تسود حالة من التفاؤل الشديد تجاه التأثير الإيجابي المتوقع لقطار الحرمين السريع على الكثير من القطاعات في المملكة، وفي مقدمتها قطاع الاقتصاد، وقطاع السياحة الدينية، إذ ينتظر أن تعلن هذه التأثيرات عن نفسها خلال الشهور القليلة المقبلة، خاصة مع تنامي الاعتماد على القطار في التنقلات بين الحرمين الشريفين. ورعى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ يحفظه الله ـ اليوم، حفل تدشين القطار في محطة جدة، بحضور كوكبة كبيرة من المسؤولين ورجال الدولة. ويعد مشروع القطار أحد العناصر المهمة في برنامج توسعة شبكة الخطوط الحديدية في المملكة، ويتم تمويله ـ باعتباره مشروعاً حكومياً ـ من قبل صندوق الاستثمارات العامة. وهو من أضخم مشاريع المملكة والأكبر على مستوى الشرق الأوسط باعتباره أول قطار كهربائي سريع على مستوى المنطقة، ويبلغ طول مساره 450 كم، وبخط مزدوج يربط خمس محطات في كل من مكة المكرمة، وجدة، ومطار الملك عبد العزيز الدولي، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية برابغ، والمدينة المنورة. وتبلغ السرعة التشغيلية للقطار 300 كلم في الساعة، وبلغت كلفته الإجمالية 60 مليار ريال. وتبرز أهمية المشروع في مواجهة تنامي عدد الحجاج والمعتمرين من الخارج والداخل، وتخفيف الضغط والزحام على الطرق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومحافظة جدة، وتعزيز الراحة والأمان والسرعة التي يوفرها السفر بالقطارات، وتقليل التلوث الناتج عن عوادم السيارات، يضاف إلى ذلك التنمية الاقتصادية والثقافية المباشرة وغير المباشرة للمناطق والمدن التي سيمر بها القطار. منظومة النقل العام ويعزز قطار الحرمين منظومة النقل العام في المملكة، وهي المنظومة التي سعت حكومات المملكة المتعاقبة، إلى تفعيلها بشكل أكبر في المجتمع السعودي، لتكون عاملاً مسانداً للنقل الخاص. وتهدف منظومة النقل العام إلى تخفيف الزحام الشديد في الطرقات الداخلية والسريعة، بفعل الاعتماد الكبير على السيارات الخاصة في التنقل من مكان إلى آخر، يضاف إلى ذلك تقليص استهلاك الوقود محلياً، حتى لا يؤثر على حجم ما تصدره المملكة من الطاقة. وتشير تقارير اقتصادية إلى مخاوف كبيرة من زيادة سنوية قدرها 5% في الاستهلاك المحلي للنفط، وحذرت هذه التقارير من أن بقاء هذه الزيادة على ما هي عليه، أو تناميها عاماً بعد آخر، سوف ينعكس على صادرات المملكة من النفط. ويتوقع المحللون أن يزداد الوعي لدى الكثيرين باستخدام قطار الحرمين في التنقل بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ليكون بديلاً سريعاً وآمناً أكثر من السيارات الخاصة، وأشاروا إلى إمكانية تراجع نسبة الاستهلاك المحلي من النفط في غضون شهور قليلة من الآن، إلى جانب التقليل من نسبة الحوادث التي كانت تشهدها الطرق التي تربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، راح ضحيتها أرواح كثيرة. خدمة ضيوف الرحمن ويتزامن تدشين مشروع قطار الحرمين، مع تنفيذ متطلبات رؤية المملكة 2030، التي ركزت في العديد من بنودها، على أهمية زيادة عدد الحجاج والمعتمرين عاماً بعد آخر، وسيقدم القطار خدماته السريعة والآمنة لضيوف الرحمن بشكل خاص، وهو ما دعا الدكتور نبيل بن محمد العامودي، وزير النقل، للتأكيد على إن القطار يمثل ترجمة حية لجهود المملكة ودورها الإسلامي الفاعل في خدمة الحرمين الشريفين وزائريهما من الحجاج والمعتمرين، موضحاً أن المملكة تحرص على خدمة ضيوف الرحمن، واعتبارهم أولوية يتشرف بخدمتهم كل مواطن سعودي، ولا يتوانى عن تقديم ما ييسر أداء مناسكهم. وينتظر أن يتضاعف عدد ضيوف الرحمن في مواسم الحج والعمرة سنوياً، خاصة بعد الانتهاء من مشاريع التوسعة في الحرم المكي. وسيكون القطار الوسيلة الأمثل في التنقل بين الحرمين الشريفين. عمليات التنمية ويؤكد مشروع قطار الحرمين، قدرة المملكة على تنفيذ المشاريع الكبيرة، التي تخدم عمليات التنمية في البلاد، من خلال زيادة الدخل العام، وتأمين وظائف لأبناء الوطن، وذلك بالتزامن مع تطبيق متطلبات رؤية 2030. وتتصف هذه المشاريع بشكل خاص، ومنها مشروع نيوم، ومشروع جزر البحر الأحمر، ومشروع القدية، بأنها "نوعية"، لها أهدافها العامة في تنمية الاقتصاد وتعزيز أركانه وإيجاد مصادر دخل جديدة تساند قطاع الطاقة. وسيكون مسار القطار البالغ 450 كيلومتراً على الجانبين، مستهدفاً من قبل عمليات التنمية والاستثمار، ومن هنا فقد بدت الأحياء الثلاثة التي تستضيف محطات القطار في المدن الرئيسية، وهي: حي السلمانية بجدة، وحي الهدارء بالمدينة المنورة، وحي الرصيفة بمكة المكرمة، وكأنها تحف معمارية، مشكّلةً بذلك معلماً خدمياً جديداً وثقافة اجتماعية واقتصادية تتأهب المجتمعات المحيطة على التعامل معها، باعتبارها نقلة نوعية في مجال الوظائف والتنمية والعقارات والحراك التجاري. حيث سيسهم تشغيل المحطات الثلاث في توفير فرص استثمارية واعدة لأهالي تلك الأحياء.
مشاركة :