سناء الوسلاتي | مع استعداد تونس لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية العام المقبل، عصفت بالساحة السياسة التي تضم أكثر من 200 حزب، رياح عاتية بسبب خلافات وانشقاقات واستقالات أدت إلى تشظي أحزاب من السلطة والمعارضة وتشكيل تكتلات جديدة، وذلك وسط صراع معلن بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحزبه «نداء تونس» الذي اتهمه بشق وحدة الأحزاب، بالإضافة إلى صراع آخر بين رئيس الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل. وبعد أن كانت الكتلة الأولى في البرلمان بـ58 نائباً، تراجع عدد نواب كتلة «نداء تونس» خلال أشهر إلى المرتبة الثانية بسبب استقالة جماعية لـ 33 عضوا شكّلوا فيما بعد كتلة «الحرة لمشروع تونس». وجاءت هذه الاستقالات جراء خلافات بين الأمين العام السابق للحزب محسن مرزوق، والمدير التنفيذي الحالي للحزب نجل الرئيس حافظ قائد السبسي، ويمكن القول إن رئيس الحكومة يوسف الشاهد ساهم فيها بطريقة غير مباشرة، حيث كلفه آنذاك الرئيس الباجي قائد السبسي بتشكيل لجنة لحل الموضوع، ولكنه رجح كفة نجل الرئيس على حساب مرزوق ورفاقه، ثم انفصل في وقت لاحق عدد من قياديي الحزب وأسسوا أحزاب معارضة، منها «المستقبل» و«بني وطني» و«تونس أولا». ومؤخرا تراجع الحزب إلى المرتبة الثالثة بـ42 نائبا بعد حركة «النهضة» وكتلة «الائتلاف الوطني»، بسبب تواصل نزيف الاستقالات بالتزامن مع معركة كسر عظم داخلية بين نجل السبسي ويوسف الشاهد ليشهد البرلمان ظهور كتلة جديدة غالبية نوابها من المغادرين لتوهم سفينة «النداء» تحت مسمى «الائتلاف الوطني» التي تشكّلت حديثا لدعم الشاهد الذي جمّد «نداء تونس» عضويته تمهيدا لعرضه على لجنة النظام، واتهمه بـ «الانشغال بالمناورات السياسية وشق وحدة الأحزاب والكتل البرلمانية، بدلًا من التركيز على مشاكل البلاد». وفي وقت ترك الشاهد الباب مفتوحا أمام إمكانية دخوله الاستحقاق الرئاسي، رغم مطالبة السبسي له بعدم الترشح، واشتراط «النهضة» مواصلة دعمه مقابل عدم ترشحه، أشار مراقبون إلى أن الشاهد يسعى إلى كسب الوقت قبل الاستقالة والتفرغ لمشروعه الرئاسي، وسط إشارات تؤكد أنه أصبح منافسا قويا لنجل السبسي الطامح لخلافة والده في قصر قرطاج. صخب وفوضى ووسط تبادل اتهامات في «النداء» بين المغادرين الذين اعتبروا أن الحزب يدار بـ «عقلية المزرعة العائلية» وبين الباقين الذين أشاروا إلى ممارسة الراحلين «السياحة الحزبية»، انتهى الأمر في حزب «حراك تونس الإرادة» بقيادة الرئيس السابق والمرشح السابق في الانتخابات الرئاسية المنصف المرزوقي قبل أن تبدأ لعبة الانتخابات، حيث وجد المرزقي نفسه وحيدا بعد استقالة جماعية لأكثر من 80 قياديا ومؤسسا في الحزب، بينهم نواب، ما يعني انهيارا كاملا للحزب، ولكن هل يمكن أن يكون للشاهد يد في هذه الاستقالات؟ وفي حال عدم وجود أي علاقة له بها هل سيسعى لاستمالة المنسحبين من حراك المرزوقي في صفه لزيادة عدد داعميه في البرلمان؟ وسط هذه الظروف ينتظر الشارع خطاب السبسي الأسبوع المقبل الذي من المرجح ان يطرح خلاله مبادرة لانهاء الأزمة الحكومية في حال اتفق مع «النهضة» بشأن موقفها من تجديد الثقة للحكومة، مع العلم أنها أكدت في وقت سابق دعمها للاستقرار الحكومي. وفيما أشار مراقبون إلى أن هذه الاستقالات في صفوف الأحزاب تشير إلى أن الكثير من الأحزاب بنيت على المنفعة الشخصية، اعترف حزب المرزوقي في بيان «بصخب وفوضى داخله، وداخل العديد من الأحزاب، وداخل النظام نفسه»، مشيراً إلى مرحلة حساسة تتبع كل الثورات، قبل أن تكمل التنظيمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مسارها المضطرب، وتصل إلى توازنات جديدة تحقّق أعلى درجة ممكنة من الانسجام والاستقرار والفعالية. في المقابل، وجه أعضاء الحزب المستقيلون اتهامات للمرزوقي بتلقي أموال، وتسخير الحزب لخدمة أهداف قوى إقليمية ودولية، والارتهان لتعليمات من الخارج، في اعترافات تؤكد أن التورّط الحزبي في الموالاة الخارجية لم تعد مجرد تخمينات أو تُهما تلقى جُزافا في إطار معارك سياسية لتشويه الخصوم، وفي هذه الحالة فإن تشظي الأحزاب لا يعود فقط إلى طموحات سياسية ومساع للمنفعة والنفوذ ولكن أيضا بسبب الاصطفاف والانحياز والتبعية إلى محاور اقليمية ودولية أخرى وهذا الأمر ليس بجديد داخل الساحة التونسية وسط حديث شعبي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عن نفوذ فرنسي وأميركي وإيطالي وحتى بريطاني داخل تونس بالإضافة الى دول أخرى عربية واقليمية. والاستقالات التي يرى الكثيرون أنها طبيعية وعادية باعتبار أنها نتاج للديموقراطية، إلا أنها أصبحت مقلقة لتزامنها مع أزمة اقتصادية واجتماعية مع إعلان اتحاد الشغل عن إضرابين في 24 أكتوبر و22 نوفمبر المقبلين، وذلك مع قرب تنظيم انتخابات عامة في 2019، الأمر الذي يحتاج إلى الاستقرار، خصوصا أن تونس عرفت 10 حكومات خلال ثماني سنوات.
مشاركة :