تعرض الحرس الثوري الإيراني، القوة العسكرية الأقوى والأكثر تسليحا داخل إيران، إلى ضربة قاسية عقب هجوم مسلح بمدينة الأحواز. وفي الوقت الذي شكك هذا الهجوم في قدرات المؤسسة الإيرانية العسكرية، تزداد ضغوط الداخل على النظام الإيراني بسبب قمعه المتواصل للأقليات أمام سأم الإيرانيين من تدخل بلدهم بشكل فوضوي وتخريبي في شؤون الدول المجاورة. طهران - وجّه هجوم دام على عرض عسكري للحرس الثوري الإيراني ضربة قاسية للمؤسسة الأمنية في إيران، التي دأبت على القول إن باستطاعتها التصدي لأي تهديد بغض النظر عن حجمه حتى إن كان من الولايات المتحدة وحليفتها الرئيسية في الشرق الأوسط إسرائيل. وأظهر هجوم السبت، وهو أحد أسوأ الهجمات التي يتعرض لها الحرس الثوري، أن هذه القوة الإيرانية التي تقع تحت إمرة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي مباشرة، يمكن أن تكون عرضة لعمليات على طريقة حرب العصابات. وتمتعت إيران باستقرار نسبي مقارنة بجيران عرب لها عانوا اضطرابات سياسية واقتصادية بعد انتفاضات شعبية عام 2011. وتوعد الحرس بالرد على الهجوم. من المسؤول؟ ألقت إيران باللوم في الهجوم على الولايات المتحدة وجيران عرب لها في الخليج، لكنها لم تقدم أدلة. وأعلنت حركة معارضة من أصول عربية في إيران، وتدعى منظمة المقاومة الوطنية الأحوازية، مسؤوليتها عن الهجوم. وتسعى المنظمة لتأسيس دولة مستقلة في إقليم خوزستان الغني بالنفط. كما تبنى تنظيم الدولة الإسلامية هجوم السبت وأعلن في السابق مسؤوليته عن هجوم على البرلمان الإيراني وضريح آية الله روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في 2017 مما أسفر عن سقوط 18 قتيلا. ولم تقدم الحركة والتنظيم دليلا على ضلوعهما في هجوم العرض العسكري. وكانت قناة “إيران انترناشونال” الفضائية بثت السبت إعلان تبن باسم “الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية”، لكن هذه المجموعة الانفصالية التي تطالب “بحق تقرير المصير والحرية والاستقلال”، نفت في بيان على موقعها الإلكتروني أي تورط في الهجوم، واتهمت سلطات طهران بالسعي إلى شغل الناس عن الدعم الذي تقدمه إلى “ميليشيات في المنطقة”. وقالت إن “السلطات الإيرانية الإرهابية تقف خلف عملية الهجوم على الاستعراض العسكري في الأحواز لتبرئة نفسها من الإرهاب وتمويل الإرهابيين من دواعش وميليشيات في الإقليم والعالم ولتتباكى أمام الرأي العام الدولي في الوضع الحساس الراهن”. دفع الرئيس حسن روحاني النفوذ الاقتصادي والسياسي للحرس الثوري إلى التراجع خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه بعد هجوم الأحواز، سيكون من الصعب على روحاني تحديهم وتجاهلت الجمهورية الإسلامية هذا النفي. وأبلغت الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال البريطاني أنه “من غير المقبول السماح لمتحدث باسم (هذه المجموعة الانفصالية) تبني هذا العمل الإرهابي عبر محطة تلفزيونية مقرها لندن”. كما طلبت إيران من الدنمارك وهولندا تسليمها أعضاء هذه المجموعة متهمة البلدين باستقبالهم على أراضيهما. ولدى جماعات عربية معارضة قائمة طويلة من المظالم ضد زعماء إيران ويتنامى شعورها بالإحباط. ووقع الهجوم في مدينة الأحواز عاصمة إقليم خوزستان المتاخم للعراق ويعيش فيه معظم أبناء الأقلية العربية في إيران. وتشعر هذه الأقلية بالإهمال منذ وقت طويل من قبل الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الفرس في طهران. وتعاني المنطقة كثيرا وعلى نحو خاص من المشاكل الاقتصادية التي تواجه الجمهورية الإسلامية ككل، ويصل معدل البطالة في خوزستان إلى 14.5 في المئة أي أعلى من المعدل الوطني وهو 11.8 في المئة. وتفاقمت ظروف المعيشة المتدنية بسبب انقطاع الكهرباء وجفاف حاد وهو ما يلقي السكان باللوم فيه على سوء الإدارة من قبل الحكومة المركزية. واضطر سكان الأحواز إلى البقاء في منازلهم خلال بعض الأيام بسبب عواصف رملية عاتية مرتبطة بالجفاف خلال العام الماضي. واستفادت جماعات معارضة مسلحة من هذا الاستياء في محاولة لحشد التأييد لأفعالها التي اشتملت على مهاجمة خطوط أنابيب للنفط في المنطقة. ويقول نشطاء في مجال الحقوق المدنية إن هذه الهجمات العنيفة تقوض جهودهم السلمية لمساعدة السكان المحليين وتؤدي إلى اعتقالات على نطاق واسع. وتشكو أقليات كالأكراد في غرب إيران والبلوخ في جنوب شرق البلاد من إهمال الحكومة المركزية. واشتبكت جماعات كردية معارضة مسلحة مع الحرس الثوري في منطقة الحدود مع العراق خلال الشهور القليلة الماضية