعتقد المختصون أن رؤوس الأموال ستتدفق بقوة على شركات الفضاء مستقبلا، حيث قدر حجم رؤوس الأموال التي ضخت خلال الربع الأول من هذا العام كاستثمارات في شركات الفضاء الخاصة نحو مليار دولار، حصلت شركة "سبيس إكس" على نصفها تقريبا. ويشير تقرير لشركة "سبيس إنجلز" الاستثمارية إلى أن "عام 2017 يعد بالنسبة إلى عالم الفضاء عام الإطلاق التجاري بامتياز، حيث كان مقدار رأس المال المطروح نقطة تحول رئيسية وأسهم في تحقيق 37 عملية إطلاق تجارية للفضاء". ويفسر ذلك لـ "الاقتصادية"، إل دي جورج الباحث في شؤون الفضاء قائلا، "إن العقود الثلاثة المقبلة ستشهد قفزات غير مسبوقة بالنسبة إلى الشركات الخاصة العاملة في مجال الفضاء، خاصة في مجال إطلاق الرحلات التجارية والسياحية للفضاء الخارجي والكواكب الأخرى". وتشير تقديرات "بنك أوف أمريكا ميريل لينش" إلى أن قيمة صناعة الفضاء ستصل إلى 2.7 تريليون دولار خلال الثلاثين عاما المقبلة، بينما لم تتجاوز اليوم 350 مليار دولار. وستسهم القدرة التنافسية المتزايدة لعملية الإطلاق في تحقيق سعر أكثر عدلا، فبحلول عام 2025 ستبلغ تكلفة إطلاق أسطول من الصواريخ الفضائية من زنة 500 ألف كيلو جرام، 6.6 مليار دولار للصواريخ الحكومية، و4.2 مليار دولار للصواريخ التجارية، و2.4 تريليون دولار للقطاع الخاص. وهذا يعني أن المنافسة ستؤدي إلى خفض تكلفة الإطلاق بفضل مشاركة القطاع الخاص ورؤوس أموال المستثمرين التي سيتم ضخها في هذا القطاع الواعد. ويتوقع "بنك أوف أمريكا ميريل لينش"، مزيدا من التقدم البشري في صناعة الفضاء خلال العقود القليلة المقبلة، قائلاً "نحن ندخل حقبة مثيرة في الفضاء". وكان بنك مورجان ستانلي قد توقع أن تصل استثمارات صناعة الفضاء إلى 1.1 تريليون دولار بحلول عام 2040. واعتبر بنك أوف أمريكا أن انخفاض تكلفة الوصول إلى الفضاء دفع الكثير للدخول في سوق الفضاء، إضافة إلى تسارع نمو سوق القطاع الخاص، فضلا عن اتجاه نحو 80 دولة للاستثمار في المجال

مشاركة :