مطالبة شابة سودانية خلال حلقة برنامج "شباب توك" من الخرطوم، التي تناولت وضع المرأة السودانية، بالمساواة بين المرأة والرجل، أثارت جدلاً كبيراً. فكيف كانت ردود الفعل على مستوى قادة الرأي والإعلام؟ وإلى أين تسير الأمور؟ تبعات حلقة برنامج "شباب توك" التي بُثت من العاصمة السودانية الخرطوم بعنوان "ماذا تريد المرأة السودانية اليوم؟" لم تنتهِ حتى اللحظة. ومن أكثر المداخلات المثيرة للجدل، كانت مداخلة وئام شوقي، التي انتقدت فيها العادات والتقاليد وصبت فيها جام غضبها على التحرش والمضايقات التي تتعرض لها المرأة السودانية: "عندما أسير في الشارع ويعاملني الرجل كجسم وليس ككائن إنساني، فإن هذا الشخص هو المريض، وليس العيب في أنا وطريقة لبسي". وأضافت شوقي البالغة من العمر 28 عاماً والتي تحدثت أيضاً مباشرة إلى البروفيسور محمد عثمان صالح، رئيس "هيئة علماء السودان"، الذي كان يشارك في البرنامج الحواري: "اللباس الذي أرتديه يحترم إنسانيتي ويخضع لحريتي في الاختيار ولا يخضع للمجتمع بكل عاداته وتقاليده المريضة، والتي يظن أن تلك العادات والتقاليد شريعة"، على حد تعبير وئام شوقي. كما لفتت وئام النظر إلى أن التحرش لا تنجو منه حتى من بلغت من السن عتياً. وقد انتشر فيديو وئام شوقي على شبكات التواصل انتشار النار في الهشيم، مطلقاً نقاشاً واسع النطاق حول المساواة بين الجنسين في السودان. وفاق عدد مشاهدات الفيديو مليون مرة على منصات الفيسبوك وتويتر ويوتيوب. "صرخة إيقاظ" "قررنا تناول وضع حقوق المرأة في السودان بعد أن تلقينا طلبات من الكثير من النساء اللواتي يعانين من عدم المساواة والتفرقة على أساس الجنس"، هكذا فسر مقدم برنامج "شباب توك" جعفر عبد الكريم أسباب اختيار موضوع الحلقة. وأورد الإعلامي بعضاً من الأمثلة: "يمكن أن يتم تزويج الفتاة السودانية ذات العشر سنوات، وبشكل قانوني. ولحد اليوم تتعرض نساء وفتيات للختان، نظراً لعدم وجود قانون يجرم تلك العمليات". "نالت الحلقة وخصوصاً فيديو وئام شوقي الكثير من التأييد في شبكات التواصل"، هكذا رأت الصحفية اليمنية هند الأرياني مادحة شجاعة الشابة في وقوفها في وجه رئيس "هيئة علماء السودان"، والتي يعتبرها الكثير من المراقبين امتداداً للإخوان المسلمين في السودان: "إنها صرخة إيقاظ موجهة للنساء القويات في السودان". ووصف بعض رواد وسائل التواصل وئام بأنها رمز للشجاعة والثبات، كما تطرق البعض الآخر إلى أن حجتها مقنعة تماماً". وبعد ردود الفعل أصرت وئام شوقي في مداخلة تلفزيونية مع قناة أم درمان على رأيها ودافعت عنه وأشادت بدعم والدها لها. "وقاحة" و"نشر" للإلحاد وفي خطب الجمعة تطرق العديد من الخطباء إلى الحلقة. ووصف عبد الحي يوسف، إمام وخطيب "مجمع خاتم المرسلين الإسلامي" بالخرطوم ظهور وئام "حاسرة" الرأس و"كلامها بصوت مرتفع" وبإشارتها بيدها في وجه محمد عثمان صالح. وأضاف عبد الحي يوسف: "طعنت (وئام) بثوابت الدين: الحجاب، وتطالب بمساواة المرأة بالرجل في العصمة". كما وجه الشيخ شيخ د. محمد الأمين إسماعيل سهام نقده للقناة السودانية الشريكة، سودانية 24، وللمشاركين بالحلقة: "مذيع القناة الألمانية يبث الفساد في البلاد (السودان) ويتعاون على ذلك شياطين الإنس في بلادنا". كما اتهم الشيخ مقدم البرنامج بأنه يريد "تبديل كلام الله" و"إعاثة الفساد" في السودان ونشر "الكفر" و"الإلحاد" و"العلمانية". بالنسبة لمقدم البرنامج فإن ردود الفعل الإيجابية أكثر أهمية من "الهجمات اللفظية"، ويرى عبد الكريم أن"الزعماء الدينيين يلجؤون إلى لغة الكراهية. لكن المشجع في الأمر رؤية الجيل الشاب يدعم ويدافع عن حقوق المرأة". أكثر من مجرد عنف "لفظي" غير أن الأمر لم يتوقف عند العنف اللفظي، بل وصل إلى التهديد بالقتل ضد جعفر عبد الكريم وقناة "سودانية 24". وتوعد متطرفون مقدم البرنامج ومالك القناة الشريكة باللجوء إلى الدبابات والأسلحة الرشاشة. وبالأمس لم تحضر النساء العاملات في القناة إلى العمل ووضعت قناة "السودانية 24" لفترة مؤقتة تحت الحراسة الأمنية خوفاً من تعرضها لأي أعمال انتقامية. وخضع مدير "سودانية 24" لاستجواب سلطات الأمن حول التعاون القائم مع DW عربية. وذكرت عدة وسائل إعلام محلية أن السفارة الأمريكية في الخرطوم طالبت رعاياها بعدم الاقتراب من محيط قناة “سودانية 24” بعدما أعلنت جماعات إسلامية نيتها تنظيم وقفة احتجاجية، أمس الأحد، أمام مقر القناة. كما كشفت وسائل إعلام أخرى أن السفارة اتصلت بالمدير العام للقناة السودانية وبعض العاملين، للاطمئنان على سلامة القناة وعرضوا تقديم أي خدمة ممكنة. الإعلامان التقليدي والجديد فرض الموضوع نفسه على أجندة الصحف؛ إذ عنونت صحيفة "المجهر" بتصريح لرئيس هيئة علماء السودان: "التعاون مع الفضائيات المعادية أخطر من حمل السلاح". كما نقلت الصحيفة اتهام محمد عثمان صالح لجعفر عبد الكريم بأنه كان "غير مهني وغير مؤدب". واتهمت صحيفة قناة "سودانية 24" بأنها ارتكبت "جريمة". وذهبت صحيفة أخرى إلى برنامج "شباب توك" هو "استهداف" للإسلام وأنه "علمانية" في ثوب جديد. وتناولت صحف أخرى الموضع من جانب خبري مركزة على انتقادات خطباء المساجد والدعاة والمطالبات بـ"إغلاق" قناة "سودانية 24" و"استدعاء" مدير القناة من قبل جهاز الأمن. كما عنونت صحيفة الأخبار بـ"شباب توك.. في مرمى نيران السلفية". وسيطرت عدة هاشتاغات على علاقة بالموضوع على شبكات التواصل في السودان بعد إن أضحى الموضوع قضية رأي عام: #سودانية_٢٤_تسي_للسودان، #قاطعوا_قناة_سوادانية٢٤، #اطردوا_جعفر_عبدالكريم_من_السودان. "تجريم المرأة" تتهم منظمات حقوق الإنسان السلطات السودانية منذ أمد بعيد بـ"تجريم المرأة". فقد ذكر تقرير صدر مؤخراً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن " القانون السوداني يميز بطرق مختلفة ضد الفتيات والنسوة السودانيات، من خلال عدة أساليب كتطبيق أحكام الشريعة في الجرائم الأخلاقية كالزنا أو القوانين الخاصة باللباس". أما المنظمة الحقوقية Redress والتي تتخذ من لندن مقراً لها فقد نشرت العام المنصرم تقريراً أشارت فيه "قوانين النظام العام سُنَّت -وبشكل واع- لتكون غامضة وقابلة للتأويل، بحيث يمكن استغلالها كأداة للسيطرة الاجتماعية من قبل السلطات". لويس ساندرس
مشاركة :