مما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى من الطرفين. وفي مطلع سبتمبر، أطلق الحرس الثوري سبعة صواريخ على قاعدة لجماعة كردية معارضة في شمال العراق مما أسفر عن سقوط 11 قتيلا على الأقل. إيران مثل هذه الهجمات توحد الإصلاحيين والمحافظين في إيران رغم الخلافات الحادة بشأن السياسات الداخلية والخارجية. ودفع الرئيس حسن روحاني النفوذ الاقتصادي والسياسي للحرس الثوري إلى التراجع خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه بعد هجوم الأحواز، سيكون من الصعب على روحاني تحديه. ويقول محللون إن العنف عزز الدعم للحرس الثوري وهو ما سيستغله على الأرجح لإسكات منتقديه وبينهم روحاني. وسيقوي قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، المبرم بين إيران وقوى عالمية، شوكة المحافظين إذ أنهم طالما قالوا إنه لا يجب الثقة في الولايات المتحدة. وقال وزير الخارجية الدنماركي اندرس سامويلسن لشبكة التلفزيون الدنماركية “إذا ثبتت أي علاقات مع الدنمارك فستكون لذلك عواقب بالتأكيد”. أما وزارة الخارجية الهولندية فقد ذكرت أنها “استمعت إلى رواية إيران وقدمت تعازيها بعد الاعتداء”. وفي لندن، قال الناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية إن الوزارة أخذت علما “بالقلق” الذي عبرت عنه إيران وقدمت أيضا “تعازيها”. ورأى مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في الهجوم “استمرارا لتآمر حكومات المنطقة لحساب الولايات المتحدة”. أما الولايات المتحدة فقد أكدت بلسان سفيرتها في الأمم المتحدة نيكي هايلي أنها “تدين كل هجوم إرهابي في أي مكان”. واتهم مسؤولون إيرانيون السعودية، حليفة واشنطن في المنطقة، بتسليح وتمويل المجموعة المسلحة، بينما اتهم آخرون “دولتين (عربيتين) في الخليج" ويسود توتر شديد بين طهران والرياض حول ملفات عديدة في الشرق الأوسط وخصوصا حول نزاعي سوريا واليمن. كيف سيتصرف الحرس الثوري؟ إايران قال قادة كبار إن هجوم الأحواز نفذه متشددون دربتهم دول خليجية عربية وإسرائيل ودعمتهم الولايات المتحدة، ولكن من غير المرجح أن يرد الحرس الثوري على هؤلاء الخصوم بشكل مباشر. ومن غير المتوقع أن تتبنى إجراءات راديكالية في وقت تشعر فيه بالضعف، إثر فرض الولايات المتحدة عقوبات غير مسبوقة بدأت تهز الاقتصاد بالفعل. ويقول جيمس دورسي الأستاذ في كلية “راجارانتام” للدراسات الدولية، إن “إيران تعلم أن هدف من يقف وراء الهجوم هو تصعيد حدة مواجهتها مع الولايات المتحدة”. وأضاف أنه إذا قامت إيران بأي عمل عدائي في مياه الخليج فمن الممكن أن يتسبب ذلك في تدخل مباشر من قبل الولايات المتحدة، وهو آخر ما تسعى إليه طهران حاليا. وسيلجأ الحرس الثوري على الأرجح لاستعراض القوة بإطلاق صواريخ على جماعات تنشط في العراق أو سوريا ربما تكون على صلة بالمسلحين الذين نفذوا الهجوم. وبعد أيام من الهجوم الذي نفذه تنظيم الدولة الإسلامية في طهران عام 2017، أطلق الحرس الثوري صواريخ على جماعات متشددة في شرق سوريا. وعقب سلسلة من الاشتباكات مع جماعات معارضة كردية في الشهور الأخيرة أطلق صواريخ على قاعدة للمعارضة الكردية في شمال العراق في بداية سبتمبر. ومن المرجح أن يطبق سياسة أمنية صارمة في إقليم خوزستان في المستقبل القريب ويعتقل أي معارضين محليين محتملين بما في ذلك نشطاء الحقوق المدنية. لكن ستبقى هذه الإجراءات هي كل ما يستطيع الحرس الثوري القيام به الآن، في مواجهة الأزمة الداخلية المتفاقمة، خصوصا تأثير تراجع الاقتصاد الحاد على تماسك قبضة النظام في المجتمع. ويقول دبلوماسيون غربيون إن إيران كانت مستعدة للتعايش مع الضغط الخارجي الذي تمارسه الولايات المتحدة عبر فرض العقوبات الاقتصادية بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في مايو الماضي، طالما أن الضغط الأميركي لا يتضمن خطة لزعزعة استقرار النظام من الداخل. وفي نفس اليوم الذي وقع فيه الهجوم، قال محامي ترامب رودولف جولياني إن العقوبات الأميركية تتسبب في ألم اقتصادي كاف لكي يقود إلى “ثورة ناجحة” في إيران. وأضاف “لا أعرف متى سنطيح بهم، قد يحدث ذلك خلال بضعة أيام أو أشهر أو عامين، ولكنه سيحدث”. ويقول محللون إن إيران لا تملك اليوم أدوات الرد على مثل هذا الهجوم، نظرا لعدم وضوح الرؤية بخصوص داعميه، وفي وقت تكافح فيه من أجل التمسك بنفوذها على جبهات عدة. وأي عمل تخريبي إضافي تقوم به من الممكن أن يمنح الولايات المتحدة ورقة إضافية لإقناع شركائها بالمساهة في خنق طهران اقتصاديا، والوصول بالعقوبات إلى مرحلة العزلة الكاملة. الأحواز
مشاركة :